شهدت الأسواق المصرية موجة غلاء جديدة، مدفوعة بارتفاع أسعار الوقود الخميس الماضي وزيادات مرتقبة في الأجور والمعاشات.
موجة من المتوقع أن تلتهم زيادة في الرواتب خصصتها الحكومة للموظفين في الجهاز الإداري للدولة بدءا من إبريل/نيسان المقبل، قبل أن تصل إلى جيوبهم، تاركة أصحاب المهن الحرة والعاملين في القطاع الخاص وأغلبية المواطنين، يعانون من شظف العيش قبل حلول شهر رمضان بأيام، فالزيادات الأخيرة في الأجور لا تنطبق عليهم.
بدأت موجة الغلاء الساخنة عقب رفع أسعار البنزين بنسبة 11%، مع زيادة أعلى في الغاز الطبيعي والمازوت بلغت نحو 18%، انتقلت آثارها على المواصلات وحركة نقل الركاب خلال الساعات الماضية، بعد لجوء سيارات الأجرة والنقل الجماعي إلى رفع أسعار الانتقالات، بقيمة 10%، متحدية تحذيرات حكومية، برفض تغيير تعرفة أجرة الركوب بين الأحياء والأقاليم، انتظارا لتعليمات، لم تأت بعد، من الوزارات المعنية.
وقررت شركة "أوبر"، زيادة التعرفة بنسبة 11%، لجميع خدماتها، وذلك للمرة الثانية خلال الشهر، متجاهلة الجهات الحكومية التي اعتادت التفاوض معها قبل رفع الأسعار.
وطالبت تظاهرة لعدد من مستخدمي الدراجات البخارية العاملة في توصيل الطلبات إلى المنازل والعملاء، أمام عدد من المطاعم الشهيرة في عواصم المحافظات أمس الأول، بزيادة فورية في التوصيل بلغت 15%، مع ارتفاع مماثل في تعريفة ركوب بـ 3 ملايين "توك توك" تعمل على نقل الأفراد داخل المدن والقرى بالمحافظات.
ودفعت الزيادة بأسعار طلبات "الديلفري" بعض المطاعم وموزعي الخضر والفاكهة والدواجن، ومحلات البقالة، إلى وقف خدمة توصيل الطلبات لحين إعادة الاتفاق مع السائقين على تعرفة التوصيل الجديدة.
وفي سوق اللحوم، تراجع أصحاب مزارع ومربو الدواجن عن التخفيضات التي قدمتها طواعية، خلال الأسبوعين الماضيين، للحد من الغلاء بالأسواق، ما دفع سعر كيلوغرام الدجاج إلى الهبوط من 95 جنيها إلى 70 جنيها، ليعاود الصعود مرة أخرى أمس إلى 90 جنيها، مع توقع المزيد من الارتفاع خلال الأيام المقبلة.
وبحسب تجار فقد زاد سعر كيلو اللحوم البلدية من 260 في المتوسط إلى 300 جنيه، ترتفع إلى 340 جنيه للقطع المخصوصة، في المحلات الكبرى والمناطق.
وكانت لافتة زيادة أسعار اللحوم الطازجة التي تباع بمعارض "أمان" التابعة لوزارة الداخلية، التي تأتي من السودان، أو المراعي التابعة للسجون وشركات الوزارة رخيصة العمالة، واحتلالها نواصي الشوارع الهامة بدون مقابل، من 160 إلى 200 جنيه.
وخلت معارض "أهلا رمضان" المدعومة من شركات الجيش وكبار أعضاء الغرف التجارية ووزارتي التموين والإدارة المحلية، من اللحوم، عدا المجمدة التي ارتفعت من 120 إلى 140 جنيها.
ورصد مراسل " العربي الجديد" في جولة بسوقي الجملة الكبيرين حول العاصمة، اختفاء البصل المجفف بأنواعه، مع تضاعف مفاجئ لأسعاره بأسواق التجزئة، حيث زاد من 9 إلى 17 جنيها للكيلو في سوق الجملة، بينما زاد من 13 إلى 20 جنيها لدى الموزعين، مع ندرة الكميات المعروضة. كما ارتفعت أسعار الخضروات بمتوسط يتراوح ما بين 5% إلى 10%، مع توقع زيادتها خلال الأيام المقبلة.
وبالنسبة للسلع الغذائية عاد الأرز المصري بأنواعه إلى الأسواق، بعد إلغاء الحظر الحكومي لتداوله، بين المحافظات مع استبعاد التسعير الجبري، ليشهد زيادة في القيمة من 23 جنيها في متوسط سعر الكيلو ليصل إلى 25 جنيها للسائب وما بين 27 إلى 30 جنيها للمعبأ.
