مصر: تدخلات الأمن والإجراءات الحكومية تعرقل الصادرات

10 مايو 2023
الإنتاج الصناعي يراوح ما بين 80 و85 مليار دولار (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه المستثمرون في مصر عوائق كبيرة تحول دون زيادة الصادرات، أبرزها المخاوف الأمنية التي تدفعهم إلى تخفيض أنشطتهم أو التوجه للأسواق المنافسة بالمنطقة، رغم وجود فرص جيدة للأعمال محلياً، وحاجة الدولة إلى عوائد التصدير في الحد من أزمة الدولار والبطالة.
وأوضح مؤتمر للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أقيم مساء أول من أمس، بالتعاون مع وزارات التجارة والصناعة والمالية وهيئة المعونة الأميركية، أنه رغم ارتفاع معدلات التصدير خلال الأشهر الماضية، وتشكيل مجلس أعلى للتصدير برئاسة رئيس الدولة، إلّا أنّ القدرة التنافسية للصادرات المصرية تتراجع بشدة إذا ما قورنت بطاقة مصر الإنتاجية والتحولات التي تطرأ على الأسواق المنافسة بالمنطقة، مثل تركيا والمغرب، ما جعل القاهرة تأتي في ذيل مؤشرات التجارة الدولية.
كشف المؤتمر عن تعامل الجهات الحكومية مع المستثمرين على أنّهم "لصوص" إلى أن يثبت العكس، مع استمرار عمل تلك الجهات كجزر منعزلة، تدفع إلى تأخير الإفراج الجمركي وحقوق المصدرين، وحرمانهم من الفرص التنافسية مع نظرائهم في الخارج، مع تكبدهم أعباء مالية.
دعت مساعدة وزير التجارة أماني وصال إلى تغيير شامل للبيئة الحاضنة للأعمال، باعتبارها أكبر عائق للصادرات.

وأقرّ رئيس جهاز التمثيل التجاري يحيى الواثق بالله بأن الناتج الصناعي المصري ما زال منخفضاً للغاية، ولن يحقق هدف التصدير بـ100 مليار دولار، الذي تسعى إليه الحكومة، مشيرا إلى أنّ الإنتاج الصناعي بأكمله يراوح ما بين 80 ملياراً و85 مليار دولار، يصدر بنحو 40% من قيمته سنوياً.
وأوضح أنّ العوائق التي تواجه الصناعة تحول دون دخول أعداد جديدة من المستثمرين إلى المجالات الصناعية، معترفاً بتعدد المشاكل التي تتطلب أن تعمل كل جهة على حلّها معاً، وإنهاء حالة عدم الرضا التي تدفع إلى زيادة الأعباء والمشقة على المنتجين. واعترف بأنّه في حال استمرار الحال على ما هو عليه، ستظل قيمة الصادرات عند حدود 30% - 40% من الناتج الصناعي، ولن يزيد عدد المصدرين عن 5000 شخص يعملون منذ سنوات طويلة، بينما يتخطى تعدادهم مئات الآلاف في تركيا، يقومون بتصدير منتجات ما زالت غير معروفة في مصر على الإطلاق.
أشار المصنعون إلى سياسات الكيل بعدة مكاييل بين المستوردين واختلاف الرسوم والأداء، من ميناء لآخر، وحاجة الجمارك إلى توكيل رسمي من أصحاب المصادر لمستخلصي الجمارك، بما يهددهم بالوقوع في قضايا جنائية، دون علمهم.
وأبدى رجال الأعمال ضيقهم الشديد من استمرار تشديد الإجراءات الأمنية العسكرية في التعامل مع الفحص الفني للصادرات والواردات، وخاصة خامات الإثيلين والبلاستيك والمواد القابلة للاشتعال، وصلت أخيرا إلى حرمانهم من استيراد أقمشة فوسفورية ملونة تستخدم في صناعة الملابس الرياضية والخاصة بالإطفاء لمجرد احتوائها على ألوان تعتبرها تلك الجهات خاصة بها.

