- بحلول سبتمبر 2018، بدأت مصر في تصدير الغاز، مع تحقيق إيرادات قياسية في 2022 بلغت 8.8 مليار دولار، وأعلنت عن مشروعات غازية كبرى لتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية.
- بعد نحو خمس سنوات، واجهت مصر تحديات أدت إلى تحولها لمستورد للغاز مرة أخرى، بسبب تراجع الإنتاج والتصدير، واعتمادها المتزايد على واردات الغاز من إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول مستقبل احتياطياتها.
في منتصف عام 2018 خرج علينا كبار المسؤولين في مصر بتصريحات مصحوبة بحملة إعلامية غير مسبوقة تؤكد أن الدولة حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأنها في طريقها إلى التحول إلى مركز إمداد إقليمي للغاز والطاقة من خلال تسييل الغاز وإعادة تصديره.
وأن التقديرات الرسمية تشير إلى أن حجم احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة في مصر يعادل نحو 37.9 ضعف استهلاكها السنوي، وأن الدولة لديها احتياطات تكفي نحو 38 عامًا، وذلك في إطار معدلات الاستهلاك الحالية، ترتفع سنوات الاكتفاء مع الأخذ في الاعتبار الاحتياطات غير المثبتة من الوقود الأزرق والتي لم يتم الإعلان عنها بعد مثل حقل نور وغيره.
كما أن مصر حققت 65 كشفاً جديدا للبترول والغاز، خلال العام الماضي وحده، بواقع 51 كشفا للبترول، و14 للغاز وذلك بمناطق بالصحراء الغربية وخليج السويس ودلتا النيل وسيناء.
ساعتها خرجت علينا وسائل الإعلام بعناوين رنانة وفخيمة منها "افتتاح حقل ظهر.. أكبر حقل غاز في العالم"
كما أسهب هؤلاء المسؤولون في الحديث عن تحقيق الحكومة حلم الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والتحول من دولة مستوردة إلى مُصدِّرة، متسلحة بالاكتشافات الضخمة في منطقة شرق المتوسط التي تتمتع بثروات واحتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي والواقعة ضمن المياه الإقليمية المصرية.
كان الحديث مكثفا في تلك الأيام عن حقل ظهر الذي صاحبته زفة إعلامية غير مسبوقة سواء عند إعلان اكتشافه أو استخراج الغاز منه وتوجيهه للسوق المحلية وتصدير الفائض.
ساعتها خرجت علينا وسائل الإعلام بعناوين رنانة وفخيمة منها "افتتاح حقل ظهر.. أكبر حقل غاز في العالم"، واكتفت وسائل إعلام أخرى بوصفه بأنه مشروع عملاق وأكبر حقل في منطقة الشرق الأوسط، ويعد أكبر كشف غاز تحقق في مصر ومنطقة البحر المتوسط، ويمثل إضافة قوية لدعم احتياطيات وإنتاج مصر من الغاز الطبيعي.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت حكومة مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم حاجتها إلى الاستيراد لأغراض محلية، بعد تشغيل حقل ظهر العملاق رسميًا قبلها بـ8 أشهر.
وفي سنوات لاحقة جرى الحديث المكثف عن غزو الغاز المصري أسواق العالم بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، والتأكيد على نجاح مصر في تصدير كميات كبيرة ودعم مكانتها كلاعب رئيسي في القطاع، فمتوسط الإنتاج يبلغ 6.7 مليارات قدم مكعبة يومياً كما جاء في البيانات الرسمية، وهو ما يمكن الدولة من تصدير 84 شحنة غاز مسال خلال عام.
ولا أنسى هنا تصريحات وزير البترول المصري، طارق الملا، التي قال فيها إنه مع نهاية العام 2018 وتحقيق الاكتفاء الذاتي، سيرتفع الوفر المالي في موازنة الدولة إلى 250 مليون دولار شهرياً، تعادل 3 مليارات دولار سنوياً، ما يؤدي إلى توفير النقد الأجنبي، والعديد من فرص العمل، وتشجيع كبرى الشركات العالمية على ضخ استثمارات جديدة في قطاع البترول المصري.
وصلت إيرادات مصر من تصدير الغاز إلى ذروتها عام 2022، عند 8.8 مليار دولار، بفضل قفزة الأسعار إثر اندلاع حرب أوكرانيا
بل ووصلت إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي والمسال إلى ذروتها عام 2022، عند 8.8 مليار دولار، بفضل قفزة الأسعار إثر اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
صاحب الكشف عن حقل ظهر وغيره من الاكتشافات سواء في الصحراء الغربية أو البحر المتوسط ومنطقة السويس وبورسعيد الإعلان عن مشروعات غاز إقليمية كبرى، منها تدشين خط أنابيب شرق البحر المتوسط، وهو المشروع الذي كان من المقرر أن تشارك فيه مصر وقبرص واليونان لمد الغاز لأوروبا، على أن تكون البداية إيطاليا.
وفي وقت لاحق تم الحديث عن مشروع ضخم يهدف إلى ربط حقول الغاز الإسرائيلي بأوروبا مرورا بقبرص واليونان عبر إسالته في المحطات المصرية.
وفي مايو/أيار 2022 جرى الحديث عن بدء مصر وقبرص خطوات إنشاء خط أنابيب الغاز قبل نهاية العام، والذي يربط حقل أفروديت للغاز الطبيعي القبرصي بمصر، وقيل إنه من المتوقع بدء تشغيل خط الأنابيب بحلول عام 2025.