وجاءت الزيادة في أسعار التمور والياميش الأعلى من نوعها، حيث بلغت نحو 80% في الكاجو.
ويتوعد التجار المستهلكين بزيادة قادمة في أسعار التمور وياميش رمضان، مع ندرة المعروض وتزايد الطلب على شراء مستلزمات رمضان.
ويبرر التجار مخاوفهم بقلة المخزون لدى كبار التجار الذين يفرضون أسعارهم على التجار الفرعيين والموزعين في المحافظات، مؤكدين أنهم يتلقون أسعار البيع لمنتجاتهم يوميا من كبار الموردين، وفقا لسعر الدولار في السوق السوداء.
ويتبادل كبار التجار عروض المبيعات وفقا لسعر دولار يوازي 34 جنيها حاليا، مع توقع بزيادته خلال الأيام المقبلة، مدفوعا بشح كبير في البنوك التي لا تستجيب لطلباتهم بتدبير العملة، لتوفير السلع الأساسية التي يطلبها المستهلكون، رغم إلغاء قيود الاستيراد التي وضعها البنك المركزي العام الماضي، وأدت إلى تكدس واردات في الموانئ ومنافذ الوصول بقيمة 16 مليار دولار.
في سوق اللحوم، تراجع أصحاب مزارع ومربو الدواجن عن التخفيضات التي قدمتها طواعية، خلال الأسبوعين الماضيين
ورغم إعلان مصادر حكومية الإفراج عن واردات مكدسة في الموانئ بقيمة 14 مليار دولار، ما زالت بضائع، قيمتها مليارا دولار، مكدسة في الموانئ انتظارا لتدبير العملة الأجنبية لإتمام الإفراج عنها، مع تراكم طلبات الموردين الجديدة، الذين تقدموا بطلبات تمويلها من البنوك خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين.
تبشر الحكومة العاملين في الدولة، بزيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور لذوي الدخل المنخفض بقيمة تصل إلى ألف جنيه شهريا، مع رفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبي من 24 ألفا إلى 30 ألف جنيه سنويا، ليصل الحد الأدنى للدخل إلى 3500 جنيه شهريا، تعادل نحو 90 دولارا بسعر السوق الموازية.
وتسعى الحكومة إلى أن يتجاوز الموظفون القدامى في القطاع العام الحد الأدنى للأجور، وهو وفقا لتقديرات البنك الدولي 2.25 دولار يوميا للفرد، بينما الأغلبية الكاسحة من المصريين العاملين في القطاع الخاص برواتب ضئيلة، لن يتمتعوا بالزيادة في الحد الأدنى للأجور التي ارتفعت بنحو 192%، للعاملين بالدولة خلال 9 سنوات.
وقال نائب رئيس اتحاد العمال، مجدي البدوي، في تصريح صحافي أول من أمس إن الحكومة ستبدأ مفاوضة شركات القطاع الخاص على زيادة الأجور والرواتب للعاملين ليتمكنوا من مواجهة أعباء الزيادة في الأسعار خلال الفترة المقبلة.
وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل رفض أصحاب الأعمال، على مدار العام الماضي زيادة الأجور مع تعرضهم لخسائر فادحة نتجت عن تراجع الجنيه بنحو 50% من قيمته مقابل الدولار، ودخول القطاع الصناعي والشركات غير النفطية في ركود حاد مستمر على مدار 27 شهرا متصلة، وتأثرهم بمعدلات تضخم بلغت 26.5% لأسعار المستهلكين أدت إلى رفع مستلزمات الإنتاج، وزيادة معدلا الفائدة بالبنوك إلى 22.5%.
ويستغرب مستهلكون في مصر من استمرار قفزات أسعار السلع والخدمات خاصة مع تراجع الأسعار في الأسواق العالمية، فبعد ارتفاع قياسي في مارس/ آذار 2022.
تؤكد منظمة الأغذية والزراعة " الفاو" في تقريرها لشهر مارس/آذار الجاري، استمرار حالة التراجع في أسعار المواد الغذائية للشهر الحادي عشر على التوالي وعلى رأسها الزيوت النباتية والزبدة والألبان مع ثبات أسعار اللحوم والدواجن وارتفاع طفيف في سعر السكر، وعدم تأثرها بالحرب الروسية الأوكرانية التي يتخذها وزراء مصر حجة لتبرير موجات الغلاء المتصاعدة، منذ أزمة خروج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، ووقف الاستيراد، مع شح الدولار بالبنوك من مارس 2022 إلى يناير/كانون الثاني 2023.