عكست أحوال الأسواق تناقضات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، المتصاعدة يومياً، وتأثرها بشدة بتراجع الجنيه، والتحولات السياسية عالمياً والحرب في السودان.
وتمسك البنك المركزي المصري بالحفاظ على سعر الجنيه مستقراً في البنوك أمام العملات الصعبة وسط توقعات بتراجعه بمعدلات عالية، في وقت تتزايد فيه قيمة الدولار في السوق السوداء، ويواصل الذهب ارتفاعه بمعدلات غير مسبوقة تاريخيا.
تعاني البنوك من ندرة الدولار، ويظهر ذلك في عدم قدرتها على توفيره للموردين الذين يعانون من تراكم مستلزمات الإنتاج في الموانئ للشهر الثالث على التوالي، تدفع أسعار السلع الأساسية للارتفاع يوميا، بينما الدولار موجود في السوق الموازية، ويعرض ما بين 37 و36 جنيها.
وهبطت أسعار العملات الرئيسية وعلى رأسها الدولار والريال السعودي والدينار الكويتي والفرنك السويسري، في البنوك اليوم، بسعري الشراء والبيع، في حدود تتراوح ما بين 4 إلى 50 قرشا (الجنيه= 100 قرش)، مع ارتفاع طفيف، بمعدل قرش واحد للريال القطري والدينار البحريني و3 قروش للدينار الأردني، و9 قروش للدولار الكندي. بلغ سعر الدولار 30.75 للشراء و30.95 للبيع في البنوك الرسمية والخاصة.
حافظ الذهب على السعر القياسي الذي بلغه خلال إجازة البنوك والعمل بمعظم محلات الصاغة اليومين الماضيين، واستقر عند 2335 جنيها، للغرام عيار 21 الأكثر مبيعا، بينما بلغ سعر الأونصة في السوق الدولية بمعدل 3 2004.45 دولارات، وسعر الغرام عيار 24 نحو 2668 جنيها، و2001 لعيار 18 و1556جنيها لعيار 14، والجنيه الذهب 18 ألفا و400 جنيه.
خيارات أصحاب المدخرات
يبحث أصحاب المدخرات والمستثمرون عن فرص استثمارية قادرة على توظيف أموالهم بجدارة، في ظل حالة من الركود بالشركات والقطاعات الصناعية والعقارية، وارتفاع تكاليف التشغيل ومستلزمات الإنتاج، بينما اتجه أصحاب المدخرات البسيطة إلى المضاربة في الدولار، والريال السعودي والعملات الصعبة، واقتناء الذهب مقابل التخلص من الجنيه الضعيف المتراجع.
وبدأت البنوك تلقي طلبات العملاء الراغبين في شراء شهادات الادخار ذات العائد المتراكم، لمدة 3 سنوات، بنسبة تصل إلى 36%، مع تراجع الاقبال على شهادات الادخار التي بدأها بنكا الأهلي ومصر بعائد متغير ومتناقص يبدأ بنسبة 22% ويتراجع إلى 18% و16%، على مدار 3 سنوات.
يبحث أصحاب المدخرات، عن أوعية ادخارية ذات عائد أعلى في ظل ارتفاع هائل في قيمة التضخم الحقيقي الذي بلغ 39.5% مارس الماضي، متراجعا من 40.3% في فبراير 2023، يهدد بتآكل أصول الودائع سنويا.
تسعى البنوك المحلية إلى جذب المزيد من السيولة المتجه إلى الخروج من داخلها، مع انتهاء فترة العمل بشهادات الاستثمار بفائدة 18%، حل موعدها نهاية الشهر الماضي، تصل قيمتها نحو 780 مليار جنيه.
يمارس البنك المركزي تناقضات في سياساته النقدية، وفقا لرأي خبراء، مع تعدد سعر الفائدة، وسماحة بمنح فائدة أعلى لكبار المستثمرين المتعاملين على أذون الخزانة، تصل إلى 23%، بينما لا تيح تلك النسبة في البنوك على شهادات الادخار التي تهم الأغلبية من صغار المودعين.
