تدرس مصر بيع أصول في ثلاث شركات إضافية يسيطر عليها الجيش خلال العام المقبل، في انفتاح تاريخي محتمل لجزء من الاقتصاد أمام الاستثمار الخاص، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن مسؤولين مصريين.
وقال أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادي في مصر، إن الدراسات جارية حول المزيد من الأصول التي يمكن تقديمها للقطاع الخاص. وتأتي تصريحات سليمان بعد نحو أسبوع من إعلانه عن طرح حصص تصل إلى 100% في شركتي صافي للمياه المعدنية والوطنية للخدمات البترولية، التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش، في الربع الأول.
ولم يحدد سليمان الشركات الثلاث المحتملة، بيد أنه قال إن الخطة الأولية هي بيع ما يصل إلى الملكية الكاملة فى نحو 10 شركات يمتلكها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. ويساعد الصندوق السيادي في اختيار الأصول والترويج لها أمام المستثمرين.
وتأسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية عام 1979، ويمتلك أكثر من 30 شركة في قطاعات تنشط في مواد البناء، والمواد الغذائية، والتعدين، والبتروكيماويات.
ومنذ وصوله إلى الحكم منتصف 2014، في أعقاب إطاحة الجيش الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، يمضي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع، في تعزيز قبضة الجيش على الاقتصاد وتنفيذ مشروعات ضخمة يشكك خبراء اقتصاد في جدواها الاقتصادية، منها إنشاء عاصمة إدارية جديدة شرق العاصمة التاريخية القاهرة، وشق تفريعة جديدة لقناة السويس، ما استنزف مئات مليارت الجنيهات.
ولم يتم بعد الاستثمار الأجنبي على نطاق واسع باستثناء قطاع النفط والغاز، وسوق الديون في البلاد منذ وصول السيسي. وسيتم أولاً عرض شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية المختارة على المستثمرين من القطاع الخاص، ويمكن إدراجها بعد ذلك في البورصة المصرية.
كانت الحكومة قد حددت، قبل نحو ثلاث سنوات، نحو 20 شركة مملوكة للدولة يمكن إدراجها في البورصة المصرية أو طرح حصص إضافية للبيع.
وقد عُرضت شركة واحدة حتى الآن، حيث ساهمت جائحة فيروس كورونا الجديد في تأخير المبادرة. وقالت وزيرة التخطيط هالة السعيد في مقابلة منفصلة، وفق بلومبيرغ، إن "جميع مؤسسات الدولة حريصة الآن على أن يكون للقطاع الخاص دور أكبر في مشاريع التنمية".
واعتبرت السعيد أن طرح حصص في شركات الجيش هو "إشارة جادة للغاية من الحكومة"، مضيفة "هذا تحول تاريخي في كيفية هيكلة الاقتصاد المصري".
كما قال سليمان إن الفرص التي يمنحها الصندوق "دليل على توجه الحكومة لتشجيع مشاركة القطاع الخاص". مضيفا أنه "يسعى إلى ترويج المزيد من الطروحات الاستثمارية المستدامة، والمبنية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بدلاً من الخصخصة".
لكن التوجه المصري نحو بيع أصول مملوكة لشركات تابعة للجيش أو القطاع بهدف جذب الاستثمارات الخاصة، يأتي في وقت يشن فيه النظام المصري حملات غير مسبوقة ضد العديد من رجال الأعمال البارزين ومصادرة ممتلكاتهم تحت ذرائع عدة، أبرزها تمويل جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها الدولة "جماعة إرهابية" في أعقاب الإطاحة بمرسي.
وفي وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على رجل الأعمال محمد رجب، مالك سلسلة متاجر "أولاد رجب" المنتشرة في كافة ربوع مصر، بعد توجيه اتهامات له بالانضمام إلى "جماعة الإخوان المسلمين" وتمويلها.
ويأتي القبض على رجب بعد أيام من اعتقال رجل الأعمال البارز صفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة "شركة جهينة" لمنتجات الألبان، ورجب السويركي، صاحب سلسلة محلات "التوحيد والنور" الشهيرة لتجارة التجزئة، بتهم تتعلق أيضا بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.
بيد أن إلقاء القبض على رجال الأعمال لم يقتصر على من يصنفهم النظام المصري أنهم محسوبون على جماعة الإخوان، وإنما جرى إلقاء القبض على رجل الأعمال البارز صلاح دياب، الذي كان أحد الداعمين للسيسي لدى إطاحة مرسي قبل نحو سبع سنوات، حيث تم القبض عليه مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وحبسه احتياطياً على ذمة اتهامات متعلقة بمخالفات بناء، قبل الإفراج عنه بعد نحو شهر.
ووفق مصادر مطلعة تحدثت مع العربي الجديد" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تم إجبار دياب على دفع قرابة 300 مليون جنيه (19.2 مليون دولار)، ضمن تسوية مع أجهزة في الدولة بشأن مخالفات سابقة في قطاعات العقارات وتغيير أنشطة مساحات من أراضي الدولة، التي حصل عليها إبان فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالإضافة إلى حصته في صحيفة "المصري اليوم"، وذلك قبل أن يتم إطلاق سراحه في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنها طالبت صندوق النقد الدولي بالكشف عن المعلومات المالية للشركات المملوكة للجيش المصري، التي تنتج في الأساس سلعا مدنية، المحجوبة تماما عن الرأي العام، ما يجعلها بيئة خصبة للفساد. ودعت المنظمة، في رسالة إلى صندوق النقد، إلى الكشف عن المعلومات المالية المطلوبة قبل صرف الشريحة الجديدة من برنامج الإقراض الحالي لمصر.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وافق صندوق النقد على قرض جديد لمصر بقيمة 5.2 مليارات دولار، لتلبية احتياجات تمويل ميزان المدفوعات الناشئة عن تفشي جائحة فيروس كورونا. وقال الصندوق، آنذاك، إن الموافقة على التمويل تمكن مصر من سحب ملياري دولار فوراً من إجمالي قيمة التمويل، وتوزيع المبلغ المتبقي على مرحلتين خلال 12 شهراً.
ويعد هذا القرض الثاني من الصندوق منذ بدء أزمة فيروس كورونا، حيث تم الحصول في مايو/ أيار الماضي على 2.7 مليار دولار، ضمن إجراءات الصندوق لمساندة الدول في مواجهة تداعيات الوباء.
وسبق أن حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من الصندوق نهاية عام 2016، مقابل تنفيذ برنامج اقتصادي تضمن تعويم الجنيه المصري (تحرير سعر الصرف) وإلغاء الدعم بشكل تدريجي وزيادة الضرائب.
ولا تتوفر بيانات من جهات رقابية رسمية في مصر بشأن حجم النشاط الاقتصادي للجيش المصري، غير أن السيسي قال في ديسمبر/ كانون الأول 2016 إنه "يعادل نحو 2% من حجم اقتصاد مصر"، بينما ذكرت تقارير إعلامية غربية آنذاك أن الجيش يسيطر على أكثر من 50% من اقتصاد البلاد. وتنص المادة 203 من الدستور المصري الحالي على أنه لا ينبغي تفصيل الميزانية العسكرية في ميزانية الدولة لإبقائها سرية، وتجب مناقشتها فقط في مجلس الدفاع الوطني الذي يتكون معظم أفراده من ضباط.