تتصاعد التحذيرات من ارتهان مصر لصادرات غاز الاحتلال الإسرائيلي لفترات طويلة، ما يلقي بظلال سلبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة والخدمات المقدمة للمواطنين، ولا سيما الكهرباء، وهو ما اتضحت معالمه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل نحو أربعة أشهر، إذ سبّب توقف الإمدادات في الأسابيع الأولى من العدوان قبل استئنافها بمعدلات بطيئة، تضرر مصر.
وحذّر تقرير لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن، من أن اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي ينطوي على توازن هشّ بين الأمن القومي وأمن الطاقة، مؤكداً أن مصر قد تتعرض لضربة أكبر إذا امتدت الحرب في غزة لأسابيع، وأشهر أخرى.
يشير التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، إلى أن اعتماد مصر على تحالف شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي يضمّ كلاً من مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، لم يستطع أن يحلّ محل الغاز الروسي الذي يسعى التحالف لضخه إلى أوروبا، بما يبرز مؤشراً آخر على اعتماد مصر على توازن هشّ في تحقيق الأمن الوطني وأمن الطاقة.
يؤكد التقرير الذي أعدّه مارك أيوب، الخبير في شؤون الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حاجة مصر ودول المنطقة لمنح أولوية للاستقرار الجيوسياسي، وخصوصاً في غزة، وبناء رؤية اقتصادية واضحة، وإجراء مناقشات جادة في مشروعات الطاقة التي يساهم في تنفيذها القطاع الخاص، ولا سيما المرتبطة بإنشاء مشروعات لتوليد الطاقة المتجددة والخضراء، وإزالة المعوقات التي تواجه تلك المشروعات، وربط الحكومة بمدفوعات طويلة الأجل للشركات الأجنبية، لضمان سداد المدفوعات في توقيتاتها.
ويشير إلى أن الحرب على غزة دفعت الحكومة إلى تمديد انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد، وعدم التزامها وعداً قطعته على نفسها بانتهاء فترة الإظلام لمدة ساعات يومياً، خلال الصيف الماضي، وتوجيه استثمارات جديدة لتطوير شبكات الكهرباء والطاقة. وشددت على أن استمرار أزمة الكهرباء خلال فصل الشتاء أنهى أحد أشهر الإنجازات التي يفتخر بها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ وصوله إلى السلطة.
تناول التقرير تداعيات الحرب على غزة التي أدت إلى وقف تدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مشيرة إلى أن العدوان كشف مدى ضعف أمن الطاقة في مصر وتأثير ذلك سلباً في حياة المواطنين اليومية بشكل أكبر، في وقت يعاني فيه الاقتصاد حالة من الفوضى، حيث يعطي النظام الأولوية لسداد أكثر من 25 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون خلال العام الجاري 2024، بينما تعاني من شحّ العملة الصعبة.
ويلفت إلى أن هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر زادت الأمور تعقيداً، حيث أدت إلى تراجع عائدات قناة السويس المصرية بأكثر من 40% في يناير/ كانون الثاني الماضي، ما أوقع مصر التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وتدهور قيمة العملة المحلية وزيادة الديون الأجنبية، في مخاوف عدم قدرتها على سداد الديون واللجوء إلى صندوق النقد الدولي للمرة الرابعة، لزيادة برنامج الإنقاذ الاقتصادي.
ووفق التقرير، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة، أوقف واردات الغاز لمصر يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في وقت كانت تعتمد فيه أكثر على واردات الغاز الإسرائيلي، التي بدأت منذ 2020، يستخدم 10% منه محلياً ويصدر 90% كغاز مسال إلى الاتحاد الأوروبي. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقطع فيه الإمداد، حيث لجأت تل أبيب إلى وقفها في مايو/ أيار 2021، خلال الحرب على غزة لمدة 11 يوماً، عقب التوترات الأمنية بعد اجتياح حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة.
يظهر التقرير لجوء الحكومة إلى مضاعفة فترات انقطاع التيار الكهربائي، بعد قطع الغاز الإسرائيلي وتغطية العجز بشراء شحنات من الخارج، إلى أن أعادت إسرائيل ضخّ الغاز، بالتوازي مع تراجع درجات الحرارة ومعدلات الاستهلاك.
أوقفت سلطات الاحتلال تصدير 800 مليون قدم مكعب يومياً، وظفتها مصر قبل فترة الحرب في رفع قيمة الصادرات من الغاز المسال إلى 8.4 مليارات دولار عام 2022، في إطار اتفاق بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوربي لزيادة الغاز من دول شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، في إطار خطة ترعاها الولايات المتحدة، بوقف صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا.
