شهدت منافذ مصلحة الجوازات والهجرة بوزارة الداخلية في مصر زحاماً شديداً خلال اليومين الماضيين، مع اندفاع آلاف السوريين المقيمين في مصر إلى توفيق أوضاعهم، بعد تلقيهم تحذيرات من تعرضهم للإجلاء القسري في حالة عدم تقنين أوضاعهم رسمياً بنهاية شهر مارس/ آذار المقبل.
تزامنت الإجراءات مع إلزام مئات الآلاف من أبناء المسافرين المصريين أقل من 18 عاماً، بدون عوائلهم، الحصول على تصريح سفر، من مصلحة الجوازات، مقابل 300 جنيه للفرد، الذي بدأ تطبيقه اعتباراً من 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، بما يفاقم تزاحم الراغبين في إنهاء إجراءات السفر والإقامة للأجانب والمصريين.
بدأت الحكومة تنفيذ خطة دقيقة لدفع ملايين المهاجرين واللاجئين من السوريين والعرب وباقي الجنسيات إلى تقنين أوضاع إقامتهم داخل البلاد، خلال 3 أشهر. ألزمت الحكومة غير المصريين بإنهاء إجراءات الإقامة الخاصة بهم، التي تشمل تجديد تأشيرات الزيارة السياحية أو تحويلها لإقامة مؤقتة أو دائمة.
غرامات التأخير
فوجئ السوريون بمطالبة مصلحة الجوازات برهن تجديد الإقامة السياحية بوجود جواز سفر سار لمدة 6 أشهر، ودفع قيمة غرامة التأخير عن فترات تجديد الإقامة وفقاً لعدد السنوات التي تخلّفها المقيم داخل البلاد، على أن يدفع المخالفة بتحويل بنكي بالدولار، مقوماً المبلغ المطلوب بالجنيه، لضمان تحويل العملة وفقاً للأسعار بالقنوات الرسمية.
تختلف قيمة المخالفات وفقاً للجنسية فتصل إلى 1200 دولار للسوري و250 دولاراً للعراقي و1000 دولار للسوادني، وفي حالة عدم الدفع يجرى ترحيل المخالف، مع حرمانه من دخول مصر لمدة 5 سنوات. تشترط الإجراءات على الراغبين في الحصول على الإقامة الدائمة امتلاك عقد إيجار موثق بالشهر العقاري، ووجود مصدر دخل، يسمح بتداوله عبر البنوك، وإجراءات التعاملات المالية باستخدام الحسابات البنكة وبطاقات الائتمان.
عبر سوريون لـ "العربي الجديد" عن استيائهم من القيود الحكومية التي فرضت بشكل مفاجئ، الأسبوع الماضي، وسط حملات أمنية وهجوم شرس تشنه شخصيات مقربة من السلطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد المقيمين في مصر، مشيرين إلى أن أغلبهم جاءوا بعد اندلاع الحرب الأهلية في سورية عام 2011، ولا يملكون جوازات سفر سارية، ومنهم من يخشون العودة إلى سورية أو التعامل مع سفارتها بالقاهرة، خوفاً على حياتهم، وعشرات الآلاف منهم ينتظرون قراراً من وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لنقلهم إلى دولة ثالثة، عبر نظام التوطين الذي تشرف عليه المنظمة الدولية.
تضييق على المقيمين
قالت سيدة سورية خمسينية، تخشى الإفصاح عن اسمها: "إن الحكومة تدفع السوريين إلى تجديد الإقامة على وجه السرعة قسراً، بطلبهم من أولادنا الملتحقين بالمدارس الحكومية والخاصة أصول الموافقات الرسمية للإقامات، بالتوازي مع شن حملات على المحلات التابعة لسوريين لملاحقة أصحاب الأعمال بطلب التراخيص وتشغيل الشباب لديهم للتأكد من حملهم تصاريح رسمية من وزارة العمل".
أشارت السيدة إلى أن الحملة الموسعة على أبناء الجالية السورية، التي تشهدها لأول مرة منذ 10 سنوات، تستهدف تضييق الخناق على جميع المقيمين السوريين، لتدفع كل شخص إلى توفيق أوضاعه وفقاً للتعليمات الحكومية التي صدرت مؤخراً.
