تراجعت معدلات التحول الرقمي في مصر عند الحصول على خدمات صحية وتعليمية ومالية أسرع، وإنهاء مستخلصات الجمارك وإصدار تراخيص المرور والسجلات المدنية، ومعاملات التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي وشهادات القيد في الجامعات والمدارس.
ورصد استبيان أجرته الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية أخيراً، عن خسارة مصر نحو 22 مركزاً في مؤشر الحكومة الإلكترونية لتحتل المرتبة 103 من بين 134 دولة تقدم الخدمات الإلكترونية، متراجعة من المركز 79 وهو الأعلى الذي حققته الدولة عام 2008.
ووفق دراسة فنية لوحدة "حلول للسياسات البديلة" في الجامعة الأميركية في القاهرة، فإن التراجع في مؤشر الحكومة الإلكترونية متواصل رغم ما أنفقته الدولة على مشروعات التحول الرقمي، بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خلال العام المالي 2022/2023 المنقضي بنهاية يونيو/حزيران الماضي، بنحو 22.8 مليار جنيه (737.3 مليون دولار)، بالتوازي مع توجيه 60 مليار جنيه (1.94 مليار دولار) كمرحلة أولى لرفع كفاءة الإنترنت.
وأشارت الدراسة التي اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى استخدام 7 ملايين فرد خدمات "مصر الرقمية" الحكومية فقط، من بين 65 مليون مواطن بالغ ممن لهم حق التعامل مع الأجهزة الرسمية.
ولفتت إلى أن قلة إقبال الجمهور على التعاملات الرقمية، يرجع إلى ضعف البنية التحتية لشبكات الاتصالات والإنترنت، والتي وضعت مصر في المرتبة 81 بمؤشر جاهزية الشبكات ضمن 134 دولة لعام 2023، مع ارتفاع تكلفة استخدام الإنترنت، وخاصة المرتبطة بخدمات الهواتف النقالة.
وذكرت الدراسة البحثية التي يجريها نخبة من خبراء السياسات الاقتصادية وصناعة التكنولوجيا، أن مصر تحتل مرتبة متدنية في سرعة الإنترنت، حيث تسبقها عدة دول في قارة أفريقيا، منها جنوب أفريقيا وأوغندا والمغرب، لافتة إلى أن المؤسسات الحكومية والعامة، ما زالت تقدم الخدمات الرسمية عبر مرحلتين إحداهما إلكترونية والأخرى ورقية، التي تحتاج إلى توقيعات، على العديد من الأوراق.
وأشارت إلى تعرض بعض مستخدمي الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية للنصب والاحتيال، ما أثار مخاوف الجمهور من التعامل الرقمي، مؤكدة انتشار عدم ثقة المواطنين في الحكومة والخوف من اختراق الخصوصية.
ولفتت الدراسة إلى أن الخوف وعدم الثقة من اختراق الخصوصية، أديا إلى صعوبات تنفيذ مشروع "كارت المواطن" الذي أطلقته الحكومة منذ 4 سنوات، وبدأت تنفيذه في مدينة بورسعيد الساحلية (شمال)، لتوحيد التعامل حول نظام التأمين الاجتماعي والصحي والدعم المقدم من الدولة، والذي يطلب معلومات شاملة عن الأزواج والأبناء والدخل لكل أفراد الأسر، وحصر الأملاك السائلة والمنقولة.
وأظهرت الدراسة وجود قصور في تنفيذ استراتيجية الشمول المالي التي تعهدت الدولة بتنفيذها خلال الفترة من 2022 إلى 2025، لحماية حقوق عملاء البنوك وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي ونشر الثقافة المالية، بين المواطنين والشركات، ورواد الأعمال، مشيرة إلى عدم وجود حساب بنكي واحد لكل مواطن، وغياب تطبيقات قنوات الدفع بشكل كامل.
وتلجأ المؤسسات الحكومية إلى تحصيل الرسوم والمستحقات المالية، عبر الدفع النقدي، وعند الضرورة، تلزم الجمهور بالدفع لدى شركات تحويل الأموال والاكتفاء بالحصول على صورة الدفع الإلكتروني أو طلب بطاقة الدفع النقدي من العميل، بالتوازي مع دفع رسوم أخرى نقداً.
وتظهر بيانات وزارة الاتصالات، وجود 10.5 ملايين مشترك في خدمات الإنترنت المنزلي، عام 2023 من بين 105 ملايين مواطن، وحيازة 68.5 مليون مستخدم لإنترنت الهاتف المحمول، من بين 98 مليون شخص يمتلكون خط هاتف محمول، مع ذلك يظهر الجمهور معاناته الشديدة في إنهاء المعاملات الحكومية، التي وضعت مصر بين الدول الأفريقية، وفقا لمؤشر الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة، في المرتبة التاسعة، متخلفة عن موريشيوس وسيشل وجنوب أفريقيا وغانا وناميبيا والمغرب والرأس الأخضر.
