هناك فرصة ذهبية أمام مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، والتحول إلى مركز إقليمي حقيقي لتصدير الوقود الأزرق إلى القارة التي تعاني من قفزات متواصلة في أسعار كل منتجات الطاقة.
وتعد مصر خيارا قويا لأوروبا نظرا لموقعها المتميز كمحور لتداول وتجارة الغاز في منطقة شرق المتوسط، إلى جانب اكتشاف أكبر حقل غاز في المنطقة داخل المياه الاقليمية المصرية في عام 2018.
وهناك فرصة أيضا أمام مصر هذه الأيام لإيجاد موطئ قدم لها في سوق الطاقة العالمي، خاصة الأوروبي، المتعطش للوقود.
في المقابل تعاني أوروبا من 3 أزمات مزدوجة، الأولى تكمن في القفزات التي شهدتها أسعار الغاز خلال الشهور الماضية والتي أثرت سلبا على مستوى معيشة المواطن وقدرته الشرائية.
والثانية ما فرضته الحرب الروسية على أوكرانيا على دول القارة من ضرورة الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين، والبحث عن بدائل ومنها الغاز المصري والقطري والجزائري والليبي والعراقي والنيجيري وغيره.
كما دفعت الحرب الأوكرانية، وقبلها جائحة كورونا، دول الاتحاد الأوروبي إلى التسريع في عملية التحول لاستخدام الطاقة الخضراء والتحول إلى الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون وتنويع إمدادات الطاقة.
أما الأزمة الثالثة فتكمن في مرور دول القارة بموجة تضخمية لم تشهدها منذ 40 سنة، وهذه الأزمة تحتم على حكوماتها البحث عن وسائل لتخفيف الضغوط المعيشية عن المواطن ومنها قفزات فواتير الغاز والكهرباء والوقود، وتوفير الطاقة بسعر مناسب.
أمام هذه الأزمات تواجه أوروبا معضلة طاقة حقيقية خاصة مع الضغوط الأميركية المتواصلة عليها للاستغناء عن النفط والغاز الروسيين، إذ إنها تعتمد على روسيا في تلبية 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب يامال، كما تستورد دول القارة كميات هائلة من الغاز، تتجاوز 560 مليار متر مكعب سنوياً.
تواجه أوروبا معضلة طاقة حقيقية خاصة مع الضغوط الأميركية المتواصلة عليها للاستغناء عن النفط والغاز الروسيين
في ظل هذه المعضلة برز أسم مصر ضمن الحلول الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسي حال نقص الإمدادات الروسية أو توقفها وفرض حظر غربي كلي عليها، وفي ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغاز الطبيعي عالميا، كما يمكن الاستفادة من خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقا بين مصر واليونان وقبرص، لزيادة كميات الغاز المصدرة لأوروبا.
وقبل أيام نقل نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي للصفقة الأوروبية الخضراء والمفوض الأوروبي للعمل المناخي فرانس تيمرمانز، هذه الرغبة للجانب المصري خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، حيث قال إن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى زيادة وارداته من الغاز الطبيعي المسال من مصر على المدى القريب.
لكن هل القاهرة تمتلك الإمكانات اللازمة لتصبح أحد البدائل الرئيسية لتلبية احتياجات أوروبا من الطاقة؟
خلال الفترة الأخيرة نجحت مصر في زيادة صادرات الغاز المسال حيث بلغت نحو 6.5 ملايين طن في العام 2021 مقابل 1.5 مليون طن عام 2020، بمعدل نمو 385%، وهي نسبة نمو عالية مقارنة بباقي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال.
والسبب في ذلك يكمن في إعادة تشغيل مجمع الإسالة في "دمياط "في شهر فبراير/شباط الماضي 2021، بعد إبرام اتفاق تسوية للنزاعات الدولية بين الشركات المالكة للمجمع البالغة طاقته الإنتاجية نحو 5 ملايين طن سنويا، علما بأن المجمع كان متوقفًا عن التشغيل منذ نحو 8 سنوات بسبب قضايا متداولة بين الشركاء أمام المحاكم الدولية.
مصر باتت لديها بنية تحتية وحقول ضخمة لإنتاج الغاز الطبيعي، وأبرزها "ظهر" الذي يعد أكبر حقل إنتاج في منطقة شرق البحر المتوسط
كما واصلت الحكومة تشغيل مجمع "إدكو" البالغة طاقته نحو 7.2 ملايين طن سنويًا. وصدرت مصر من المجمعين أكثر من 5 ملايين طن، إلى أسواق في أوروبا وآسيا، وبالتالي باتت مصانع إسالة الغاز الطبيعي تعمل بأقصى طاقتها، في محاولة للاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي العالمية.
وانعكست زيادة الإنتاج في المردود المادي حيث قفزت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال خلال عام 2021 بنسبة 550% لتصل إلى 3.9 مليارات دولار، مقابل 600 مليون دولار خلال 2020.
والأهم من ذلك أن مصر باتت لديها بنية تحتية وحقول ضخمة لإنتاج الغاز الطبيعي، وأبرزها "ظهر" الذي يعد أكبر حقل إنتاج في منطقة شرق البحر المتوسط، كما تصدر الغاز للأردن ولديها خطط لنقله إل لبنان عبر خط الغاز العربي، كما أبرمت صفقات ضخمة لاستيراد الغاز من دولة الاحتلال بقيمة تقترب من 20 مليار دولار ولمدة 10 سنوات.
ورغم ذلك ليست لدى مصر حاليا إمكانات لوحدها لتكون بديل الغاز الروسي لأوروبا؛ لأن القارة تحتاج عملياً أكثر من 200 تريليون وحدة حرارية، وبالتالي في حاجة لضخ الغاز من عدة أسواق، مصر وقطر والجزائر وليبيا والعراق وغيرها.
ومصر في حاجة ملحة لزيادة الإنتاج وتكثيف عمليات التنقيب للمشاركة في تلبية احتياجات الطاقة من الغاز، وهذه الزيادة في حاجة إلى استثمارات ضخمة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وتلك المبالغ في حاجة إلى دخول مصر في شراكة مع شركاء أجانب، خاصة وأن إجمالي استثمارات البحث والتنمية والإنتاج في قطاع الغاز يقدر بنحو 1.6 مليار دولار خلال العامين الحالي والمقبل، وهو مبلغ قليل مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تضخها دول أخرى في المنطقة.