مصر: انفلات جديد للتضخم وسط نقص السلع وتهاوي الجنيه

11 يناير 2023
أسعار الخبز قفزت بأكثر من النصف (فرانس برس)
+ الخط -

واصل معدل التضخم في مصر ارتفاعاً قياسياً جديداً على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مسجلاً 21.9%، مقابل 6.5% للشهر نفسه من عام 2021، ما سبّب ضغوطاً حادة لمعظم المواطنين، إذ لم تقتصر تداعياتها على متوسطي ومحدودي الدخل، بل طاولت أيضاً طبقات الأثرياء من رجال الأعمال.

وسجل التضخم أعلى مستوى له منذ ديسمبر/ كانون الأول 2017، متجاوزاً توقعات أصدرتها مؤسسات مالية وبنوك عالمية، قبل يومين، بوصوله إلى 21.4% كحد أقصى.

وأظهرت الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أمس الثلاثاء، أن أسعار الحبوب والخبز قفزت بنسبة 58.3% على أساس سنوي الشهر الماضي، وصعدت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 35.5%، والأسماك والمأكولات البحرية 44.2%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 48.9%، والزيوت والدهون 21.8%، والفاكهة 15.7%، والخضروات 38.8%، والسكر والأغذية السكرية، 31.4%، والمنتجات الغذائية الأخرى بنسبة 40.9%، والشاي والبن 36%، والمياه المعدنية والعصائر 20.9%.

نقص المعروض من السلع

سجلت مجموعة الدخان ارتفاعاً بلغت نسبته 14.2%، والملابس والأحذية 15.6%، والأقمشة 23%، والسكن والمياه والكهرباء 6.7% والأثاث والمعدات المنزلية 24.6%، والأجهزة المنزلية 24.3%، والرعاية الصحية 13.6%، وخدمات الهواتف 12.5%، والتعليم 7.7%.

وأدى نقص المعروض من السلع، وتهاوي الجنيه المصري مقابل الدولار، إلى تسارع التضخم، ليلقي خبراء اقتصاد ورجال أعمال بالمسؤولية على الحكومة في عدم قدرتها على إدارة الملفات الاقتصادية، ولجوئها إلى تخفيض قيمة العملة، كحل وحيدة لمواجهة الأزمة المالية الطاحنة التي تواجهها، بينما تتجاهل خطورة التشدد النقدي على تراجع قيمة الدخول ومستويات الأسعار التي تتبدل وتتصاعد يومياً لأغلب السلع الرئيسية التي يحتاجها المستهلكون.

وتتأثر الأسعار بالتراجع المستمر في قيمة الجنيه، وزيادة الدولار، وشح مستلزمات الإنتاج، مع ارتفاع تكاليف الشحن والجمارك على السلع ومدخلات الإنتاج المستوردة، التي تمثل 65% من المنتجات الغذائية والصناعية.

وتشهد الأسواق موجة غلاء شديدة للمرة الثانية خلال أسبوعين، متأثرة بانخفاض متكرر في قيمة الجنيه، بدأت نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستمرت مطلع الأسبوع الجاري، عندما سمح البنك المركزي بهبوط جديد لسعر العملة الوطنية من 24.7 جنيهاً للدولار إلى نحو 27.6 جنيهاً للدولار، أمس.

32 جنيهاً للدولار في السوق الموازية

وخسر الجنيه نحو 74% من قيمته بعد تخفيض من 15.7 جنيهاً، مقابل الدولار، منذ مارس/ آذار 2022، إلى المستويات الحالية في السوق الرسمية، بينما تجاوز 32 جنيهاً للدولار في السوق الموازية (السوداء).

وبينما تعاني الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر منذ سنوات من ارتفاع حاد في أسعار كلّ السلع والخدمات، بفعل تعويم الجنيه ورفع أسعار السلع والطاقة والخدمات والرسوم المختلفة من جانب الحكومة، تمددت المعاناة لتطاول كذلك أصحاب رؤوس الأموال من رجال الأعمال.

وقال عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين، مصطفى إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إنّ "التضخم يعكس حالة الفشل الذريع الذي تدار به الأزمة الاقتصادية، عبر فريق وزاري غير متناغم يعمل في إطار جزر منعزلة، من دون الاستماع إلى ذوي الخبرة ورجال الأعمال الذين يعانون على أرض الواقع".

أضاف إبراهيم: "الحكومة تعالج التضخم والانكماش بالعلاج نفسه، بطرق تقليدية في سوق أصبح مريضاً بالسكري والملوحات معاً، ولذلك عندما تحارب التضخم تقتل الاستثمار، بينما الخروج من التضخم يتطلب جراحاً دقيقاً يحمي الاستثمار ويدفع بالإنتاج ليتراجع الاستيراد، وتزيد معدلات التصدير وتوفير السلع للمواطنين".

وأكد عضو جمعية رجال الأعمال "صعوبة استمرار ما بقي من المصانع في العمل والإنتاج، في ظل تزايد خطير بمعدلات التضخم، واتجاه البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة، بمعدلات غير مسبوقة، ودفع الأموال إلى الادخار في شهادات بنكية بفائدة 25%، وفي الوقت ذاته، تنفذ تعليمات صندوق النقد الدولي، بخفض قيمة العملة، التي ستزيد من ديون الحكومة إلى 5 تريليونات جنيه، بما يعني عدم وفاء مدخلات الموازنة بسداد التزامات الديون سنوياً، والاتجاه بالأسواق إلى مزيد من الركود والتضخم".

وتابع: "أصبحنا أمام طريق ضبابي، ما يتطلب منظوراً سياسياً شاملاً لأزمة صعبة، وشفافية معلومات حقيقية تطمئن الناس على مدخلات بيوتهم وتفهمهم إلى أين سيتجهون، خاصة أن الحكومة تتجه إلى رفع أسعار الوقود، خلال أيام وتدرس زيادة أسعار الكهرباء، بما يزيد معدلات التضخم سوءاً في الفترة المقبلة".

ويشكك خبراء اقتصاد في البيانات الحكومية حول معدل التضخم، مؤكدين أنّها تتجاوز بكثير الرقم المعلن، محذرين من سيناريوهات كارثية معيشياً في حال استمرار الوضع على ما هو عليه من زيادة في الأسعار وتهاوٍ في العملة المصرية.

 

المساهمون