حلاوة المولد أصبح طعمها مُرّاً بالنسبة لطيف واسع من المصريين المفتقرين إلى أبسط مقوّمات العيش، بسبب التضخم المستفحل والركود الحاصل، لا سيما مع تزامن هذه المناسبة مع بدء موسم الدراسة وما يفرضه على الأسر من أعباء مادية باتت ثقيلة جداً عليهم.
اقترب حسن إبراهيم، العامل بهيئة السكك الحديدية، من الشادر الذي انفرد بمكان فسيح على ناصية شارع كلوت، على مقربة من ميدان رمسيس، وسط العاصمة القاهرة، بينما المذياع يردد أغنية قديمة: "حلاوة زمان.. عروسة حصان وآن الآوان تدوق يا ولاه"، ثم دقق في اختياراته، ما بين البضاعة المكدسة على جانبي العرض.
تبيّن له أن تشكيلة الحلوى عديدة، بينما الأسعار غير موجودة على كل سلعة أوقعت حسن في مأزق، حيث يخشى توجيه أسئلة كثيرة لصاحب المحل، حتى لا يتورط في حرج ويشتري حلويات تفوق قدراته المالية.
فاجأنا حسن بسؤاله: ماذا اخترت؟ فقال: "العين بصيرة واليد قصيرة"، وهنا تدخل صاحب المحل: "يا عم لا تحزن، لدينا حلويات تباع بالقطعة تبدأ من 7 جنيهات، خذ على قدر فلوسك، ولا تخف، فنحن لدينا أسر ونريد أيضاً أن نبيع ونفرح بالمولد ويفرح معنا الآخرون". (الدولار = 19.6493 جنيهاً).
شجعت كلمات البائع حسن على طلب "3 عروسة وواحد حصان حلاوة" لأبنائه، فأخبره البائع بأنها ستكلفه 200 جنيه، هنا تراجع حسن للخلف واكتفى بطلب 12 قطعة حلويات صغيرة (نواشف) سمسمية وحمصية وفولية وملبن كلفته مجتمعة 94 جنيهاً.
ويذكر البائع "هذا عاشر رجل يأتي إلي اليوم ويقف لمدة طويلة، وفي النهاية، لا يستطيع شراء حلاوة بأكثر من 100 جنيه".
يشير البائع إلى أنّ "الإقبال ضعيف هذا الموسم، رغم أنّ الكميات المعروضة بالسوق أقل من نصف كميات العام الماضي، وكما ترى في الشارع القريب من سوق البحر، المتخصص في تجارة الحلويات والمكسرات المصرية والمستوردة، أصبح الناس يبيعون الفاكهة".
يؤكد البائع الذي فضّل عدم نشر اسمه أنّ "أسعار الخامات ارتفعت بضعف قيمتها عن العام الماضي، مع زيادة طن السكر من 4 آلاف إلى 8 آلاف جنيه للطن، وارتفاع كلفة النقل والعمالة".
يشير التاجر إلى أن "أسعار الحلوى في المنتجات الشعبية زادت بنحو 30%، بينما تصل إلى 100% بالنسبة للحلويات الفاخرة، التي تعتمد على المكسرات".
وسط ميدان رمسيس وأمام مسجد الفتح المغلق منذ 9 سنوات، احتلت شوادر كتب عليها "منافذ بيع القوات المسلحة" الأسوار المحيطة بالمسجد وأرصفة الميدان تصدر أصواتاً مسجلة، تنادي على "حلاوة المولد"، وعلى الجانب الآخر شادر واسع تابع لمجموعة "أمان" التابعة لوزارة الداخلية تبيع جميعها الحلويات، ضمن مشروع أعلنت الحكومة أنه سيتولى توفير حلاوة المولد بأرخص الأسعار.
وعلقت الشوادر على المدخل إعلاناً عن تخفيضات تصل إلى 25% على المبيعات، وتحدد 65 جنيهاً للعلبة السادة و135 لعلبة المشكل و220 للعلبة وزن 3 كيلوغرامات.
اللافت أنها كانت الأسعار نفسها التي يعرضها المتجر الخاص الواقع على مسافة 100 متر منه داخل شارع كلوت بك، إذ عرضت فيها الحلوى ذاتها بفروع المجمعات الاستهلاكية، التي تعهد وزير التموين علي مصيلحي بأن توفر لغير القادرين الحلوى بأسعار زهيدة، فإذا بها تباع بالتسعيرة نفسها مع زيادة 10 جنيهات على العبوة الكبيرة، لتصل إلى 230 جنيهاً للعلبة.
الدولار اللاعب الأكبر في غلاء الأسواق المصرية
تحول الدولار إلى كلمة سرية وراء الأزمات التي تمر بها الأسواق في مصر، فلم يعد الكلام عن زيادة سعر الدولار سرّاً برجال الأعمال فقط، بعد أن أصبح المحرك الأول لزيادة أسعار كافة المنتجات، والتي أصابت أسعار الحلويات "بجنون"، كما يقول بائع "كلوت بك".
