يواصل الصندوق الجزائري للتقاعد توغله في نفق "العجز المالي"، الذي دخله سنة 2015، وبات قاب قوسين من العجز عن دفع معاشات متقاعدي الجزائر، ما دفع بالحكومة للبحث عن حلول سريعة لإنقاذ قوت نحو 4 ملايين متقاعد، عقب تسجيله لعجز للسنة السادسة على التوالي.
وكشفت موازنة الجزائر لسنة 2022، تسجيل صندوق التقاعد لعجز بلغ 720 مليار دينار ما يقارب 5.2 مليارات دولار السنة القادمة مقابل 680 مليار دينار أي ما يعادل 5 مليارات دولار السنة الحالية، ما دفع بالحكومة للاقتراض من الصندوق الجزائري للاستثمار، للعام الثالث على التوالي، لسد العجز.
وحسب الأرقام التي تحصلت عليها "العربي الجديد"، فإنه قد تمَّ تسجيل ما مجموعه 3.7 ملايين مستفيد من استحقاقات التقاعد حاليا، في حين يبلغ عدد حالات التقاعد الجديدة سنويا، 50 ألف متقاعد، وهو أقل بكثير مما تمَّ تسجيله قبل سنة 2018.
وحسب نفس الأرقام، فإن نفقات صندوق التقاعد تبلغ 1220 مليار دينار (9 مليارات دولار) مقابل إيرادات لا تتعدى 500 مليار دينار سنويا.
وفي السياق، يكشف عضو لجنة الشؤون المالية والميزانية في البرلمان الجزائري، عمار صغوان، أن "رئيس الحكومة، وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان قدم للنواب لدى عرضه مشروع الموازنة العامة لـ 2022، تطمينات بأن الحكومة ستقترض من صندوق الاستثمار، لتغطية عجز صندوق التقاعد السنة القادمة، مع التوجه لحلول استثنائية كاقتطاع جزء من الجباية النفطية، معترفا بعجز الحكومة عن إيجاد الحلول، إذ لا يمكن أن يقرض صندوق استثماري كل سنة صندوقا آخر غير استثماري أي أن القرض ينفق لتغطية المعاشات، وكيف سيتم تسديد القرض وما هو الأجل الزمني، علما أن صندوق الاستثمار أقرض صندوق المعاشات قرابة 1500 مليار دينار (الدولار= 137 دينارا)".
وأضاف النائب البرلماني لـ "العربي الجديد" أن "هذا الدعم ما هو إلا حل ظرفي ولن ينقذ الصندوق الوطني للتقاعد من مشكلاته المالية المزمنة، لا سيَّما عند الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الديموغرافية في البلاد، والتبعية الكبيرة للريع النفطي الذي يعد المغذي الرئيسي للصندوق، ولن تستمر تلك الحلول مع انهيار أسعار النفط في المستقبل، والتي تعد حلولا مسكنة من الدرجة الأولى وتأجيلا للأزمة".
وكانت الحكومة قد أقرت تعديلا على نظام التقاعد سنة 2017، لخفض كتلة المعاشات، بإلغاء التقاعد المُسبق الذي يعطي لأي شخص عمل في المجموع 32 عاماً، حق التقاعد من دون انتظار السن القانونية لذلك، والمحدد بستين عاماً.
وأبقت الحكومة على شرط بلوغ العامل سن 60 سنة بالنسبة للرجل و55 سنة للمرأة على الأقل، لكي يستفيد من التقاعد، في حين يمكن للعامل أن يضيف 5 سنوات أخرى بموافقة صاحب العمل.
كما خصَّصت الحكومة، بموجب موازنة سنة 2018، ضريبة تقدّر بنسبة 1% على المنتجات المستوردة التي يعاد بيعها، لفائدة صندوق التقاعد، وإن كان ذلك غير كافٍ، نتيجة للتدفّق الهائل للعمال الذين بلغوا سنّ التقاعد القانونية والتقاعد المبكر لعمال آخرين منذ سنة 1995، ومن جهة أخرى نتيجة لقلة عدد الموظفين المساهمين في هذا الصندوق.
ويرى النقابي والمختص بقانون العمل، نور الدين بوضربة، أن "أزمة صندوق التقاعد ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة تراكم نتائج سوء التسيير والاعتماد المفرط على عائدات النفط".
وما زاد الأمر سوءا هو ارتفاع البطالة في 2020 و2021 جراء "كورونا" وفق بوضربة، ما يعني تراجع الاقتطاعات من أجور العمال، لذا تجب مراجعة نظام العمل، من خلال تشديد الرقابة على التصريح بالعمال وكبح الاقتصاد الموازي الذي يشغل الملايين من الجزائريين".
وأضاف لـ "العربي الجديد"، أن "اللافت هو تلقي مسؤولين جزائريين لمعاشاتهم من صندوق الإطارات الممول من صندوق التقاعد، وهذا إجحاف في حق العمال، لأن نسب الاشتراك تكون غير متساوية من حيث السنوات، فمثلا الوزير بعد 10 سنوات عمل يحق له تقاضي معاش 100 بالمائة نفس الحق للنواب فيما يضطر العامل لبلوغ سن 60 سنة لتلقي معاش كامل".