مصر: تأجيل رفع فائدة البنوك لأجل مرهون بضغط الدولار على الجنيه

03 فبراير 2023
لا تزال السلطات المصرية عاجزة عن فرملة تدهور الجنيه وكبح موجة الغلاء المستفحلة (Getty)
+ الخط -

قرر البنك المركزي المصري الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية عند 16.25%، و17.25%، على الترتيب، مع الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 17.75%. وجاء قرار تثبت الفائدة، من لجنة السياسات النقدية التي عقدت اجتماعها مساء الخميس برئاسة محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، مخالفاً لغالبية التوقعات التي تنبأت بها بنوك ومحللون ومؤسسات تمويل دولية، قبل الاجتماع بعدة أيام.

أزاح القرار كثيراً من الهموم التي شغلت خبراء الصناعة والبورصة والقطاعات الإنتاجية، التي تخشى المزيد من ضغوط مالية تدفع الأسواق إلى الركود وإلى مزيد من التضخم.

أوضح "المركزي" أنّ تأجيل لجنة السياسات النقدية للرفع جاء بعد استباقها رفع الفائدة بمعدل 3%، دفعة واحدة بنهاية العام الماضي، مرده إلى معدلات التضخم المتوقعة، مبيّناً أنّ مسار أسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة، وفقاً لتوافر البيانات الاقتصادية خلال الفترة القادمة، وليس طبقاً لمعدلات التضخم السائدة.

وأعلنت اللجنة، في بيان صحافي، أنّ القرار يتسق مع وجود مؤشرات أولية في تسجيل معدلات نمو موجبة، وإن كانت بوتيرة أبطأ خلال الربع الرابع من عام 2022، وسيبتعه معدل نمو معتدل خلال العام المالي 2022- 2023، مقارنة بالعام السابق، وانخفاض البطالة من 7.4%. وتعقد اللجنة 8 اجتماعات خلال العام 2023، بدأ أولها في فبراير/ شباط.

وقال الخبير الاقتصادي طارق متولي، لــ"العربي الجديد"، إنّ القرار "جاء منطقياً ومتوافقاً مع التوجهات التي يتبعها البنك المركزي والإجراءات التي اتخذتها الحكومة نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، للخروج من الأزمة الاقتصادية، التي يعلم الجميع أنّ سببها الرئيسي النقص الحاد في الدولار".

وأضاف الخبير في تحليل الموازنات العامة، الذي تفرد بالتنبؤ بعدم رفع الفائدة قبل أيام من صدور القرار، أنّ المؤشرات على تثبيت الفائدة كانت واضحة، عندما رفع "المركزي" الفائدة بمعدل 3%، لتزيد بواقع 800 نقطة مع الربع الأخير من العام الماضي، وأتبعها بالسماح للبنوك بإصدار شهادات ادخار ذات عائد شهري 22.5%، لمدة شهر، ثم أوقف بيعها، مع توقيت خروج البضائع المعطلة بالموانئ، وقيمتها 14.5 مليار دولار، فأراد الانتظار لحين دارسة أثر ذلك على معدلات التضخم بالأسواق.

ورجّح متولي أنّ البنك المركزي سيرفع معدلات الفائدة خلال المرحلة المقبلة، "لأنّ التضخم لم يصل إلى أقصى مستواه المتوقع، في ظل سياسات التشديد النقدي، إلى أن يتمكّن من حل مشكلة الدولار، إذا ما التزمت الحكومة ببرنامج إصلاح هيكلي وعملت على جذب الاستثمارات، وهيأت البورصة لعمليات الطرح التي ستبدأ الأربعاء المقبل للشركات العامة، ونفذت وثيقة (الملكية العامة لأصول الدولة)".

وأشار متولي إلى "خطورة رفع الفائدة المتواصل على الصناعات والمجتمع بأسره، حيث إنّ زيادتها بنسبة 1% حالياً تكلّف الخزانة العامة نحو 40 مليار جنيه زيادة في الدين العام، وهو ما لا يمكن أن تتحمّله الدولة حالياً، إلا إذا كانت هناك فائدة أكبر من هذه الخسارة".

