يعيش قطاع المالية العمومي في الجزائر حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، حيث يتوالى الوزراء على القطاع منذ أكثر من أربع سنوات، بالتزامن مع تهاوٍ تاريخي للدينار، وارتفاع مستويات التضخم، بالإضافة الى ارتفاع الإنفاق العام إلى مستويات قياسية، ما يجعل الوزراء المتعاقبين على وزارة المالية لا يعمرون كثيراً، ما زاد من ضبابية المشهد المالي، وغياب الحلول لإعادة البريق إلى دينار البلد النفطي.
وشهد قطاع المالية موجات تغيير عدة منذ حراك فبراير/شباط 2019، الذي عجّل بسقوط نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حيث عُين محمد لوكال على رأس قطاع المالية في مارس/ آذار من نفس العام إلى غاية يناير/ كانون الثاني 2020، حينما أقاله الرئيس عبد المجيد تبون غداة توليه الحكم ذلك العام، وجرى بعدها إحالته إلى القضاء حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات بتهم تتعلق بتبديد المال العام ومنح مزايا غير مستحقة.
وبعده جرى تعيين محمد راوية الذي شغل منصب وزير المالية لستة أشهرٍ فقط، من يناير/كانون الثاني 2020 إلى يونيو /حزيران من نفس السنة، ليقيله تبون، ويعين بدلاً منه أيمن بن عبد الرحمان إلى غاية فبراير/ شباط 2022، حيث عينه تبون رئيسا للحكومة، ويخلفه محمد راوية، الذي لم يعمر طويلاً مجدداً، حيث سرعان ما أقاله الرئيس الجزائري بعد 4 أشهر فقط، ليخلفه محافظ بنك الجزائر آنذاك إبراهيم جمال كسالي، الذي تولى وزارة المالية من يونيو/ حزيران 2022 إلى غاية مارس / آذار 2023، ليحل محله في التغيير الحكومي الأخير لعزيز فايد.
وتزامن التداول على رأس وزارة المالية مع تسجيل الدينار الجزائري أكبر انزلاق في تاريخ العملة الجزائرية، بالإضافة إلى بلوغ التضخم مستويات فاقت توقعات الحكومة، إذ استقر عند 12.2% حسب ديوان الإحصاء الحكومي.
ويرى محمد عارف المدير السابق في البنك المركزي أن "تعاقب وزراء المالية على القطاع في ظرف وجيز، دليل على غياب الاستقرار وعدم وجود استراتيجية لتسيير القطاع، فمثلا قضية تحديث قطاعي الضرائب والجمارك لا تزال متعثرة ولم تتقدم فيها الحكومة أي خطوة منذ عقود".
ويقول عارف لـ"العربي الجديد" إن القطاع يحتاج إلى استقرار وزاري لوضع خطة عمل وخريطة طريق واضحة تخرج الجزائر من التسيير الآني للأزمات، مضيفا أنه "في ظل ارتفاع وتيرة تغيير الوزراء لا يمكن الحكم على فشل أو نجاح أي وزير، ولا يوجد معايير واضحة لتقييم الوزراء".
وسجلت العملة الجزائرية تراجعاً غير مسبوق، حيث قفز الدولار من 125 دينار إلى 139.2 ديناراً في ظرف سنة، علماً أنه في بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوي 83 ديناراً للدولار الواحد.
وبهذا التهاوي يقترب سعر الصرف الرسمي من سعر السوق الموازية، حيث سجل 190 ديناراً للدولار و210 دنانير أمام اليورو و125 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني.
وترجع خسارة الدينار إلى تبني البنك المركزي سياسة تعويم العملة المحلية عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الماضية، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وفي ظل ما تعيشه الجزائر من حركة اقتصادية مؤخرا، مدفوعة بارتفاع عائدات النفط والغاز، يرى مراقبون أن البلاد تحتاج الى استقرار في القطاعات المالية والاقتصادية.
وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين فإن " قطاع المالية أمام عدة رهانات منها تقليص الهوة بين الدينار والعملات الأجنبية، بدعم من ارتفاع عائدات النفط وتوازن كفتي الميزان التجاري"، مشيرا إلى أن هذا الإجراء يأتي لهدف اجتماعي هو حماية القدرة الشرائية، واقتصادي أيضا يتعلق بإعادة الحركة لاقتصاد الدولة.
ويقول نور الدين لـ"العربي الجديد" أن "الاستقرار الوزاري مهم لوزارة المالية التي تسعى لإحياء مشروع تطوير قطاع الضرائب الذي يسجل عجزاً في التحصيل فاق 90 مليار دولار حسب أرقام الحكومة، بالإضافة لتحديث جهاز الجمارك وأيضا المنظومة البنكية المتخلفة كثيراً، فضلا عن تسيير المال العام وضبط موازنة الدولة، التي تحتاج إلى وضع أهداف واضحة حتى لا تصرف الأموال من دون فوائد اقتصادية، خاصة أن الجزائر أقرت أكبر موازنة في تاريخها بـ 96 مليار دولار للعام الجاري 3023".