استمع إلى الملخص
- تم توقيع اتفاقيات استثمارية جديدة بين مصر وأوروبا في يونيو 2024 بقيمة 67.7 مليار يورو، تشمل قطاعات متعددة لدعم الاقتصاد المصري ومواجهة المخاطر الإقليمية والدولية، مما يثير تساؤلات حول تحويل هذه الوعود إلى مشروعات فعلية.
- تبرز الحاجة لفهم أسباب عدم تحقق الاستثمارات الموعودة سابقًا، ويطرح الإعلان عن الاتفاقيات الأوروبية الجديدة أملًا في إحياء الاقتصاد المصري، مع التساؤل حول الضمانات لتنفيذ هذه الاتفاقات بشكل يختلف عن التجارب السابقة.
ما أشبه الليلة بالبارحة، أوروبا تعد بضخ مليارات الدولارات في مصر في شكل استثمارات مباشرة، فهل تعيد للذاكرة مليارات مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي التي لم يصل معظمها بعد لأسباب لا تزال غير معروفة للعامة؟ ولنعد سنوات إلى الوراء. فيوم 15 مارس/آذار 2015، خرج علينا رئيس الحكومة المصرية حينذاك إبراهيم محلب قائلاً إن مصر وقعت خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي عقوداً بقيمة 36.2 مليار دولار. تابع أنّه بموازاة العقود، وعدت أربع دول خليجية باستثمارات ومساعدات بقيمة 12.5 مليار دولار، كما حصلت مصر أيضاً على 5.2 مليارات دولار عبارة عن قروض ومساعدات قدمتها صناديق ومؤسسات دولية.
فضلاً عن هذه العقود، أعلن رئيس الحكومة أيضاً أنّ السلطات المصرية وقعت عقود استثمار لتمويل مشاريع يقوم المستثمر ببنائها كاملة قبل تسليمها إلى مصر بقيمة 18.6 مليار دولار، هنا نحن نتحدث عن إجمالي استثمارات بقيمة 67.3 مليار دولار. وفي اليوم التالي مباشرة، خرج علينا وزير الاستثمار المصري أشرف سلمان قائلاً إنّ مصر حصدت خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، الذي شاركت فيه قيادات دول عربية وأجنبية عديدة وبارزة، استثمارات بقيمة 175.2 مليار دولار. وقال إن هذه الاستثمارات تتوزع بين اتفاقيات نهائية بـ15 مليار دولار، وعقود تشغيل وتوريد بـ18 مليار دولار، وقروض ومنح قيمتها 5.2 مليارات دولار، ومذكرات تفاهم بـ92 مليار دولار، فضلاً عن استثمارات أجنبية بقيمة 45 مليار دولار ستُضخ في العاصمة الإدارية الجديدة.
أما وسائل الإعلام المصرية فخرجت وقتها بمانشيتات وعناوين باللون الأحمر تقول إنّ حصاد اليوم الثاني للمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ بلغ 158 مليار دولار لوحده، وإنّ الحكومة نجحت في توقيع 31 اتفاقية ومذكرة تفاهم تتعلق بقرار مؤسسات مالية وكيانات اقتصادية عالمية ضخ استثمارات في عدد كبير من المشروعات المصرية، تركزت أغلبها على قطاعات الطاقة والبترول والإسكان، بإجمالي استثمارات وصلت إلى 158 ملياراً و778 مليون دولار. كانت الصحف دقيقة جداً في ذكر حصاد اليوم الثاني.
ويوم 30 يونيو/حزيران 2024، كشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن توقيع اتفاقيات مصرية أوروبية بـ67.7 مليار يورو (72.6 مليار دولار) في ختام مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي الذي عُقد بالقاهرة يومي السبت والأحد الماضيين. وأضاف أنّ المؤتمر شهد توقيع 29 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 49 مليار يورو مع الشركات التابعة للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى توقيع ست اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 18.7 مليار يورو مع تحالفات وشركات أخرى، سواء كانت أوروبية غير تابعة للاتحاد أو مع شركات من جنسيات مختلفة، هدفها التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
ذهب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي حظي بدعم عالمي واقليمي واسع، ولم تصل إلى مصر سوى القروض التي قامت بسدادها في وقت لاحق، وجزء يسير من الاستثمارات والمنح التي أُعلن عنها وقتها، أما مذكرات التفاهم والاتفاقات والعقود فقد ذهبت أدراج الرياح. ولا نعرف السبب الحقيقي وراء عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ الاستثمارات الضخمة التي وعدوا بها منذ ما يقرب من عشر سنوات، هل الأسباب داخلية تتعلق بأداء الحكومة المصرية الضعيف في ملف جذب الاستثمارات المباشرة، ووضع العراقيل أمامها من احتكارات ومزاحمة القطاع الخاص وزيادة كلف الإنتاج والضرائب والجمارك واضطرابات سوق الصوف وندرة الدولار وأزمات الطاقة والفساد والبيروقراطية وغيرها، بل تجاهل مطالب المستثمرين؟
أم أن الأسباب خارجية وتتعلق بالظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة بسبب جائحة كورونا والتضخم والحروب والقلاقل والمخاطر الجيوسياسية ورفع سعر الفائدة وسياسة التشدد النقدي؟
اليوم، تأتي الاتفاقيات المصرية الأوروبية الضخمة المعلن عنها من قبل الحكومة المصرية لتعيد إلى الذاكرة حصاد مؤتمر شرم الشيخ، والزفة الضخمة التي صاحبته، وتطرح سؤالاً حول الضمانات المقدمة لتنفيذ تلك الاتفاقات وخروجها إلى النور حتى لا تتحول إلى حبر على ورق كما حدث مع اتفاقيات عام 2015. مؤتمر شرم الشيخ جاء في إطار دعم سياسي قوي للاقتصاد المصري ونظام ما بعد يونيو 2013، والمؤتمر الأوروبي الأخير يأتي في اطار مساندة قوية للاقتصاد المصري لمواجهة تبعات المخاطر الناتجة عن حرب غزة وغيرها، وتفاديا لموجة هجرة غير مشروعة، فهل تصدق أوروبا هذه المرة وتحول وعودها الاستثمارية إلى مشروعات على أرض الواقع؟