يواجه برنامج الحكومة المصرية طرح حصص في شركات تابعة للجيش أمام المستثمرين مصيراً غامضاً في ظل غياب أي بيانات رسمية عن المركز المالي والقانوني لهذه الشركات، وتضارب المعلومات بشأن النسب المحددة للبيع، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هناك محاولات من أطراف داخلية لتعطيل البيع، الذي يأتي في إطار ضغوط من صندوق النقد الدولي، أو الخوف من فشل الصفقة في ظل ظروف اقتصادية محلية عصيبة وعالمية سيئة لا تشجع على حصول الدولة على مقابل مجزٍ.
وتتجه الحكومة خلال الأيام المقبلة إلى تنفيذ أول خطوة في برنامج طرح شركات مملوكة للجيش أمام المستثمرين، في مسعى لإثبات جديتها في التخلص من ملكية الأصول الحكومية والتابعة للجيش وفقا برنامج "وثيقة نقل الملكية العامة" الذي وقعته مع صندوق النقد في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مقابل الحصول على حزمة مالية، فضلا عن جني عوائد سريعة بالدولار تمكنها من مواجهة أزمة السيولة من العملة الصعبة.
وعينت الحكومة أخيراً مستشاراً لطرح شركتي "وطنية" لبيع وتوزيع المنتجات البترولية و"صافي" للمياه المعدنية، يتولى عرض الأصول والموقف المالي والتفاوض مع المستثمرين، نيابة عن الصندوق السيادي الذي آلت إليه الأصول المقرر طرحها أمام المستثمرين أو الاكتتاب العام.
واكتفى نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، بإعلانه، قبل أيام، موافقة لجنة الطروحات في مجلس الوزراء على طرح "وطنية وصافي" ضمن عملية طرح تستهدف 4 شركات كبرى أخرى، من خلال بنوك استثمار دولية، دون أن يفصح عن هويات الشركات، ولا المدى الزمني للطرح.
وسبق لأيمن سليمان، المدير التنفيذي للصندوق السيادي، المخول ببيع الأصول العامة، أن أفصح في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن نية الصندوق طرح حصة تراوح ما بين 20% و30%، من " وطنية وصافي" أمام المستثمرين الاستراتيجيين، مشيرا إلى انتظار الحكومة تحسن ظروف السوق العالمية، لتبدأ عملية الطرح.
لكن هذا التحسن ربما يتأخر كثيراً في ظل اًزمات عالمية متكررة، بينما تتعمق الصعوبات المالية في مصر وسط شح الدولار وتزايد أعباء الديون وارتفاع فواتير الواردات، وتضخم أساسي بلغ معدلا غير مسبوق تاريخيا في فبراير/ شباط الماضي، قدره البنك المركزي بنسبة 40.1%.
وتوقع خبراء أن تؤدي الأزمة المالية إلى مزيد من الضغط على قيمة الجنيه، وتدفع إلى توقف الزخم على برنامج الطروحات، بينما يرتفع الدين المحلي وتتراجع العملة.
وأدت الضغوط المالية إلى توقف المفاوضات بين شركاء خليجيين حول بيع حصص الدولة في "المصرف المتحد" و"فودافون مصر" للاتصالات، وتعطل إجراءات طرح "بنك القاهرة" وشركات "مصر لتأمين الحياة" و"المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي ـ إيلاب"، على مدار الشهرين الماضين، والتي التزمت الحكومة بطرحها قبل المراجعة الأولى التي ستقوم بها بعثة صندوق النقد خلال الأسبوعين القادمين، قبل تمرير الدفعة الثانية من قرض الـ3 مليارات دولار الأخير المتفق عليه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي تصل قيمتها إلى 347 مليون دولار.
وتستهدف الحكومة جمع 6 مليارات دولار من مبيعات شركات عامة يطرحها الصندوق السيادي، قبيل بداية العام المالي الجديد 2023/ 2024 الذي يحل في الأول من يوليو/ تموز المقبل، والتوجه لطرح أسهم 32 شركة على مدار عام كامل، يبدأ من الربع الأول من هذا العام حتى نهاية الربع الأول من 2024، سواء جاء الطرح عاماً من خلال البورصة أو لمستثمر استراتيجي.
ويرى طارق متولى، خبير التمويل والاستثمار، صعوبة تحقيق الحكومة جمع المبالغ المقدرة بهذه السرعة في ظل تأجيلها المستمر لعمليات الطرح للشركات العامة، انتظاراً لتحسن ظروف السوق.
