لا أملَ من القول إن المصالح تتصالح، وأن الأيام دول، وأنه لا توجد معارك صفرية في العلاقات الدولية، وأن من تعاديه اليوم قد تحتاجه غدا، وأن الأنظمة تذهب، لكن تبقى علاقات الشعوب.
فبعد عداء شديد، خطت العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا خطوات إيجابية وسريعة خلال الفترة الماضية، وبعد سنوات من الخلافات السياسية التي وصلت إلى حد القطيعة منذ منتصف العام 2013 أدركت الحكومتان المصرية والتركية أن مصلحة الدولتين في المصالحة والتنسيق والتعاون وتحسين العلاقات، لا في القطيعة والخلافات الجيوسياسية الحادة وقطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء.
وأن اقتصاد البلدين، والذي يعاني من مخاطر عدة مشتركة منها تفاقم التضخم والغلاء واضطرابات سوق الصرف وزيادة فاتورة الديون الخارجية والعجز في الميزان التجاري، يمكنه الاستفادة في حال تعاون دولتين بحجم تركيا ومصر.
اقتصاد البلدين، الذي يعاني من مخاطر مشتركة منها التضخم واضطرابات العملة وزيادة فاتورة الديون، يمكنه الاستفادة في حال التعاون المشترك
أحدث فصول المصالحة ما تم كشفه أمس الأربعاء حيث يبدأ البنك المركزي المصري ونظيره التركي الأسبوع المقبل محادثات تفتح الطريق أمام بدء تسوية عمليات وصفقات التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية الجنيه والليرة.
الخطوة مهمة جدا، إذ تساهم في تخفيف الطلب على الدولار في كل من مصر وتركيا، وتراجع الضغط على النقد الأجنبي نظرا لضخامة العلاقات التجارية والتي تقترب من 8 مليارات دولار. ولاحقا يمكن أن تساهم في خدمة قطاع السياحة في البلدين.
الخطوة لم تكن وليدة اللحظة، بل تأتي تنفيذاً للاتفاق الذي توصل إليه وزيرا تجارة البلدين في أغسطس/ آب الماضي، حيث زار الوزير المصري أحمد سمير تركيا، وناقش مع نظيره التركي عمر بولات إمكانية استخدام العملتين المحليتين في تسوية التجارة الثنائية بين البلدين.
التقارب المصري التركي الذي بدأ يعود تدريجياً منذ عام 2021 أسفر عن ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا خلال 2022 بنسبة 14%، لتصل إلى 7.7 مليارات دولار، مقابل 6.7 مليارات دولار خلال عام 2021 وفق البيانات الرسمية.
كما ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى تركيا إلى 4 مليارات دولار في 2022 مقابل 3 مليارات دولار في 2021 بزيادة 32.3%، في حين بلغت قيمة الواردات المصرية من تركيا 3.72 مليارات دولار مقابل 3.74 مليارات دولار بنسبة انخفاض 0.7%.
هناك إشارات قوية من كبار المسؤولين بضرورة إحداث طفرة في العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل التجاري مع مصر إلى نحو 15 مليار دولار
وعلى المستوى الرسمي فإن هناك إشارات قوية من كبار المسؤولين بضرورة إحداث طفرة في العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة، ففي أبريل/ نيسان الماضي، قال وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاووش أوغلو، إن بلاده تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري مع مصر إلى نحو 15 مليار دولار على المدى القصير.
وفي كل الأحوال فإنه بغض النظر عن المنافع السياسية فإن هناك مصالح متبادلة في التقارب الحالي، فمصر من بين أكبر أسواق التصدير بالنسبة لتركيا، وتأتي في قائمة أكبر 20 دولة مستوردة للسلع التركية عام 2022، واحتلت المرتبة الـ16 في هذه القائمة.
وتركيا من أهم مشتري الغاز المصري، وتزود الأسواق المصرية بمنتجات عدة تلبي احتياجات المستهلكين على مستوى السعر والجودة.
وهناك استثمارات مشتركة حيث يقدر حجم الاستثمارات التركية بالسوق المصري حالياً بملياري دولار، وتبلغ قيمة المشروعات التي ينفذها المقاولون الأتراك في مصر نحو 1.2 مليار دولار.
التعاون بين مصر وتركيا مطلوب توسيع رقعته في الفترة المقبلة، والتقارب السريع له ارتدادات إيجابية في ملفات عدة منها غاز البحر المتوسط التي تحاول إسرائيل الاستيلاء على أكبر كميات منه، وملفات السياحة والاستثمارات والصناعة والأمن الغذائي والطاقة.
وعلى الحكومتين الإسراع في طي صفحة الخلافات بالكامل، وإذابة ما تبقى من الجليد الذي طغى على علاقة البلدين لمدة تجاوزت 10 سنوات، وإعادة رحلات النقل البحري بين مرسين - الإسكندرية وإسكندرون- دمياط والتي سهلت أنشطة التجارة بين البلدين بين عامي 2012 - 2015، لأن ذلك في مصلحة البلدين، شعوبا واقتصادا وسياسة أيضا.