في الدول المتحضرة يتم كل يوم فتح مصانع ومشروعات صغيرة ومتوسطة وتأسيس شركات وإبرام صفقات تجارية وزيادة الصادرات، وفي الدول الديكتاتورية، التي يحكمها العسكر، يجري فتح سجون وإقامة مقابر وزيادة واردات الأسلحة والمدرعات والقنابل والرصاص الحي.
وفي علم الاقتصاد يقاس تقدم أي اقتصاد بمؤشرات أبرزها خلق فرص عمل للمتخرجين الجدد والحد من البطالة خاصة بين الشباب والقضاء على الفساد وتوفير الاحتياجات الرئيسية للمواطنين من غذاء وصحة وتعليم، ولذا فإن اقتصادات الدول المتقدمة تركّز في استراتيجياتها وخططها على إقامة المشروعات الصناعية والمؤسسات الإنتاجية عبر توفير البيئة المناسبة للاستثمار وتشجيع الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الخارجي.
أما في دولنا فإن أولويات حكامنا تكمن في فتح مزيد من السجون وأقسام الشرطة، وإجراء توسعات للسجون القائمة، وما أكثرها، وإقامة المزيد من المقابر حتى تستوعب عشرات الشباب ممن يسقطون بنيران الرصاص الحي أثناء مشاركتهم في المظاهرات السلمية.
اليوم الثلاثاء احتفى الإعلام المصري بخبر افتتاح اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية مقر سجن الجيزة الجديد الذي تم تأسيسه حديثا بطريق مصر إسكندرية الصحراوي، وتفقد الوزير لعنابره، والغريب أن الإعلام الذي اسهب فى سرد تفاصيل الافتتاح نسي أن يذكّرنا بأن السجن الجديد مكيف الهواء ومزود بكل وسائل الراحة، وأن الثلاجات الموجودة في غرف السجناء مليئة بالعصائر والأغذية الفارهة، وأن الأسرة علي أحدث نظام.
في مصر هناك آلاف المصانع المغلقة منذ ثورة 25 يناير لأسباب عدة، منها تردّي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والإضرابات العمالية والخلافات مع التأمينات والضرائب، وبدلاً من أن تسارع الحكومة إلى علاج هذا الملف المزمن الذي نجم عنه إغلاق بيوت مئات الآلاف من الأسر المصرية وفصل آلاف العمال، وتخص الموارد المالية لعلاج تعثر المصانع والخروج من كبوتها، راحت توجه هذه الموارد لإقامة سجون.
وبدلاً من أن تنشر الحكومة كذلك إعلانات في وسائل الإعلام حول مزايدات ومناقصات لبيع أراض للمستثمرين، تُقام مصانع ووحدات سكنية عليها، راحت تنشر مناقصات تدعو فيها الشركات للتقدم بعروض لإقامة سجون وعنابر للمعتقلين.
هناك ملايين الشباب المصريين العاطلين من العمل، وبدلاً من أن تجد لهم الحكومة فرص عمل تنتشلهم من حالة الضياع التي يمرون بها، راحت تبني مزيداً من السجون لاستقبال المعتقلين المحتجزين بأقسام الشرطة ومديريات الأمن ليضافوا إلى 42 ألف معتقل بالسجون.