في السياق، أشارت مصادر في جمعية رجال الأعمال، إلى فشل وزارتي المالية والتجارة الخارجية في تنفيذ نظام "نافذة" التي تستهدف تطبيق نظام الشباك الواحد، في إنهاء معاملات الإفراج الجمركي عن الصادرات والواردات طول العامين الماضيين، لتعدد الوزارات والهيئات المشرفة على الرقابة على الصادرات والواردات التي تصل إلى نحو 32 جهة حكومية تابعة لـ11 وزارة.
واستهدفت وزارة المالية تسهيل إجراءات تحصيل الرسوم المالية، بينما فوضت الموظفين في تقدير رسوم الشحنات، مع منح موظفين آخرين سلطة إعادة عمليات الرقابة والتقدير والتفتيش، بما ألزم الموردين بتقديم أوراق الإفراجات الجمركية ورقيا بالتوازي مع نظام "نافذة" التي يتحملها صاحب الطلب، مع عدم اعتماد التوقيعات إلكترونياً.
وفي دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، نشرها مؤخراً، أكدت أن تعدد الجهات الرقابية وتنازع كل جهة حكومية لاختصاصات الرقابة والتفتيش، مع وجود جهات رقابية لها "حق الفيتو"، تابعة للجيش والأجهزة الأمنية، تضاعف فترة إنهاء خروج البضائع من الدوائر الجمركية، لفترة ما بين أسبوعين إلى 5 أسابيع، بينما تستغرق نفس المنتجات فترة زمنية لا تزيد عن 3 أيام بموانئ دولة الإمارات.
ورصدت "العربي الجديد" استمرار وزارة الداخلية في إنهاء إجراءات فحص السيارات وإنهاء تراخيص القيادة والسيارات ورقياً، وتكتفي بتحصيل قيمة الضريبة المقررة على سعة المحركات عبر نظام الدفع الإلكتروني، بينما تحصل على رسوم إضافية لإعداد الملفات نقداً، للتهرب من تقديم كشف نهائي بقيمة الخدمات التي تقدمها للجمهور، رغم الزيادة الهائلة التي أضيفت على فواتير الإصدار خلال عامي 2022-2023.
كذلك تأتي وزارة التأمينات والمعاشات الاجتماعية، في مقدمة الجهات الحكومية غير الملتزمة بالتحول الرقمي، حيث تشترط على طالبي المعاش التقدم بطلباتهم مكتوبة ورقياً، وتجري التعامل بين الموظفين داخل المكاتب بالطرق التقليدية، مع قصر تعامل الموظفين على الشبكة الإلكترونية الموحدة التي تضم 15 مليونا من أصحاب المعاشات العاملين بالقطاعين العام والخاص، للكشف عن قيمة المستحقات دون إتمام أية أعمال بدون التوقيعات المتكررة والعديدة من كبار وصغار الموظفين.
وتنتشر الظاهرة عند استخراج شهادات القيد في المدارس والجامعات، ويرجعها موظفو وزارتي التعليم، إلى انتشار ظاهرة تزوير شهادات التخرج، التي أفقدت ثقة الدول الأجنبية في صحة شهادات التخرج بعدد واسع من الجامعات المصرية.
وأرجع أحمد درويش وزير التنمية الإدارية السابق، ظاهرة التراجع في التحول الرقمي بخدمات الجمهور، إلى حاجة العاملين بالجهات الحكومية إلى التدريب المستمر على توظيف التكنولوجيا في تسهيل الأعمال، والمزيد من الرقابة والحوكمة، مع الاستعانة بالمدراء الأكفاء القادرين على استخدام تلك الوسائل الحديثة.
وأكد درويش في حديث مع "العربي الجديد" أن بعض كبار المسؤولين يخشون من التوسع في عمليات "الرقمنة" لإنهاء الأعمال، إما لجهلهم بها وعدم الالتفات إلى أهميتها في إنجاز وشفافية الأعمال، أو رغبة في نشر الفوضى المنظمة التي تؤدي إلى الفساد، مشيرا إلى ضرورة التزام الجهات الحكومية بمؤشر أداء لقياس العمل، داخل المؤسسات، ووضع الرجل المناسب في مكانه الصحيح.
ورأى أنه لا داعي لمخاوف المواطنين والحكومة من التوسع في الخدمات الرقمية، وانتشار القرصنة والنصب بالإنترنت، مؤكدا وجود خبراء محليين قادرين على مكافحة القرصنة وحماية بيانات العملاء، في حالة توافر الإمكانات الفنية والمادية اللازمة لأداء وظائفهم بكفاءة.