مصر والعراق والأردن: تنسيق نشيط

18 فبراير 2021
دوافع اقتصادية وسياسية للتقارب الثلاثي (الأناضول)
+ الخط -

يسرع المحللون والمتفكرون في الشأن العربي إلى ربط أي تطوّر أو حدث سياسي بقضية فلسطين، أو بما يجري في منطقة الخليج أو شمال أفريقيا. وقد حظي النشاط الدبلوماسي بين عمّان والقاهرة وبغداد بالاهتمام، وتساءل كثيرون عن أسبابه، وكلٌّ يعطيه أهمية، حَسْب ما يراه من خبرته أو ميوله. ولهذا السعي الحثيث نحو التقارب الثلاثي دوافع متعدّدة، بعضها اقتصادي، والآخر سياسي. ولكلٍّ من الأردن والعراق ومصر أسبابها ودوافعها.

لنبدأ بمصر، تواجه تحديات في جوارها، فهنالك هَمُّ المتطرّفين (أو الإرهابيين) في منطقة سيناء، وفِي جوار رفح القريبة من قطاع غزة المحاصر. ونقرأ ونسمع عن معارك يخوضها المتطرّفون مع القوات المسلحة المصرية، وتنتهي عادة بقتلى أو جرحى. ولذلك، اضطرت مصر إلى تضييق الحركة من قطاع غزة إليها، حتى تَحول دون وصول إمدادات بشرية أو عسكرية إلى الخارجين عن القانون، سواء كان هذا الخروج مدفوعاً بأسباب سياسية، أو جرمية من تهريبٍ للمخدّرات والسجائر وغيرها.

وعلى الجانب الآخر، هنالك ليبيا غرب مصر، وتمتد إلى البحر المتوسط الذي يطل البلدان المتجاوران بمسافات طويلة على سواحله الجنوبية. وقد استثمرت مصر كثيراً على هذه الشواطئ في مشروعاتٍ صناعيةٍ وسكنيةٍ وسياحيةٍ ضخمة، وكذلك طوّرت فيها زراعة الحمضيات والزيتون بشكل خاص.

وعليه، فإن وصول ليبيا إلى حالة الاستقرار سينطوي على آثار إيجابية على أمن مصر واقتصادها. ومن هنا، تسعى السياسة المصرية إلى أن توفق بين الأطراف المتنازعة في شرق ليبيا وغربها ووسطها، عدا عن التحدّيات في الصحراء الليبية جنوباً.

والتحدي الثالث هو بالطبع الأكثر إلحاحاً بالنسبة لمصر، ما تقوم به إثيوبيا من بناء سد ضخم، انتهى كمشروع ولَم يمتلئ بالماء بعد. وسيكون لهذا السد، وما تنوي إثيوبيا بناءه من سدود أخرى، أثر سلبي بالغ الخطورة على اقتصاد مصر، وإنتاجها، وأمنها المائي. ولذلك، تسعى مصر، بكل ما أوتيت من قوة، لكي تنسق مع السودان الذي يشارك في نهر النيل، ويعتمد على مياهه اعتماداً كبيراً.

موقف
التحديثات الحية

وترى مصر أن السعي إلى حل القضية الفلسطينية، وتأمين حل كريم لقطاع غزة، وتوفير أسباب المعيشة الكريمة لأهلها هام جداً لضمان أمن حدودها مع غزة وإسرائيل، ولكي تتمكّن من الاستثمار الموسع في صحراء سيناء ومنطقة البحر الأحمر، مما يربطها بدول المشرق العربي في العراق وبلاد الشام من ناحية، ومنطقة الخليج العربي من ناحية أخرى.

أما العراق فله همومه التي تَقُض مضاجعه، وهو يسعى إلى التخلص من القوى الأجنبية المتصارعة داخله، حتى يتمكّن من إعادة وحدته الوطنية، وبناء مفهوم متطوّر للمواطنة، ويتفرّغ للاستفادة من موارده الجمّة، ويستعيد قدرته للتفاهم مع جيرانه، على أسس متكافئة، بعيدة عن التدخلات السياسية.

