بات المتوقع قبل شهور بزيادة أسعار السلع، وفي مقدمتها النفط والغذاء، حقيقة وأمراً واقعاً بدأنا نلمسه بأنفسنا صباح كل يوم، خاصة في الأسواق والمحال التجارية ومحطات الوقود والمصالح الحكومية.
ولم يعد وصول سعر برميل النفط إلى مائة دولار في الأسابيع المقبلة أمراً مستبعداً مقابل سعر لا يتجاوز 30 دولارا في منتصف العام الماضي، بل وربما أقل من هذا السعر بكثير في بعض السنوات، خاصة تلك التي شهدت حروبا نفطية أو كساد عالمي وأزمة مالية.
وباتت أسعار القمح والذرة والدقيق والزيوت النباتية واللحوم والأرز والسكر والشاي والألبان وغيرها من السلع الغذائية مرشحة للصعود في الفترة المقبلة، على خلفية السباق المحموم بين الدول والشركات الكبرى على تخزين السلع الرئيسية أو منع تصديرها، أو الاقبال الشديد على شراء المواد الخام والسلع الوسيطة.
إزاء هذه القفزات في أسعار السلع، خاصة الغذائية والبترولية، تقف حكومات دول المنطقة أمام سيناريوهات عدة، الأول هو اختيار الحل السهل والسريع وهو، زيادة جرعة الاستدانة الخارجية والمحلية وبتكلفة عالية، في ظل توقعات بزيادة سعر الفائدة والتضخم، وبالتالي زيادة كلفة الأموال التي تتحملها الدول مقابل الغرق في الاستدانة.
وربما يقود ذلك الخيار السهل والسريع الدول المقترضة بشراهة إلى التعثر المالي على المدى البعيد، في ظل ضخامة أعباء الديون وتراجع إيرادات النقد الأجنبي، وتوقف المقرضين عن منح مزيد من القروض في حال زيادة المخاطر الاقتصادية والمالية، كما حدث في لبنان قبل شهور التي توقفت عن سداد ديونها الخارجية ودخولها في نفق التعثر.
وربما تلجأ الحكومات إلى اختيار بديل أخر وهو تقليص دعم السلع الأساسية، خاصة الغذائية والبترولية، وزيادة أسعار السلع والخدمات بمعدلات قياسية تعادل الزيادة في الأسواق الدولية، وربما أزيد كما حدث في مرات سابقة، حيث تاجرت الحكومات في شعوبها.
وهنا يكون المواطن أمام زيادات في أسعار البنزين والسولار وغاز الطهي وفواتير النفع العام من مياه وكهرباء وصرف صحي ورسوم المرور والشهر العقاري والتوثيق والأحوال المدنية وجواز السفر وشهادات الميلاد ورسوم التراخيص وغيرها.
وربما تمتد يد الحكومة إلى رغيف الخبز، السلعة الأهم بين معظم شعوب المنطقة، لتزيد سعره أو تقلل وزنه أو ترفع الدعم كلية عنه.
وربما يصاحب ذلك زيادة في الرسوم والضرائب المفروضة على المواطن، مع توسيع رقعتها لتمتد إلى أنشطة أخرى في الاقتصاد لا تخضع حاليا للضريبة، سواء الضريبة المباشرة أو القيمة المضافة أو الدخل، مع فرض مزيد من الأعباء على الواردات، لتقليص فاتورتها وعجز الميزان التجاري للدولة.
وهناك خيار أخر وهو قيام الحكومة بتدبير إيرادات إضافية بعيداً عن جيب المواطن الذي أرهقه تضخم الأسعار وخفض قيمة العملة المحلية وتراجع القوة الشرائية وتآكل المدخرات وثبات الأجور خلال السنوات الماضية.
وهنا تتجه الحكومات التي تفضل هذا السيناريو إلى مكافحة التهرب الضريبي والجمركي ومواجهة الفساد ونهب المال العام والاعتداء على أراضي الدولة وغيره من الجرائم، وتعظيم إيرادات الدولة، وتنشيط الأنشطة المدرة للنقد الأجنبي، خاصة السياحة والصادرات، وتهيئة المناج لجذب الاستثمارات الخارجية، وزيادة الإنتاج المحلي لسد احتياجات السوق من السلع المستوردة، وتقليص الإنفاق الحكومي خاصة غير الضروري، ووقف إهدار المال العام، وتجميد تنفيذ المشروعات الكبرى غير الملحة والتي تمثل إرهاقا للموازنة العامة.
السؤال هنا: أي السيناريوهات ستلجأ إليه حكومات دول المنطقة؟ وهل تلك الحكومات حريصة على عدم إثارة الرأي العام وسكب المزيد من الوقود في الأسواق، أم أنها متأكدة أن قبضتها الأمنية ستجهض أي شخص يفكر في الخروج إلى الشارع والتظاهر أمام الإجراءات التقشفية العنيفة والمطالبة بحقه في ثروات بلده؟