عكس تراجع عمليات الشراء لسندات دين حكومية بقيمة 3 مليارات جنيه، لم يقبل عليها المشترون إلا في حدود 50 مليون جنيه، 4 إبريل الجاري، صعوبة حصول الحكومة على تمويلات محلية ودولية.
حذرت وكالة التصنيف الائتماني " ستاندرد آند بورز" الحكومة من مخاطر تراجع قيمة الجنيه، في ظل استمرار تعرض مصر لضغوط خارجية، تدفع إلى نمو معدلات التضخم، التي ستؤثر سلبا على مسار النمو الاقتصادي، وترفع كلفة التمويل وتضعف المركز الائتماني لدى الجهات المقرضة، وتفاقم التفاوت الطبقي بين المواطنين.
وتهدد المزيد من الانخفاضات في العملة بتفاقم التضخم الذي ارتفع في أسعار المستهلكين على 32.7% مارس الماضي.
تظهر تعاملات الأوراق المالية في بورصة لندن تراجعا في شهادات الإيداع للبنك التجاري الدولي سي آي بي بخصم قياسي بلغت 36%، على أسهمه، بالمقارنة بسعر تداوله بالبورصة المصرية. توقع محللون انخفاضا كبيرا في قيمة الجنيه، مع تراجع شهادات سي آي بي، حيث يعد ركيزة قوية في مؤشر الأداء بالبورصة المحلية.
تبدأ البنوك والمؤسسات الحكومية والعامة، فترة إجازة رسمية طويلة تبدأ بعد غد الخميس 20 إبريل/نيسان، وتنتهي الثلاثاء 25 إبريل الجاري، بمناسبة عيد الفطر.
كما تعطلت البنوك والمؤسسات الرسمية عن العمل، لمدة يومين، مطلع الأسبوع، بمناسبة عيد القيامة وشم النسيم.
ضغوط صندوق النقد
وأعلن صندوق النقد الدولي عقب انتهاء مفاوضات متعثرة لمراجعات الربيع، حضرها حسن عبد الله محافظ البنك المركزي ومحمد معيط وزير المالية، مع كريستالينا جورجييفا مديرة صندوق النقد عدم اتفاقه مع مصر على موعد المراجعة الأولى للقرض، حيث أبدى الجانب المصري عدم رغبته في رفع معدلات الفائدة بالبنوك، خوفا من زيادة التضخم الذي بلغ مستويات قياسية عند نحو 40%، خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، بينما يتبنى الصندوق خفض التضخم باستخدام أدوات السياسة النقدية، برفع سعر الفائدة.
يتهم الصندوق الحكومة بالتأخير في تنفيذ برنامج طروحات الشركات العامة، للبيع للمستثمرين الأجانب والمحليين، وترى الحكومة أن الأجواء لم تكن مهيأة لتنفيذ تلك الطروحات، مع رغبة الشركاء الخليجيين، في الحصول على تخفيضات جديدة في قيمة الجنيه، والتعامل وفقا لحسابات العقود الآجلة للجنيه، الذي تراجع عند مستوى 42 جنيه مقابل الدولار، لعقود تمتد 12 شهراً.
وقال حسن عبد الله في تصريحات صحافية، عن ارتفاع أسعار الفائدة لا يمكن أن يفعل شيئا يذكر لاحتواء التضخم، الذي وصفه بأنه مدفوع بشكل رئيسي من الخارج، مع زيادة تكلفة الواردات، ومشاكل سلاسل التوريد التي نشبت بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
ألقى جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط لدى صندوق النقد الدولي بمسؤولية انتهاء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الهيكلي الموقع أخيرا بين مصر والصندوق، للبدء في تقديم الدفعة الثانية من قرض بقيمة 3 مليارات دولار، على الحكومة، قائلا في مؤتمر صحافي إلى أنه عندما" يكونون جاهزين سيتم الإعلان عنها".