قال رئيس المجلس التصديري لمواد البناء وليد جمال الدين: "نحن معرضون للسجن في أي وقت، وبدون أي سبب"، وأيده عدد آخر من المستثمرين، ما دفع الحضور إلى مطالبة الحكومة بالإسراع في تغيير المنظومة الحاكمة للرقابة على الصادرات والواردات وتشغيل المناطق الصناعية برمتها على وجه السرعة، لإنقاذ الاقتصاد من عثراته المالية الخانقة.
دعا المشاركون إلى إنهاء العمل اليدوي بالمصالح الحكومية، والتحول إلى نظام رقمي موحد بالكامل بين الأجهزة الحكومية يسمح بإطلاع جميع الجهات الرقابية على الوثائق في آن واحد.
من جانبه، أعرب مدير مشروع تطوير التجارة وتنمية الصادرات رشيد بنجلون عن أمله في التوافق حول برنامج عمل تنفيذي لإصلاح منظومة التجارة الخارجية في مصر، باعتباره مجرد بداية لرحلة طويلة لتطوير المنظومة بالكامل لتصبح أكثر تبسيطاً وأكثر شفافية وأكثر توقعاً.
وأوضح أن الدراسة والتحليل للوضع الفعلي لمنظومة التجارة الخارجية في مصر، التي أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بالتعاون مع مشروع تطوير التجارة وتنمية الصادرات في مصر المُمول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، استغرقت 8 أشهر متصلة شملت 6 جلسات نقاشية بين ممثلي الحكومة وممثلي القطاع الخاص في مارس/ آذار الماضي بهدف تطوير التجارة وتقليل الحواجز أمامها من خلال توفير المناخ الملائم والمشجع للمُصدرين الجدد والحاليين من الشركات الصغيرة والمتوسطة، لزيادة حجم صادراتهم.
استعرضت المديرة التنفيذية ومديرة البحوث بالمركز المصري عبلة عبد اللطيف أهم نتائج الدراسة التي أظهرت ضعف التنسيق بين وزارتي المالية والتجارة والصناعة، بما يعمق سوء الفهم لهدف التنمية الصناعية وتنمية الصادرات.
وأوضحت أن نظام "نافذة" الذي أنشأته الحكومة أخيرا لتسريع خروج البضائع من الموانئ، تحول إلى عائق لوجود أوجه قصور عديدة في تصميمه الأصلي ومراحل تنفيذه، مع التوسع في تطبيق النظام بشكل أفقي في مؤسسات إضافية، بما عظم من تعقيد المشكلات وخلق مزيدا من الإجراءات البيروقراطية غير الضرورية.
دعت دراسة "المركزي المصري" إلى تغيير نظام الرقابة بمصلحة الجمارك التي تحتاج إلى إصلاحات جوهرية وعاجلة، ورقمنة كاملة للإجراءات بها. كشفت الدراسة حقيقة أن "دورة المستندات" التي تحتاجها الصادرات والواردات في مصر أبطأ من "دورة المنتجات" خلافا للمعتاد بكلّ دول العالم، مع وجود فرق كبير في التعامل مع المنتج نفسه من حيث التكاليف والإجراءات بين الموانئ المختلفة، وهو ما يعكس عدم وجود معايير واضحة ومحددة لتقدير التكاليف أو الوقت الذي تستغرقه إجراءات الاستيراد ككل، فضلاً عن الازدحام الشديد عند بوابات الموانئ التي تنتهي عندها إجراءات الإفراجات بسهولة.
قدمت الدراسة مقترحات عملية، تساهم بخفض عدد أيام إجراءات إتمام العملية التجارية لكل منتج شملته الدراسة بشكل مفصل، لتصل إلى 11 – 14 يوما في حال تنفيذ الإصلاحات المقترحة، ليتم خلال 92 بدلاً من 258 يوماً في الوضع الحالي.