يقول متولي لـ"العربي الجديد"، إنه في ظل المعلومات الشحيحة حول عمليات الطرح، وخاصة حول نسب البيع المقررة لشركتي "وطنية وصافي"، فإن الحكومة مطالبة بالإسراع في عملية البيع، كي تحصل على عائد سريع بالدولار يمكنها من مواجهة الأزمة المالية الحالية.
ويرى أنه من الأجدر أن تبيع الحكومة لمستثمر له سابق خبرة في مجال العمل، وقادر على ضخ أموال لتطوير الإدارة والتشغيل وإضافة طاقة إنتاجية جديدة، تمكن الشركتين من زيادة فرص العمل، بما يساهم في رفع العائد العام من بيع الشركات، على الاقتصاد، ويرفع العبء عن الموازنة والحكومة.
ويتوقع أن تكتفي الحكومة بطرح ما بين 5% و10% من حصص الشركتين للبيع في المرحلة الأولى، بما يضعف قيمة تلك الصفقة في حل الأزمات المالية للدولة، وعدم تأثيرها في تحريك بورصة الأوراق المالية خلال الفترة المقبلة.
يؤكد متولي أن الحكومة الحالية غير قادرة على اتخاذ قرارات في عمليات البيع للمستثمرين أو الطرح في البورصة، لأنها أصبحت أحد أدوات الفشل في تنفيذ برنامج الطرح وإعادة هيكلة الملكية العامة، منذ ترددت في تنفيذ عمليات الطرح، منذ عام 2018، قبل أن تحدث أزمات في الأسواق قبل انتشار جائحة كورونا وبعدها اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
ويشير إلى أن الوزراء والمسؤولين عن الطرح ما زالوا ينتظرون تحسن الأجواء الاقتصادية، بينما العالم يواجه أزمات متجددة، لا يتوقع أن تهدأ قبل عام 2030، حيث تجري إعادة بلورة عالم جديد ووضع جيواستراتيجي تتحكم فيه قوى وظروف اقتصادية غير معروفة توجهاتها حتى الآن.
ويشدد متولي على ضرورة رحيل المسؤولين عن إدارة الملف الاقتصادي حالياً، لأن سياساتهم ستؤدي إلى مزيد من التدهور في قيمة الجنيه والتضخم وارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الشركات المطروحة للبيع للمستثمرين العرب والأجانب، ولن يكونوا قادرين على اتخاذ قرار البيع، خوفاً من المساءلة عن تدهور العوائد المتوقعة منهم.
ويرى أنه من الضروري اتخاذ الحكومة قرارات حاسمة بالبيع، وبنسب عالية من حصص الملكية تساعد على قدوم أصحاب الخبرة والقدرة على جلب استثمارات جديدة، لافتا إلى أن الطروحات بشكلها الحالي، لن تساهم في إنعاش كبير في بورصة الأوراق المالية، لأن السوق يحتاج إلى ضخ أدوات جديدة وشركات كثيرة متنوعة، والأهم توافر العامل النفسي الذي يساهم في تهيئة المجتمع للإقبال على الاستثمار في البورصة، ويزيل الأجواء القاتمة.
ويواجه المحللون صعوبة في تقييم شركتي "وطنية وصافي" في ظل غياب المعلومات عن أنشطة وإنتاج وعوائد تلك الشركات، رغم مرور 30 عاماً على تشغليها ضمن شركات الجيش وتوغلها في خدمة النشاط الاقتصادي للدولة.
ويشير خبراء إلى صعوبة فصل ملكية أصول الشركات عن مؤسسات الجيش لوجود مصانع ومواقع التشغيل التابعة للمشروعين داخل مؤسسات عسكرية، واعتماد توزيع المنتجات في الأغلب على المؤسسات الأمنية والسيادية، بما يحرم المستثمرين من عدم قدرتهم على المشاركة في الإدارة، أو المطالبة برفع نسبة المشاركة في الملكية، بما يزيد عن 50%، ليكونوا مسؤولين عن الإدارة والتشغيل.
وقامت شركة "وطنية للطرق" المالكة لمجموعة "شل أوت" المنافس الجديد لـ"وطنية للبترول" بإزالة عدد من محطات الوقود التابعة لـ"وطنية" حول الطرق الرئيسية، وإعادة بناء محطات تابعة لها بالمربع الجغرافي نفسه، في إطار محو وجود "وطنية" من المواقع الاستراتيجية والأثرية حول العاصمة.
كما أوقفت "وطنية" أي عمليات تطوير للمعدات والإنتاج، منذ بدأ الحديث عن بيع بعض أسهمها منذ سبتمبر/ أيلول 2019، أدت إلى تقادم معداتها، وحاجتها الماسة للتطوير السريع، مع ضرورة تغيير في النشاط يواكب انتشار السيارات الكهربائية على الطرق.