مصر: الغلاء "العدو الأول" للمواطنين والمستثمرين

14 نوفمبر 2022
التصخم بلغ 19% على أساس سنوي لشهر أكتوبر (فرانس برس)
+ الخط -

سيطرت أجواء الغلاء على الأسواق المصرية، في فترة حرجة دعت خبراء اقتصاد إلى المطالبة بضرورة جعل التضخم "العدو الأول" الذي يجب التخلص منه، حماية للمستهلكين والمستثمرين على السواء، حتى لا يزداد الاقتصاد تدهوراً.

سجل البنك المركزي رقماً قياسياً في أسعار المستهلكين (التضخم) الذي يستبعد السلع المسعرة إدارياً وشديدة التقلب، ؤ/ تشرين الأول الماضي، مقابل 18% عن سبتمبر/ أيلول 2022.

ويخشى مصنعون من تصاعد التضخم بما يدفع الأسواق إلى مزيد من الركود التي تعيشه حالياً، حيث تدفع الحالة الاقتصادية المتراجعة المواطنين إلى التوقف عن الشراء، للسلع غير الحيوية للاستهلاك اليومي، وتخفيض شراء مستلزماتهم من الأطعمة والمشروبات، وتوقفهم عن استهلاك منتجات أخرى، في ظل تراجع القوة الشرائية للجنيه، وارتفاع الأسعار.

يؤكد عضو اتحاد الغرف التجارية، عمرو عصفور، لـ"العربي الجديد"، تأثير الحالة الاقتصادية للناس سلباً بقوتهم الشرائية، التي انتقلت آثارها السلبية إلى المصانع، فأصبحت تنتج أقل للسوق المحلي، وغير قادرة على تلبية احتياجات السوق الخارجية.

من جانبه، يقول خبير التمويل والاستثمار، مصطفى بدرة، إن حالة التضخم أمر ليس مستغرباً في الأوقات الحالية، حيث تسود أجواء مشحونة بالتوترات السياسية، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

يؤكد بدرة في حديثه لـ"العربي الجديد" أن معدلات التضخم مرشحة للزيادة في المرحلة المقبلة، لأن الأسباب التي دفعته إلى التصاعد منذ بداية العام الحالي، ما زالت مستمرة، مشيراً إلى تأثر السلع والخدمات كافة بالزيادة في تكاليف الشحن والنقل والتشغيل، بداية من الصين والولايات المتحدة وأوروبا، وانتقلت آثارها بعمق إلى اقتصادات الدول الناشئة والفقيرة.

تتوقع "فيتش" أن يبلغ التضخم 18%، بنهاية العام، ويأمل آخرون أن تستطيع الحكومة وقف التزايد في المعدل، نهاية عام 2023

يثني بدرة على قدرة مصر على مواجهة موجات التضخم الدولية، مشيراً إلى أنّ معدلاتها ما زالت أقل من الدول الشبيهة بها، التي تدخل في دائرة الأسواق الناشئة.

ويعرب عن أمله في أن تتمكن الحكومة من السيطرة على التضخم، مع بداية العام المقبل، بالعمل على خفضه تدريجاً، مثلما حدث بعد مراجعة تغيير سعر الصرف عام 2016، الذي تبعه ارتفاع شديد في معدلات التضخم، بلغت 35%، عام 2017، أعقبتها حركات تصحيحية، أدت إلى استرداد الزيادة في تلك المعدلات، على فترات لاحقة للتعويم.

يعتمد خبير التمويل والاستثمار في توقعه لانخفاض معدلات التضخم، على رؤيته بتجميد حالة الحرب الروسية مع أوكرانيا، وتراجع التوترات الجيوسياسية بين الدول الكبرى، التي بدأت تتحرك لإنقاذ الأسواق.

موقف
التحديثات الحية

يعارض خبراء اقتصاد نظرة بدرة المتفائلة، بسبب حالة التراجع المستمرة للجنيه، مقابل العملات الصعبة، وخاصة الدولار، الذي أدى ارتفاعه مقابل العملات الدولية مع زيادة الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى صعوبة حصول الحكومة على قروض لسد العجز المتصاعد بين الصادرات والواردات، ودفع الفوائد والقروض الحكومية.

تتوقع مؤسسة "فيتش" أن يبلغ التضخم 18%، بنهاية العام الحالي، ويأمل آخرون أن تستطيع الحكومة وقف التزايد في معدلات التضخم، نهاية عام 2023، مع استقرار سعر الصرف، وعودة المصانع للعمل بكامل طاقتها.

وتؤكد دراسات فنية بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن حفاظ البنك المركزي على الفائدة المتدنية عن القيمة الحقيقية للفائدة، يهدر حقوق المودعين بالبنوك، الذين أصبحوا فعلياً يدعمون الفائدة التي يحددها المركزي، بينما تستفيد الحكومة من فوارق الفائدة باعتبارها المقترض الأكبر للأموال من البنوك المحلية.

يقول خبير التمويل والاستثمار، مصطفى بدرة، إن حالة التضخم أمر ليس مستغرباً في الأوقات الحالية، حيث تسود أجواء مشحونة بالتوترات السياسية

ويطالب الخبراء أن تلتزم الحكومة أن يكون حساب المعدل الحقيقي لأسعار الفائدة، من طريق حسم معدل التضخم من معدل الفائدة الإسمي، خاصة أن معدلات التضخم تعاني من ضغوط أسعار الصرف وانخفاض قيمة الجنيه، وأنّ استمرار تلك الضغوط قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على الجنيه، ويضع سعر الصرف ذا التضخم المرتفع تحت الضغط، بما يجعل الاستثمار في الدولة غير جذاب.

يشير مراقبون إلى أنّ استمرار معاناة الأسواق والمستهلكين من ارتفاع الأسعار، يدفع الناس إلى عدم الثقة بمعدل التضخم الرسمي المعلن، وبمرور الوقت يصبح التأثير التراكمي للتضخم المستمر كبيراً جداً، ما يُسرع من معدلات تضاعف الأسعار، بما يتجاوز تصورات المستهلكين، ويخيف المستثمرين ويزيد الأعباء الحكومية، التي تندفع تلقائياً إلى مزيد من القروض، لمواجهة أزمة تظل متصاعدة بلا حدود.

المساهمون