يفسر مسؤول شعبة المواد الغذائية في الاتحاد العام للغرف التجارية عمرو عصفور الأمر بأنّ سعر الدولار "أصبح المحدد الأساسي للحالة الاقتصادية لجميع المواطنين"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "المصانع تعتمد على شراء معظم مستلزمات الإنتاج والمواد الغذائية من الخارج بالدولار، ومنذ أوقف البنك المركزي استيراد تلك المنتجات، ومنها السكر وعسل الحلويات من الهند وتركيا والمكسرات ومكسبات الألوان والطعم التي تحتاجها الحلويات، أصبحت الخامات شحيحة وأسعارها تتزايد وفقاً لندرتها في مخازن التجار".
وأرجع عصفور زيادة الركود مع وجود حالة من الغلاء الكبير في أسعار البيع إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وحلول فترة دخول المدارس التي وجهت معظم نفقات الأسر إلى تخصيص المصروفات لها من ملابس وكتب وأدوات مدرسية، تزامناً مع حلول المولد النبوي.
ويضيف أنّ "معظم الناس يتجهون إلى التقشف الشديد، رغم أنّ هذه المناسبة عزيزة على الأسر، إلا أنّ أولوياتهم تختلف الآن، فالأهم عندهم المأكل والمدارس والملابس ودفع الفواتير الشهرية من غاز وكهرباء وتنقلات، لذلك حركة البيع في أسواق الحلويات ضعيفة للغاية"، ويشير إلى أنّ "هذه الأعباء دفعت الناس إلى عدم توجههم للشراء، سواء من القطاع الخاص أو ما تبيعه (أمان) أو القوات المسلحة".
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في منطقة السيدة زينب التي كانت ملتقى شوادر حلويات المولد من كل صنف ولون، تبيّن أنها خالية تماماً من تلك المظاهر، وكذلك الحال في حي الحسين ووسط المدينة، باستثناء ما يخص الشركة الوطنية للجيش أو "أمان" التابعة لوزارة الداخلية التي تبيع الحلويات بدعم من الغرف التجارية ووزارة التموين، بالأسعار نفسها في المحلات الشعبية.
البلديات رفضت التصريح بإقامة شوادر الحلويات في مصر هذا العام
يشرح تاجر يمتلك سلسلة من المحلات الشعبية الشهيرة نشأت في منطقة "بشبيش"، وسط الدلتا، المتخصصة في صناعة الحلوى وتنتشر منتجاتها بميدان السيد البدوي في مدينة طنطا، أنّ البلديات رفضت التصريح بإقامة شوادر الحلويات هذا العام.
ويؤكد التاجر، الذي رفض الكشف عن هويته، أنّ "الحكومة طلبت أن يكون البيع داخل المحلات فقط، لترشيد استهلاك الكهرباء والالتزام بمواعيد غلق المحلات عند العاشرة مساء، إلا بنهاية الأسبوع فتستمر ساعة إضافية، ومن ينظم شادرا يدفع غرامات طائلة ويتعرض للإزالة الفورية من قوات المرافق والأحياء".
وأضاف: "انقسم الباعة المصريون إلى فئات تبيع الحلوى بأسعار متقاربة جداً، حيث يراوح سعر علبة الكيلوغرامين بين 145 و165 جنيهاً، وسعر القطعة الصغيرة من (النوغا) وقرص الفولية والحمصية والملبن 7 جنيهات والكبيرة 12 جنيهاً. كما يزداد سعر كيلوغرام حلاوة الفستق إلى 360 جنيهاً، وباللوز 250 جنيهاً والبندق 230 جنيهاً، والملبن 100 جنيه".
ويراوح سعر بيع علبة الحلوى للفئة المتوسطة بين 320 و430 جنيهاً، فإذا ما أضيفت إليها علب الهدايا سترتفع إلى ما بين 690 و1400، وفقاً لنوعية العلبة ولونها. ويفسر التجار الأمر بأن تلك العلب مستوردة وكذلك الأغلفة وقد زادت كلفتها مع ارتفاع قيمة دولار السوق الموازية إلى 24 جنيهاً مع أنه لا يزال رسمياً 19.72 جنيهاً.
وتنفرد بعض المحلات الكبرى ببيع كيلوغرام الحلويات بسعر 340 جنيهاً، بينما يراوح سعر العلبة بين 2400 و4200 جنيه، وتمثل في حدها الأدنى إجمالي راتب وحوافز موظف السكة الحديد لمدة شهر.
وسط موجة الركود، تحولت عروس المولد المصنوعة من السكر إلى عروس بلاستيك صينية الصنع تُباع بنحو 150 جنيهاً في المناطق الشعبية، وترتفع إلى 350 جنيهاً في المناطق المتوسطة و700 جنيه في حال تزويدها بلمبات إنارة، ربما تدخل السعادة إلى قلوب أصحابها وتعيد الفرحة المخطوفة بحلاوة المولد.