- التحول من دولة مصدرة إلى مستوردة للغاز يزيد من التكاليف التشغيلية ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المصري، الذي يعاني من التضخم وانخفاض قيمة العملة.
- مصر تسعى لتعزيز استيراد الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب المتزايد خلال الصيف، مع التركيز على استيراد شحنة واحدة شهريًا، في محاولة لتحقيق رؤيتها كمركز رئيسي للطاقة.
بعد عمليات إنقاذية ضخمة بلغت قيمتها 50 مليار دولار، حذرت شبكة بلومبيرغ الأميركية من أنّ مصر أصبحت أكثر عرضة لمخاطر جديدة بسبب نقص الغاز لديها، وتحتاج إلى المزيد من الوقود لمنع انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف الحار، خاصة بعدما تضاءلت الموارد المحلية منذ طفرة التصدير المسجلة عام 2022.
إذ، وبحسب التقرير، يهدد النقص المتزايد في الطاقة باستنزاف الاحتياطيات الحيوية من العملات الأجنبية التي تحتاج إليها البلاد لتحقيق التعافي، في الوقت الذي تمر أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان بالمراحل الأولى الهشة من التحول الاقتصادي بعدما منحت تعهدات التمويل الضخمة قيادة البلاد آفاق بداية جديدة، علماً أن التحدي التالي الذي يواجهه الرئيس عبد الفتاح السيسي هو معالجة انقطاع التيار الكهربائي الذي اجتاح مصر العام الماضي وسبّب استياء شعبياً على نطاق واسع.
ومصر التي كانت دولة مصدرة للغاز سابقاً، لم تعُد تنتج ما يكفي من الغاز لإبقاء أنظمة الكهرباء واقفة على قدميها خلال الصيف الحار والذي يزداد حرّاً عاماً بعد آخر.
وكان العام الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، مما استلزم قطع الكهرباء مراراً وتكراراً لمدة تصل إلى ساعتين، وأجبر مصر على وقف صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال الموسم، فيما يتوقع الخبراء أن يكون عام 2024 أسوأ.
والأسبوع الماضي، ذكرت بلومبيرغ نيوز أن مصر بدأت بشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال التي تستخدمها لإنتاج الكهرباء لتكييف الهواء على غير العادة في وقت مبكر من العام لتجنب الانقطاعات المزمنة، فيما من شأن صيف آخر من انقطاع الكهرباء الحاد أن يزيد الضغط على السكان الذين يعانون بالفعل ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه كثيراً وارتفاع أسعار الوقود المحلية.
هذا وتهدد المشتريات الكبيرة باستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية في الوقت الذي تواجه مصر ضغوطاً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانحسار عائدات قناة السويس، نتيجة للهجمات التي شنها المسلحون الحوثيون على السفن في البحر الأحمر.
في هذا الصدد، يقول كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبيرغ إيكونوميكس، زياد داوود، إن "تحوّل مصر من مصدّر إلى مستورد للغاز يزيد من تكاليفها التشغيلية. فإلى جانب تأمين الطاقة، تحتاج السلطات إلى توفير الدولارات لتسوية الواردات المتراكمة وتسوية المتأخرات مع الشركات الدولية وتخفيف القيود على رأس المال".
وتمثل مشتريات الغاز الطبيعي المسال تحوّلاً كبيراً لمصر التي توقفت إلى حد كبير عن استيراد الوقود عام 2018 بعدما أدى اكتشاف حقل غاز ظهر الضخم إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتحويلها إلى دولة مصدرة.
وتهدف الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيغاز) حالياً إلى استيراد شحنة واحدة على الأقل شهرياً خلال يوليو/تموز أو أغسطس/آب، وفقاً لما نسبت بلومبيرغ إلى أشخاص مطلعين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، فيما أشار أحدهم إلى أن مصر ستحتاج إلى خمس شحنات على الأقل لفصل الصيف.