شددت الدراسة على أن نجاح خطة الإصلاح المقترحة يتطلب الاهتمام بمنظومتي الاستثمار والإنتاج وأن يكون القطاع الخاص هو اللاعب الأساسي في التصدير والاستيراد ويصبح جزءاً أساسياً في صنع القرارات ذات العلاقة وليس مجرد متلقٍّ لها من الجهات الحكومية التي تصدر القوانين واللوائح، من دون اعتبار لرأي مجتمع الأعمال، وعلى المتضررين أن يبحثوا عن حلهم بمفردهم. تركز الدراسة على ضرورة تبني سياسات جريئة تستبعد التعامل مع القطاع الخاص على أنه يضم لصوصا إلى أن يثبت العكس، أن تصبح قواعد الرقابة على أساس أن السلوك السليم هو السائد والسلوك الفاسد هو الاستثناء وليس العكس. وأوضحت أن البعد التنافسي لزيادة الصادرات المصرية هو المحرك الصحيح لتغيير المنظومة بهدف تحسينها، وأن الإصلاحات المتكاملة تحقق التحسين المطلوب في المنظومة لأن الإصلاحات الجزئية تدفع الأداء نحو الاتجاه الأسوأ.
حددت الدراسة أولويات الإصلاح العاجلة على مستوى التصدير التي تبدأ بتيسير إجراءات الحصول على مستحقات دعم الصادرات وتخفيض مدتها ووقف العمل بالصور الضوئية، ورد أعباء الصادرات بسرعة، وتبسيط إجراءات أنظمة السماح المؤقت والدروباك (استرداد الرسوم الجمركية) وتسريعها لدى الرقابة الصناعية.
وضعت الدراسة أولويات الإصلاح إلى جانب الاستيراد في تطبيق منظومة أخطار موحدة على مستوى كافة الجهات الرقابية ووفقا لأفضل الممارسات الدولية، وتطوير منظومة نافذة لتفادي المشكلات التقنية ولتحقيق الهدف الأصلي الذي صممت من أجله "اختصار الإجراءات في منصة واحدة وزيادة الكفاءة"، وزيادة الشفافية في تقدير إجمالي الرسوم التي يتحملها المستورد المصري بخاصة المُصنّع خلال إجراءات الإفراج الجمركي.
أشار رئيس الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات عصام النجار إلى بدء العمل على منظومة متكاملة لإدارة المخاطر للسلع الصناعية، بالإضافة إلى زيادة عدد المعامل بجميع الموانئ بكلفة بلغت 1.2 مليار جنيه لتسهيل الإفراج الجمركي للانتهاء من التحليل خلال 24 ساعة فقط، كما تعمل الهيئة على مشروع قياس البصمة الكربونية بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ومشروع آخر مع اليونيدو لتسجيل مصدري الملابس الجاهزة بالمنظمات الدولية التي تتطلب اشتراطات خاصة.
من جانبها، قالت المديرة التنفيذية لصندوق تنمية الصادرات أماني وصال إن ميزانية صندوق تنمية الصادرات اعتباراً من العام المالي 2023-2024 لن تقل عن 28 مليار جنيه مع ميكنة إجراءات الصندوق بحيث سيتمكن المصدر من تحميل مستنداته إلكترونياً على النظام اعتباراً من أول يوليو/ تموز المقبل.
أشار رئيس الشركة المصرية الألمانية للسيارات "إجا" أحمد فكري عبد الوهاب إلى مواجهة قطاع صناعة السيارات مشكلات متعلقة بالمواصفات. ويبدي المستثمر دهشته من توقيع الحكومة على اتفاقية دولية تضم 164 مواصفة تسمح بالاعتراف المتبادل بالمواصفات الخاصة بالمكونات، مع ذلك تطالب المستوردين بالفحص بناء على مواصفات غير موجودة بالمنظومة، في حين أنه لا توجد أساسا مواصفة تحدد تعريف السيارة ومواصفاتها الكاملة، بما يؤدي إلى استيراد سيارات كثيرة العيوب لمجرد أنها تسير على أربع وذلك رغم وجود مواصفة دولية موحدة لكلّ سيارة.

حذر رئيس مجلس جمعية رجال أعمال الإسكندرية محمد هنو من ارتفاع معدلات الكلفة المباشرة التي تقع على المصنعين التي تفرضها الجهات الحكومية دون سند قانوني وتجاهلها قرار مجلس الوزراء الخاص بعدم فرض أيّ رسوم من دون موافقة كتابية من رئيس المجلس، مؤكدا أن الكلفة غير المباشرة تجعل المنتج المصري غير تنافسي بالأسواق الدولية، عدا ما تستنزفه من طول الوقت لإنهاء الإجراءات، مطالبا بضرورة تغيير القائمين داخل المؤسسات الحكومية وتعديل منظومة عمل الجهاز الإداري للدولة، من خلال شخصيات جادة قادرة على تطوير الأداء والقضاء على الروتين والفساد.
وندد نائب رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة فاضل مرزوق بالعوائق التي تضعها الجهات الحكومية أمام منتجي الملابس والمنسوجات، وفرض كل جهة رسوما وفق أهوائها وحاجاتها إلى الأموال، مستشهدا بفرض "نافذة" رسوم نهاية الأسبوع الماضي، بلغت 100 دولار على كل وثيقة إفراج جمركي، دون سند من قانون وبالمخالفة لتعليمات رئيس الوزراء. وقال مرزوق إن مصر لديها قدرة على زيادة صادراتها من الملابس الجاهزة، إذا ما أزيلت تلك العوائق، لافتا إلى أن فيتنام التي دخلت مجال صناعة الملابس والمنسوجات منذ بضع سنوات، تصدر سنويا بنحو 38 مليار دولار، مقابل صادرات مصرية بلغت 2.5 مليار دولار فقط، بينما يمكنها زيادتها إلى 8 مليارات دولار خلال 3 سنوات إذا ما أزيلت تلك العوائق.
طالب رئيس غرفة صناعة المواد الغذائية باتحاد الصناعات أشرف الجزايرلي بضرورة صدور قانون سلامة الغذاء وإلغاء عقوبات الحبس من القانون، الذي يهدد رجال الأعمال ويعرضهم للمضايقات الأمنية أثناء السفر على الطرق، حيث يصر الضباط على إجراء فحص أمني لهم لمجرد أن المهنة المذكورة في بطاقة الهوية تبين أنهم يعملون في الصناعات الغذائية.
وأكدت عضو مجلس النواب مها عبد الناصر أن الجهات الحكومية ما زالت تعمل في جزر منعزلة، ولن تُصلَح المنظومة إلّا من خلال تعاون كافة الجهات بشكل كامل وفاعل حتى يتم الإصلاح الحقيقي وإصلاح بيئة الاستثمار.

المساهمون