لكن قبرص عدلت عن خطتها مع مصر في سبتمبر 2023 حيث تراجعت واقترحت خط أنابيب أقصر بكثير يربط حقول الغاز الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط بمنشأة تسييل في قبرص، وبمجرد وصوله إلى نيقوسيا، يمكن تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، ثم شحنه إلى أوروبا، واستثنت نيقوسيا مصر من اتفاقية تصدير الغاز إلى أوروبا، واتفق قادة دولة الاحتلال واليونان وقبرص، على توصيل غاز شرق البحر المتوسط مباشرة إلى دول القارة، مع ربط شبكات الكهرباء.
ورغم الحديث المصري عن اكتشافات ضخمة للغاز ومشاريع عملاقة، إلا أنه وبعد ما يقرب من نحو خمس سنوات من وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغاز الطبيعي، وبدء تصدير الفائض، تحولت مصر إلى دولة مستوردة، بعد أن تراجع إنتاج الغاز بشدة، كما تهاوى التصدير كما حدث في العام 2023 حيث بلغت نسبة التراجع نحو 52%، ما أدى إلى قطع مبرمج للتيار الكهربائي في عموم مصر، لتخفيف الأحمال عن محطات إنتاج الطاقة العاملة بالغاز.
وفي الفترة الأخيرة بدأت الصحافة العالمية تنشر تقارير تتحدث عن وجود نقص حاد للغاز داخل مصر، وخطط حكومية لاستيراد الغاز خاصة من دولة الاحتلال، فوكالة بلومبيرغ الأميركية كشفت قبل أيام عن أن مصر تبحث شراء الغاز المسال لتفادي حدوث نقص في الوقود خلال هذا الصيف، لكن اضطرابات البحر الأحمر وهجمات الحوثي تشكل تحدياً أمامها.
يوم بعد يوم، باتت مصر تعتمد على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي المتزايد، سواء للاستهلاك المنزلي أو لأغراض الصناعة
وقبلها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استقبلت مصر، أول شحنة غاز طبيعي مسال، منذ يوليو/تموز 2023، من أجل تلبية احتياجاتها المحلية من الوقود في ظل انخفاض الإنتاج المحلي وتراجع الإمدادات القادمة من الغاز الإسرائيلي عقب اندلاع حرب غزة بشكل مؤقت.
ورغم الحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على غزة، إلا أن هناك حديثا متزايدا عن خطط توسع مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي الذي بدأت أولى شحناته في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار ارتفعت لأكثر من 20 مليار دولار في وقت لاحق، واتفقت القاهرة الأسبوع الماضي بالفعل على زيادة كميات الغاز الطبيعي الواردة من إسرائيل بنحو 26% لتصل إلى 1.450 مليار قدم مكعبة يوميا خلال النصف الأول من العام المقبل، بدلا من 1.15 مليار قدم مكعبة يوميا الآن.
ويوما بعد يوم، باتت مصر تعتمد على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي المتزايد، سواء للاستهلاك المنزلي أو لأغراض الصناعة والإنتاج، بالإضافة إلى التصدير الذي يمثل مصدرا مهما للعملة الأجنبية التي تتعطش إليها البلاد.
ويوم 20 فبراير/شباط الماضي نشر موقع كالكاليست العبري تقريرا أشار إلى أنه على الرغم من الحرب على غزة، فإن صادرات إسرائيل من الغاز الطبيعي نحو مصر ستشهد ارتفاعا خلال السنوات المقبلة.
وقبلها بيومين، فقط أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية موافقتها على زيادة الإمدادات لمصر من الغاز الطبيعي بما قدره 4 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً، لمدة 11 عاماً.
وجاء الإعلان الحكومي بعد ستة أشهر من موافقة وزير الطاقة والبنية التحتية آنذاك، إسرائيل كاتس، على توسيع تصدير الغاز من حقل تمار إلى مصر من ملياري متر مكعب إلى نحو 3.5 مليارات متر مكعب سنوياً، مع خيار الزيادة بمقدار 0.5 مليار متر مكعب إضافي.
لم كل هذا الاعتماد المفرط وطويل الأجل والمكلف ماديا على الغاز الإسرائيلي والوقوع في فخ دولة الاحتلال وتحت ضرسه وقراراته؟
وقبل أقل من أسبوعين قالت شركة "نيوميد إنرجي"، إن صادرات الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان البحري الإسرائيلي إلى مصر قفزت 28% في العام 2023.
ومع هذا التحول في خريطة الغاز المصري، فإن هناك عشرات الأسئلة المطروحة التي تحتاج إجابة قاطعة، أين ذهب إنتاج حقل ظهر العملاق، ولماذا لم يصمد عدة سنوات، وأين الاحتياطيات التي تكفي الاستهلاك المحلي من الغاز لمدة تقارب 4 عقود، وما مصير حقل نور، ومشروع شركة شل العملاق الواقع شرق مدينة الإسكندرية، وأين مشروعات وخطوط التصدير.
والأهم، لم كل هذا الاعتماد المفرط وطويل الأجل والمكلف ماديا على الغاز الإسرائيلي والوقوع في فخ دولة الاحتلال وتحت ضرسه وقراراته، وهناك بدائل قد تكون أقل كلفة وأقل خطرا على الأمن القومي المصري مثل الغاز الجزائري؟