كانت مصر واحدة من المورّدين الذين ساعدوا أوروبا في إبقاء أنوارها مضاءة بعدما خنقت روسيا تدفقات خطوط الأنابيب
لقد باعت مصر كميات قياسية في الأسواق الدولية حتى عام 2022، في ذروة أزمة الطاقة في أوروبا، ما كان يوفر مصدراً للإيرادات في وقت كانت تعاني ارتفاع تكاليف الغذاء.
كما كانت واحدة من المورّدين الذين ساعدوا أوروبا في إبقاء أنوارها مضاءة بعدما خنقت روسيا تدفقات خطوط الأنابيب، الأمر الذي غذّى الطموحات بأنها قد تتحوّل إلى مركز رئيسي للطاقة.
لكن إنتاج الغاز المصري انخفض إلى أدنى مستوياته منذ سنوات في الآونة الأخيرة، وهو ما ربطه وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا بالانخفاض الطبيعي في حقول البلاد، فيما لن يكون كافياً الإنتاج المحلي وواردات خطوط الأنابيب من الاحتلال الإسرائيلي لتغطية احتياجات البلاد من الغاز هذا الصيف، وفقاً للمحلل في شركة الاستشارات "إنيرجي أسبيكتس" Energy Aspects Ltd في لندن، جاكوبو كاسادي.
وتشير توقعات الطقس إلى أن درجات الحرارة في القاهرة ستكون أعلى من المعدلات الموسمية لاحقاً هذا الشهر. وإضافة إلى تلبية الطلب القوي على التكييف، ثمة حاجة إلى الغاز للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل شركات إنتاج الأسمدة. وفي الوقت الحالي على الأقل، تراجعت أسعار الغاز العالمية كثيراً، بما يسهل تأمين الشحنات للدول الحساسة تجاه الأسعار في الأسواق الناشئة.
في هذا السياق، يقول مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات ومقرها بروكسل، ريكاردو فابياني، إنه "على المدى القصير، ستكافح مصر لتحقيق رؤيتها بأن تصبح مركزاً للطاقة. فمن الواضح أنها تفتقر إلى الإنتاج المحلي الكافي لتلبية الطلب الداخلي والتزامات التصدير. أما على المدى الطويل، فستحتاج إلى زيادة جهودها الاستكشافية لتعزيز الإنتاج والرهان على الطاقة المتجددة"، ليخلص إلى استنتاج مفاده أن "أيّاً من المهمّتين ليست سهلة".
ستكافح مصر لتحقيق رؤيتها بأن تصبح مركزاً للطاقة، فالواضح أنها تفتقر إلى الإنتاج المحلي الكافي لتلبية الطلب الداخلي والتزامات التصدير
وأحد العوامل التي قد تحدّ من كمية الغاز الطبيعي المسال التي يتعيّن على مصر شراؤها هو التدفقات الثابتة التي تتلقاها عبر خط الأنابيب من الاحتلال الإسرائيلي، إذ يقول الزميل الباحث في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن، إن الاكتشافات الأخرى التي لم تظهر بعد قد تجعل مصر تتأرجح "بين كونها مصدّراً للغاز الطبيعي المسال ومستورداً له في السنوات المقبلة".
وقد أصبحت مصر في وضع أفضل الآن بعدما تلقّت تمويلاً خارجياً بقيادة تعهد استثماري بقيمة 35 مليار دولار من الإمارات، وهذا من شأنه أن يسمح للسلطات بتجنب انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في الصيف، وفقاً لكبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا، عمر منيب الذي أضاف: "إنهم يعملون على جبهات مختلفة، ويعملون على الجانب الفني أيضاً لحل مشكلة نقص الغاز تدريجاً. فهم لا يريدون استياء الرأي العام بشأن هذه القضية، لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي متوتر أصلاً. وقد بدأ الصيف وسيصبح الجو أكثر سخونة".