وبحسب التقرير، لدى مصر طموحات منذ سنوات طويلة لتصبح مركزاً إقليميا للغاز في شرق البحر المتوسط، ولكن يبدو أنها وقعت في فخ الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي، ما دفع البلاد إلى استيراد الغاز بدلاً من تصديره، بما أدى إلى استنفاد احتياطاتها الأجنبية التي تحتاجها بشدة.
وهوت واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، وما تبعها من عدوان مستمر على غزة، إلى 150 مليون قدم مكعبة يومياً نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن تزيد إلى 350 مليون قدم مكعبة يومياً مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
يتناول التقرير معاناة الناس من تكرار انقطاع التيار الكهربائي، ولجوء الحكومة إلى حرمان المقيمين في القرى والمدن البعيدة عن العاصمة، بشكل غير عادل، ما أربك الأعمال، وأوقف العمل في المصانع واضطرّ بعض الأطباء إلى إجراء عمليات توليد نساء تحت أضواء الهواتف المحمولة، وإغلاق وحدات غسل الكلى في بعض المستشفيات، وتعرض صناعة المواد الغذائية لخسائر فادحة جراء تخفيض الأحمال، وعودة التيار فجأة بما يدمر الأجهزة الكهربائية.
ويضيف أن الحكومة واصلت خلال فصل الشتاء نظام تقنين التيار الكهربائي، ومدته من ساعة إلى ساعتين، توقف خلال الانتخابات الرئاسية، ثم عاد مع رفع أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 20%، حيث يوظف النظام الحرب في غزة كقصة تحذيرية للناس من صعوبة الوصول إلى الضروريات الأساسية.
ويطلب من المصريين تحمّل عواقب الأزمة الاقتصادية في مصر، بما يجبر الجمهور على تعديل جداول أعمالهم ودراستهم وفقاً لانقطاعات التيار الكهربائي، والتغاضي عن انخفاض إنارة الشوارع، في وقت تؤثر فيه خطط التقنين في سلامة المرأة في الشوارع وسير كبار السن والأشخاص الأكثر ضعفاً في الأماكن العامة ليلاً.
يشير التقرير إلى صعوبة اجتياز مصر لأزمة الطاقة، مع توقع ارتفاع الاستهلاك خلال فصلي الربيع والصيف، واعتماد الحكومة على زيادة صادرات الغاز، وعدم التزام الحكومة برنامج توليد الطاقة من الرياح والشمس، التي تستهدف إنتاج 10 آلاف ميغا وات بحلول عام 2025، لم تتوافر 50% من قدرات المركبة منها حالياً.
وقّعت الحكومة على مدار العامين الماضيين عدة اتفاقيات مع شركات محلية وعربية ودولية، لرفع معدلات توليد الكهرباء من مصادر متجددة، من نسبة 6.5% بالشبكة الموحدة، لتصل إلى 42% عام 2023، و60% بحلول عام 2040.
وتعهد علاء البطل، رئيس هيئة البترول أمام لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري بالعمل على تامين احتياجات السوق المحلية من المنتجات البترولية، مشيراً إلى مرور البلاد بحالة حرجة في ظل ظروف استثنائية، متأثرة بالحرب في غزة وأوكرانيا، وامتداد تلك الأوضاع إلى أسواق البترول والغاز بمختلف الدول.
وتنتظر الأسواق ارتفاعاً جديداً في أسعار الوقود خلال الأيام المقبلة، في إطار خطة وضعتها الحكومة بالتوافق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، للإسراع في خفض الدعم الحكومي لمنتجات الكهرباء والطاقة تمهيداً لإلغاء الدعم نهائياً خلال بضع سنين.
وتُعَدّ مصر والأردن الوجهتين الرئيستين لصادرات غاز الاحتلال الإسرائيلي، من خلال خطوط الأنابيب المرتبطة بكلا البلدين، إذ تستعمله عمّان في تأمين الاحتياجات الداخلية، فيما تعيد القاهرة تصديره إلى الخارج بعد إسالته.
وتنتج الحقول الغاز من مياه فلسطين المحتلة نحو 28 مليار متر مكعب سنوياً، يصدر ثلثها تقريباً إلى مصر والأردن، وسط توقعات بزيادة الإنتاج في السنوات المقبلة.
وزادت فاتورة واردات مصر من الغاز الطبيعي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي بنسبة 39.7% لتبلغ 1.875 مليار دولار مقابل 1.342 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2022، وفق بيانات نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويُعتمَد على واردات مصر من الغاز الإسرائيلي لتلبية جزء من الطلب المحلي، كذلك يُصدّر الفائض على شكل غاز طبيعي مسال إلى أوروبا بشكل أساسي، عبر مصانع التسييل في إدكو ودمياط.
ومثلت الصادرات المصرية من الغاز الإسرائيلي المسال بديلاً مهماً للأوروبيين، بعد امتناعهم عن شراء الغاز الروسي كجزء من العقوبات الغربية على موسكو لغزوها أوكرانيا.