وطالب الخبير الاقتصادي بـ"أن تكون الحكومة على قدر المسؤولية، وتعمل على الإسراع بالإصلاح الهيكلي للاقتصاد"، مشدداً على أنّ السياسات النقدية لـ"المركزي" "لن تعمل بمفردها، ولن تصل ثمارها إلى الناس، من دون السيطرة على سعر الدولار في السوق الموازية وتوحيد سعره في الأسواق، وتهيئة مناخ الاستثمار، وأن تتوقف الحكومة عن القيام بدور التاجر والصانع الفاشل، لتصبح هي الحكم بين المؤسسات".

وسيطرت استطلاعات رأي لخبراء أوردتها وكالة روتيرز وHSBC بنك و"هيرمس" المالية، قبل اجتماع لجنة السياسات النقدية، توقعت رفع سعر الفائدة بـ150 نقطة في المتوسط، مدفوعاً باحتواء الضغوط التضخمية الناشئة عن تراجع قيمة الجنيه بنسبة 17% خلال يناير/ كانون الثاني، واستمرار تراجعه أمام الدولار القوي الأسبوع الماضي، ليصل سعره إلى 30.33 جنيهاً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وذكر "إتش إس بي سي" أنّ الضغوط التضخمية المرتفعة ستؤدي إلى رفع الفائدة بمعدل 2%، بعد أن وصل التضخم في أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى له في 4 سنوات عند 21.4% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مع وجود ضغوط ضمنية مرتفعة يعكسها التضخم الأساسي الذي بلغ 24.4%، ويتوقع أن يزيد عن 25% في الربع الأول من العام المالي الحالي، بأكثر من 15% عن الحد المستهدف من البنك المركزي.

ويعرب رجال الأعمال عن مخاوفهم من عدم قدرة البنك المركزي والحكومة على السيطرة على التضخم، بما يدفعهم إلى العمل في حالة من عدم اليقين والضبابية، في ظل تصاعد الفائدة باستمرار، والتي تعطل أعمالهم، وتدفع البعض إلى الخروج من سوق الاستثمار إلى التوقف التام، واللجوء إلى الدفع بما يتبقى لديهم من أموال إلى البنوك للحصول على عوائد الفائدة البنكية المرتفعة.

تزيد الفوائد المرتفعة، التي تصل إلى نحو 21.5% حالياً في البنوك على تعاملات الشركات والأفراد، من صعوبة معدلات الأداء في أسواق الرهن العقاري، الذي يمر بحالة ركود شديدة، مع تعطل المقاولين عن تنفيذ الأعمال، لارتفاع أسعار مواد البناء ومدخلات الإنتاج.

وأدى حصول البنوك على فائدة تبلغ 3% عن معدلات "المركزي" ورسوم إضافية على بطاقات الائتمان، ورفع قيمة التأمين على القروض، والسحوبات غير المغطاة، من 1% إلى 1.5%، إضافة إلى قيود الاستخدام بالخارج، وعمولة تدبير العملة تصل قيمتها إلى 14%، إلى تراجع الإقبال على تمويل شراء العقارات والسيارات والملابس والسلع المنزلية والاستهلاكية.

يكشف مؤشر مديري الشركات عن تراجع شديد في الطلب على المشتريات، يقابله تراجع في الإنتاج وزيادة في التكلفة وارتفاع في الأجور العاملين، ما دفع الشركات إلى حالة من الانكماش والركود، رغم تمريرها جزءاً من الارتفاع في التكاليف إلى المستهلكين.

رئيس جمعية رجال الأعمال علي عيسى أشار، في بيان صحافي، إلى "ضرورة التزام الحكومة بتسريع تنفيذ مبادرة أطلقتها الشهر الماضي لدعم الفائدة للمشروعات الصناعية، التي خصصت لها 150 مليار جنيه، لتكون بنسبة 11%، لأنّ الاقتراض أصبح مكلفاً للشركات، ويعوق حركة العمل ويحول دون التوسعات الجديدة للمصانع".