رصدت "العربي الجديد" مئات حالات طالبي توثيق شهادات الطلاب وعقود الإيجارات، أمام منافذ وزارة الخارجية بمدينة 6 أكتوبر، التي تقطن بها جالية كبيرة من السوريين، خلال الأيام الماضية، مع وجود حالات مشابهة من السودانيين الفارين من الحرب الأهلية الملزمين بتوفيق أوضاعهم بالمثل للسماح لهم بإدخال أولادهم المدارس والجامعات الخاصة والحكومية.
أشارت سيدة سودانية إلى رفض الجهات المصرية قبول أولادهم بالمدارس بدون استكمال إجراءات الإقامة، والأوراق التي تحتاج إلى توثيق من البلد الأصلي، بما يضع السودانيين تحت ضغوط الحرب الأهلية، ولا يمكن السوريين من سهولة الحصول على اعتماد للأوراق من بلدهم بدون دفع أموال باهظة في بلد الموطن وأخرى في الإقامة.
تمرّ عملية التوثيق بإجراءات معقدة في البلدين، وتحتاج كل مرحلة منها إلى مبالغ كبيرة، تبدأ من الحصول على موافقة من المدارس والإدارات التعليمية والجامعات ووزارات التعليم والخارجية والعدل والداخلية. دفعت الإجراءات العميقة كما تقول السيدة الأربعينية اللاجئين السوريين والسودانيين باعتبارهم الأغلبية من اللاجئين الذين يرغبون في مواصلة التعليم والإقامة بمصر، إلى البحث عن مستخلصين أو مكاتب إشهار للأوراق الرسمية، تحصل على ما بين 3000 دولار إلى 7000 آلاف دولار، لإنهاء إجراءات الإقامة والتوثيق للشهادات الرسمية.
يوجد قليل من المكاتب المحترفة ذات السمعة الجيدة في خدمة اللاجئين والمقيمين الأجانب، مع انتشار كثير من السماسرة الذين يتلاعبون بهم، بما يعرضهم لمخاطر مالية وأمنية شديدة.
حملات لغلق المطاعم
شهدت "العربي الجديد" حملات مكثفة لتشميع عدد من المطاعم السورية، قامت بها السلطات المحلية، على محلات شهيرة، بمدينة 6 أكتوبر لبيع المأكولات والحلويات السورية. تعلن السلطات أن الحملة ضبطت أطعمة فاسدة ومنتجات غير مطابقة للمواصفات، بينما يؤكد عاملون أن الحملة تكررت في الآونة الأخيرة، واستهدفت حصول جهة أمنية على المحلات السورية بميدان "الحصري" بقلب المدينة، فتحول إلى مرتع للباعة الجائلين، ثم عاودت الهجوم على محلاتهم، بعد جذب الجمهور بعيداً عن الميدان، بدواعي تشغيل سوريين بدون تصريح إقامة أو موافقة جهات العمل بالدولة.
كشف اجتماع عقده الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الاثنين الماضي، مع لجنة وزارية موسعة، عن وجود خطط حكومية مسبقة، لإدارة ملف وجود السوريين واللاجئين العرب والأجانب خلال الفترة المقبلة، للتخلص من الأعباء المالية التي تقدمها الدولة للاجئين المتعلقة بالخدمات التعليمية والصحة والحد من الإقامة المفتوحة.
تشكلت اللجنة الوزارية من وزراء التموين والصحة والسكان والتضامن الاجتماعي والتنمية المحلية والتربية والتعليم العام والفني، والعمل ومساعدي وزراء الخارجية للشؤون الاقتصادية والمالية لشؤون الموازنة العامة. تظهر بيانات الحكومة أرقاماً هائلة في تعداد اللاجئين، التي تقدرهم بنحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ، يتبعون 133 دولة، بما يمثل 8.7 في المائة من تعداد سكان البلاد.
يرصد البيان تركز اللاجئين بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية ودمياط، بعضهم يعيشون في مصر منذ 10 سنوات، ويعمل 37 في المائة منهم بوظائف ثابتة ومستقرة. يشير مجلس الوزراء إلى أن المهاجرين واللاجئين يحصلون على خدمات متساوية مع المصريين في القطاع الطبي والتعليم، يحمل الدولة تكلفة اقتصادية باهظة.