معاناة أسواق الدول الناشئة... هل بدأت؟

30 مارس 2021
هروب للسيولة الدولارية من الأسواق الناشئة (فرانس برس)
+ الخط -

تقول البيانات والتقارير الأخيرة الصادرة عن مؤسسات مالية دولية كبرى إن أرقاماً تقدر بمليارات الدولارات قد نزحت من أسواق البلدان الناشئة وهربت في الفترة الأخيرة متجهة نحو الأسواق الغربية، وفي مقدمتها الاقتصاد الأميركي.
فهناك نحو مليار دولار هربت من تركيا الأسبوع الماضي وفق تقديرات "دويتشه بنك" الألماني اليوم الثلاثاء، وربما يفسر ذلك سر الضغوط الشديدة التي تعرضت لها العملة التركية خلال الأيام الأخيرة والتي أدت إلى تراجع سعرها لمستوى 8.29 ليرة مقابل الدولار. 
ومن المتوقع أن يتكرّر السيناريو في عدد من الدول الناشئة، ومنها مصر وجنوب أفريقيا والأرجنتين، البرازيل، الصين، الهند، إندونيسيا، المكسيك، بولندا، كوريا الجنوبية وغيرها، وهي الدول التي شهدت بورصاتها وأسواقها المالية تراجعات حادة قبل أيام.

بيانات معهد التمويل الدولي ومقره واشنطن، الصادرة يوم الاثنين، تشير إلى أن المستثمرين الأجانب يتجهون إلى تسييل محافظهم المالية المستثمرة في أدوات الدين في الأسواق الناشئة مثل السندات وكذلك في الأسهم.
وأن إجمالي الأموال النازحة من تلك الأسواق بلغت 4.79 مليارات دولار منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2020 وحتى 26 مارس/ آذار الجاري، وأن حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية التي خرجت من الأسواق الناشئة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير/ شباط الماضي يفوق تلك التي دخلت إليها بنحو 290 مليون دولار يومياً. 

بل إن المعهد لاحظ أن التدفقات الأجنبية في أصول الأسواق الناشئة تحولت إلى السالب لأول مرة منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أي أن تلك الأسواق باتت غير جاذبة لاستقطاب أموال واستثمارات خارجية جديدة، حتى ولو رفعت بعضها أسعار الفائدة المحلية.
والملفت هنا ليس فقط حجم الأموال النازحة من الدول الناشئة، بل في ضخامة الأموال المطلوب سدادها من قبل تلك الدول للخارج.

حجم الديون الدولارية في الأسواق الناشئة التي يحين أجل سدادها يقدر بنحو 200 مليار دولار في عام 2021

فحسب بيانات نشرة "نيكاي آشيان ريفيو" اليابانية، فإن حجم الديون الدولارية في الأسواق الناشئة التي يحين أجل سدادها يقدر بنحو 200 مليار دولار في عام 2021 مقابل 115 مليار دولار تم سدادها بالفعل في العام الماضي 2020.
وهذا المبلغ الضخم المطلوب سداده في صورة أعباء وأقساط الديون يضغط على عملات تلك الدول واحتياطياتها من النقد الأجنبي، وقد يجبرها على زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي بسعر فائدة عالٍ، وربما بأي تكلفة. 
وهذا ربما يفسر قرار بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي خفض نظرته المستقبلية لعملات وسندات الأسواق الناشئة، وتوقعه بتراجع تلك العملات بنسب تتراوح بين 4% و5%.
أسباب نزوح الأموال من الأسواق الناشئة متجهة نحو الأسواق الغربية كثيرة، منها مثلاً التوقعات الأخيرة بسرعة تعافي الاقتصاد العالمي مع سرعة توزيع اللقاحات ومحاصرة فيروس كورونا وتراجع الإصابات والوفيات وضخامة حزم التحفيز المالي.
ومنها ما يتعلق بتحسن العوائد على أدوات الاستثمار المختلفة ومنها السندات الأميركية، ووجود توقعات قوية بزيادة سعر الفائدة على الدولار في عام 2022 مع قفزة معدل التضخم إلى نحو 2% في العام الجاري، ونمو الاقتصاد الأميركي بنسبة تفوق 5.6% في 2021، إضافة إلى استمرار زيادة المخاطر بالدول الناشئة مع استمرار جائحة كورونا وتأثيراتها الضخمة على تلك الاقتصادات. 

كما أن البنوك وصناديق الاستثمار الكبرى باتت تفضل الاستثمار في الأصول وأدوات الدين الغربية ومنها الأميركية على المخاطرة في الأسواق الناشئة.
موجة هروب الأموال من الأسواق الناشئة إلى أسواق الدول المتقدمة، واحتمال تواصل ذلك الهروب خلال الشهور المقبلة يضعان ضغوطاً شديدة على الدول الناشئة التي يبدو أن اقتصاداتها ستعيش أياماً صعبة، خاصة إذا ما أدى استمرار تلك الموجة إلى خفض التصنيف الائتماني لتلك الدول.

ربما تقود عملية هروب الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها الدولارية من بعض الأسواق الناشئة، إلى ارتفاع جديد في سعر الفائدة بها وربما إلى تعويم عملاتها

فربما تقود عملية هروب الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها الدولارية من بعض تلك الأسواق، إلى ارتفاع جديد في سعر الفائدة بها، وبالتالي زيادة الدين العام المحلي، وربما الاندفاع نحو تعويم عملاتها.

وهو ما نبه إليه مؤخراً كبير اقتصاديي معهد التمويل الدولي روبين بروكس الذي قال إن بعض الدول الناشئة قد تضطر إلى خفض قيمة عملاتها مجدداً، إذا لم تتم زيادة سعر الفائدة على عملتها المحلية.
 

المساهمون