مصر: مصيف للوزراء على نفقة الدولة

04 اغسطس 2022
مصايف فاخرة في مدينة العلمين الجديدة (فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي يحرم فيه ملايين المصريين من الذهاب إلى المصايف بسبب غلائها وتدهور القدرة الشرائية، وفرت الحكومة أماكن فاخرة للوزراء وأسرهم وكبار الموظفين من أجل قضاء الصيف على نفقة الدولة.

وفي هذا السياق، كشف برلمانيون مصريون أنّ هناك توجيهات صدرت بتخصيص مجموعة كبيرة من الفيلات والشاليهات والوحدات الفندقية في مدينة العلمين الجديدة، المطلة مباشرة على شاطئ البحر المتوسط في أكثر المناطق تميزاً على طريق الساحل الشمالي، لصالح رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وجميع الوزراء ونوابهم، وأسرهم، وتحمل خزانة الدولة تكاليف إقامتهم بالكامل طوال فترة الصيف.

شاليهات مجلس الوزراء

وقال البرلمانيون في حديث خاص، لـ"العربي الجديد"، إن كل وزير يرافقه عدد كبير من مساعديه، وكبار الموظفين في الوزارة، والذين يقيمون وأسرهم في ما يُعرف بـ"شاليهات مجلس الوزراء" في مدينة العلمين الجديدة، في وقت قدرت المصادر تكلفة إقامة هؤلاء بملايين الجنيهات يومياً لضخامة عددهم، وصرف بدلات مالية لهم، بخلاف إقامتهم على نفقة الدولة.

وأوضحت المصادر البرلمانية، التي رفضت ذكر اسمها، أن الأمر لم يتوقف على وزراء الحكومة وحسب، بل امتد إلى الصحافيين والمراسلين المعتمدين لدى مجلس الوزراء، والذين يحضرون من القاهرة خصيصاً إلى مدينة العلمين الجديدة صباح كل يوم أربعاء لتغطية فعاليات الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، وتحمل موازنة الأخير قضاءهم عطلة نهاية الأسبوع في وحدات فندقية مطلة على البحر، والعودة إلى القاهرة مجدداً في باصات مخصصة لذلك مساء كل يوم سبت.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

واستبعدت المصادر نفسها تقدم أي من نواب البرلمان بأسئلة أو طلبات إحاطة بشأن ذلك، رغم أنه حق أصيل لهم بموجب الدستور والقانون، مراعاة منهم لـ"حساسية الموضوع"، وعدم إثارته في وسائل الإعلام، لا سيما أنّ التوجيهات صادرة عن رئيس الجمهورية مبينة أنّ النواب طالبوا الحكومة مراراً بضرورة التقشف، وترشيد الإنفاق العام، في مواجهة البلاد أزمة اقتصادية طاحنة.

أوضاع مالية صعبة

ويأتي الاتجاه نحو تحمل الدولة نفقة تصييف الحكومة وكبار الموظفين وأسرهم في وقت تعاني فيه مصر من أزمات مالية واقتصادية خانقة، إذ أدت أزمة الحرب في أوكرانيا إلى تراجع احتياطي مصر من النقد الأجنبي من 40.98 مليار دولار إلى 33.37 ملياراً في غضون 5 أشهر، بوصفها أكبر دولة في العالم مستوردة للقمح، وتعتمد بصورة أساسية على واردات الخارج في سد احتياجاتها الغذائية.

وتزيد ضغوط صندوق النقد على مصر من أجل منحها قروضاً تساعدها على تخفيف أزمتها المالية، ومن أبرزها تقليص الدعم، ومزيد من تخفيض قيمة العملة المحلية (الجنيه).

وقبل أيام قليلة، وجهت الرئاسة بالبدء في أعمال الصب الخرساني لأعلى برج مطل على البحر المتوسط، وهو البرج الأيقوني في مدينة العلمين الجديدة بارتفاع 300 متر، وتعظيم الاستفادة من الأراضي الشاطئية في المنطقة الغربية من المدينة، وزيادة الطاقة الفندقية فيها.

قروض ضخمة لبناء الأبراج

عبر قروض ضخمة من الخارج، تتولى الشركة الصينية العامة، إحدى الشركات الحكومية الصينية، مهام تنفيذ البرج الأيقوني في مدينة العلمين الجديدة لصالح وزارة الإسكان المصرية، بالإضافة إلى 4 أبراج أخرى بارتفاع 200 متر في مواجهة الشاطئ، وهي تضم عدداً كبيراً من الوحدات الفندقية والشاليهات الفاخرة بمساحات مختلفة، بسعر يراوح ما بين 50 ألف جنيه و55 ألفاً للمتر، وبقيمة إجمالية للوحدة تراوح ما بين 5 ملايين جنيه و17.5 مليوناً، أي ما يقترب من مليون دولار للوحدة (الدولار = نحو 18.92 جنيهاً).

وارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس/ آذار الماضي، مقارنة مع 145.5 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، على خلفية توسع النظام في الاقتراض الخارجي لإقامة مشاريع تهدف في المقام الأول إلى خدمة الأغنياء، لا الفقراء ومحدودي الدخل الذين يعانون من وطأة الغلاء، مثل مدينة العلمين الجديدة التي تحظى بإطلالة مميزة على البحر المتوسط بمسافة تمتد إلى 14 كيلومتراً.

وتقع العلمين الجديدة على بعد 260 كيلومتراً من العاصمة القاهرة، و180 كيلومتراً من محافظة مطروح، و100 كيلومتر تقريباً من مدينة الإسكندرية. وتبدأ حدود المدينة من طريق وادي النطرون حتى الضبعة على مساحة إجمالية تبلغ 49 ألف فدان، وتضم مجموعة من ناطحات السحاب على شاطئ البحر مباشرة، وممشى سياحياً بطول 18 كيلومتراً.

دائرة الفقر تتوسع في مصر

وفي مقابل عمليات البذخ في الإنفاق على بناء مدن ومشروعات للأغنياء، يواجه المصريون أوضاعاً معيشية صعبة في ظل تدهور دخولهم وتواصل موجات الغلاء التي طاولت معظم السلع الضرورية، ما دفعهم إلى الاستغناء عن السلع الكمالية والرفاهيات، ومنها الخروج لمدة أسبوع أو أكثر للتصيف سنوياً كما اعتادوا طوال السنوات الماضية.

في مقابل عمليات البذخ في الإنفاق على بناء مدن ومشروعات للأغنياء، يواجه المصريون أوضاعاً معيشية صعبة في ظل تدهور دخولهم وتواصل موجات الغلاء

وأعلن البنك المركزي المصري أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي واصل ارتفاعه ليسجل 14.6% في يونيو/ حزيران الماضي مقابل 13.3% في مايو/ أيار 2022. وأوضح أنّ الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين سجّل معدلاً شهرياً بلغ 1.2% في يونيو/ حزيران 2022 مقابل معدل بلغ 0.1% في ذات الشهر من العام السابق.

وأدت موجات الغلاء المتتالية إلى ارتفاع نسب الفقر لتطاول أكثر من 30 مليون مصري، حسب بيانات رسمية.

ويقول تقرير حديث صادر عن مؤسسة هينلي أند بارتنرز حول الثروات في أفريقيا لعام 2022 إنّ نحو 17 ألف مصري يمتلكون أكثر من مليون دولار، في الوقت الذي تصل فيه نسبة الفقر رسمياً إلى نحو 29.7%، وفق آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.

المساهمون