وبمرور الوقت، واشتداد الأزمة الاقتصادية، فإن العراق بحاجة ماسّة إلى التعاون والتفاهم مع كل جيرانه. وللعراق مع الأردن علاقات وثيقة، شهدت نكسات، كما حصل عام 1958 بعد الانقلاب العسكري الدموي هناك، وكذلك بعدما احتلّ الجيش الأميركي العراق عام 2003.

التقارب المصري العراقي الأردني يؤكد على أهمية انضمام سورية إليه في أقرب وقت ممكن

 

ولكن العلاقات بقيت مستمرة، وزادت متانة إبّان الحرب العراقية الإيرانية 1981-1988 وفِي السنوات العشرين الأخيرة منذ استلام الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم في الأردن.

وقد حدد البلدان منذ سنوات مشروعين أساسيين لتحويل العلاقة الاقتصادية بينهما إلى علاقة استراتيجية، تنطوي على شراكة بعيدة الأمد، وهما أنبوب النفط من البصرة حتى العقبة ومن هناك إلى مصر.

وبناء مدينة على جانبي الحدود بين البلدين، تكون مدينة ذكية شاملة مشروعات صناعية وخدمية متطوّرة تكون عوناً لكليهما، ونقطة توزيع من الخليج وشمال أفريقيا وإليهما. وكذلك، البلدان قادران على رفع مستوى التعاون الاقتصادي إلى آفاق أوسع وأعمق.

موقف
التحديثات الحية

ولكن للعراق علاقات مع إيران مكنت الأخيرة من أن تخلق لنفسها نفوذاً قوياً فيه. حتى أن بعض كبار رجال الدين فيها تحدّثوا عن أن العراق بلد تابع لإيران، وذهب آخرون إلى أن العراق قد استعيد إلى حظيرة الامبراطورية الفارسية.

والعراق العربي، بشيعته وسنته وحتى كثير من كرده، لا يرى ذلك. ولذلك، فإن فك ارتباط العراق بإيران، وإعادة بنائه على أسس منصفة يحترم كل منهما فيها الآخر وكرامته وسيادته، هو ما يسعى العراق إلى إنجازه.

والأردن ومصر يَرَيان في ذلك أمراً ضرورياً، لكي يتمكن العراق من اتخاذ قرارات الاشتباك الفعّال مع جيرانه في الخليج، وبلاد الشام، ومن ثم مصر وشمال أفريقيا، وتركيا، على أسس جديدة ضامنة لأمن العراق وسيادته ومستقبله. والنخوة العربية في العراق ترفض أن يُحرم الفلسطينيون من حقهم في دولتهم المستقلة.

أما الأردن فله المصلحة الكبرى والأولى في الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، يمكِّن أهلها من إنشاء دولتهم المستقلة على أرض فلسطين، ويضمن لها السيادة والكرامة. وفِي هذا تحقيق لأمن الأردن، صاحب أطول حدود مع أرض فلسطين التاريخية.

وللأردن مصالح استراتيجية في الحل السلمي، تتعلق بالقدس، واللاجئين، والحدود، والأمن، والمياه، ومنطقة الأغوار والبحر الميت. ويعاني الأردن، كما عكست موازنته للعام 2021، والتي هي قيد النقاش في مجلس الأمة الأردني، حجم التحدّي الاقتصادي الذي يواجه الأردن، والذي يعاني اقتصاده من عجز تجاري وخدمي واستثماري مع مصر، ومع العراق.

الأهم أن التقارب المصري العراقي الأردني يؤكد على أهمية انضمام سورية إليه في أقرب وقت ممكن. وكذلك، أهمية بناء كتلة سياسية حرجة تساعد الدول الثلاث أو الأربع أو الخمس أو الست (السادسة بالطبع لبنان)، حتى يتمكّنوا من الخروج من حالة عدم الاستقرار كدول، ومواجهة التحدّيات التي يعانون منها مجتمعين، أو كلا على حدة بقلب واحد وعقل واحد.

لا يشكل هذا التقارب أي تهديد لأحد، بل هو حالة دفاعية مستنيرة في زمنٍ لا مكان فيه للضعفاء.