وافق المجلس التنفيذي للصندوق على اتاحة 347 مليون دولار، من القرض، تصرف كل 3 أشهر حتى نهاية عام 2026، عقب عمليات المراجعة الدورية ربع السنوية، لبرنامج الإصلاحي الهيكلي، وربط الصندوق اتمام مراجعة أبريل الجاري، بقرض مؤسسي من الصندوق قيمته 1.3 مليار دولار، تنتظر مصر وصوله، لدعم أرصدة العملة الصعبة بالبنك المركزي.
يبدي صندوق النقد تشككه في افساح الحكومة للقطاع الخاص ليتولى قيادة النشاط الاقتصادي في دولة تعتمد على الجيش والجهات الأمنية في توجيه الاستثمارات وانفاقها، مع استمرارها في بناء مشروعات بنية أساسية غير ضرورية أو ذات عائد، تمتص أموال طائلة من العملة الصعبة، وتحمل الدولة المثقلة بالديون بمزيد من الأعباء، غير القادرة على الوفاء بالتزاماتها، دون الاستعانة بقروض جديدة، لدفع تكلفة فوائدها وأقساطها الدورية.
سجل مؤشر مديري المشترين في الشركات في مارس الماضي تراجعا في أداء الشركات للشهر 28 على التوالي، مستقرا في مرحلة الركود عند نقطة 46.7، بما يبين تراجع دور القطاع الخاص في توليد الإنتاج وفرص العمل، وزيادة الناتج الإجمالي.
تحذيرات من الاستجابة لمطالب الصندوق
حذر البرلماني محمود سامي عضو مجلس الشيوخ، الحكومة من توجهها المستمر لعلاج الأزمة الاقتصادية عبر تخفيض سعر الصرف المستمر قائلا في تصريح متلفز بأنه" أدخلنا تعويم الجنيه، في دائرة مغلقة أوصلت سعره إلى 42 جنيها في العقود الآجلة، وسنظل كذلك بلا نهاية في النفق".
ودعا سامي إلى عدم التعجل في فرض شروط صندوق النقد الدولي الخاصة بتطبيق سعر الصرف المرن وبيع الأصول العامة، حتى لا تنجرف الدولة في ظل أزمة مالية، إلى الوقوع في دائرة الإفلاس التي وصلت إليها دول أخرى.
حث سامي الحكومة على مطالبة صندوق النقد الدولي بمد فترة تنفيذ اتفاق الإصلاح المالي والهيكلي، وسداد الديون المستحقة على مصر لمدة 3 سنوات، من أجل تخفيض الضغط على طلب الدولار منوها إلى استمرار التأثير السلبي للتحولات الاقتصادية العالمية، وإفلاس عدد من البنوك الكبرى.
ويتوقع خبراء الصندوق أن تحافظ الحكومة على وجود شركاتها للقيام بدور منافس للقطاع الخاص في قطاعات البيع بالتجزئة للأغذية والمشروبات والوقود، والمقاولات وتنفيذ البنية الأساسية، واستبعاد الشركات الصغيرة، من المنافسة، بما يدفع إلى هروب الشركات متعددة الجنسيات من العمل في السوق المحلية.
يريد صندوق النقد والبنك الدوليان، أن" تتحرك الحكومة في الاتجاه الصحيح، وبسرعة كافية نحو الإصلاحات الهيكلية".
تعاني الحكومة من إحجام مستثمري الدول الخليجية عن الاستثمار في مصر، في انتظار انخفاض جديد في قيمة الجنيه، رغم تعهد تلك الدول بتنفيذ اتفاقات استثمار مباشر في حدود 2.5 مليار دولار، قبيل انتهاء إبريل الجاري، تصل إلى 12 مليار دولار نهاية العام المالي الجديد، يونيو 2024.