ويخشى رجال أعمال أن يؤدي تسارع انخفاض الجنيه، مع زيادة الفائدة وارتفاع الأسعار، إلى تدابير أكثر إيلاماً بالشركات وركود بالأسواق، يتبعها التخلص من العمالة.

يرصد البنك المركزي تراجعاً في انخفاض معدلات البطالة خلال الربع الثالث من العام الماضي، حيث بلغت 7.2% بدلاً من 7.4% عن الربع الثاني لعام 2022، مدفوعاً بتحسن النشاط في قطاعات السياحة والزراعة وتجارة الجملة والتجزئة، مع تأكيد مسؤوليه الوصول بالتضخم إلى المستوى المستهدف، عند 7% ±2% خلال الربع الرابع من عام 2024.

ويروج البنك المركزي لهبوط ناعم في التضخم خلال عامين، في ظل تدهور مستمر في قيمة الجنيه وارتفاع متواصل في أسعار السلع، ما يدفع أصحاب السيولة إلى اكتناز الذهب أو الدولار أو اللجوء إلى شهادات الادخار، بعد أن كانت توجه للاستثمار المباشر، وتشغّل المصانع التي تشهد حركات احتجاجية للمطالبة بزيادة الأجور، بهدف مواجهة غول الغلاء، الذي سيتصاعد مع توجه الحكومة إلى تحرير أسعار الخبز والطاقة والكهرباء خلال الفترة المقبلة.

جربت الحكومة رفع سعر الفائدة إلى معدلات غير مسبوقة بلغت 25% خلال الأسابيع الماضية، وهي الوسيلة التي تستخدم مع رفع الفائدة على الدولار واليورو لكبح نمو الاستهلاك، بينما يثير ذلك قلقا ًبين المواطنين، المدفوعين بزيادة الطلب الكلي على سلع باهظة الثمن مع قوة شرائية متراجعة مع كل زيادة في سعر الدولار.

تدفع زيادة الأسعار المواطنين إلى الإحجام عن الاستهلاك، رغم حاجتهم إلى السلع الأساسية، ما يوقع 68% منهم تحت نطاق غير القادرين على تدبير حاجاتهم اليومية من السلع الحيوية، وفقاً لمؤشر البارومتر العربي، ويزيدهم فقراً، مع وجود 30% من السكان عند معدلات الحد الأدنى للدخل، و30% أقل من الحدود التي يرصدها البنك الدولي للفرد يومياً.

لا تملك الحكومة كثيراً من الروافع التي تجعل الاقتصاد قادراً على النمو بمعدلات أكثر من التوقعات المتفائلة، التي حددها صندوق النقد الدولي للعام المقبل بنسبة 4.4%، التي خفضها أخيراً إلى 4%، بينما تستهدف الحكومة أن تصل إلى 5.5%، عبر المزيد من الديون الخارجية والمحلية، وبيع أصول عامة. تجاوزت الديون الكلية 5 تريليونات جنيه، بينما إيرادات الموازنة العامة السنوية تقدر بنحو 1.6 تريليون جنيه.

ابتُلي الاقتصاد برؤية أحادية الجانب، يكمن تلافي آثارها عبر المرور من عنق زجاجة ضيق على المدى المتوسط، إذا ما استجابت الحكومة لرؤية خبراء أكدوا لـ"العربي الجديد" ضرورة التزام النظام بوقف الاقتراض للإنفاق على مشروعات لا تدر عائداً أو غير ذات جدوى اقتصادية، ومحاربة التضخم عبر سياسات اقتصادية تمزج بين السياسات النقدية والإصلاح الهيكلي، بما يحد من الفساد والبيروقراطية، ومزيد من الحوكمة وصلاحيات القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد، وإبعاد الأجهزة الأمنية عن مزاحمة المستثمرين.

المساهمون