اختفاء الأرز والسكر والزيت من الأسواق المصرية قبل إعلان الحكومة قائمة أسعار "إرشادية"
اختفى الأرز والسكر والزيت من أرفف المحلات في الأسواق المصرية، قبل ساعات من إعلان الحكومة عن "أسعار إرشادية" لـ15 "سلعة استراتيجية" تسعى إلى توفيرها للمواطنين بأسعار رمزية، بهدف مواجهة الغلاء الفاحش الذي يتصاعد مع تدهور الجنيه منذ مارس/ آذار الماضي.
وتشهد أسواق التجزئة أياماً مضطربة، في اقتصاد مليء بالمطبات، يحذوه الأمل أن يستقر، بعد إلغاء الحكومة، أمس الجمعة، قيود الاستيراد التي وضعها البنك المركزي منذ فبراير/ شباط الماضي.
ودفعت إجراءات حكومية إلى زيادة معدلات الاضطراب، عندما توقفت عن صرف مخصصات زيت القطن وعباد الشمس والمختلط لحائزي البطاقة التموينية منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول. أقبل المواطنون على تدبير احتياجاتهم اليومية من القطاع الخاص، في وقت ارتفعت أسعار التوريد العالمية بمعدل 4%، لتصل إلى 541 دولارا منتصف ديسمبر، مع زيادة سعر الدولار وندرته في البنوك المحلية.
لجأ التجار إلى رفع أسعار كيلو زيت عباد الشمس سعة ليتر إلى 45 جنيهاً (نحو 1.8 دولار)، و800 غرام إلى 44 جنيهاً والخليط من القطن وعباد الشمس والأولين بسعر 29 جنيهاً.
من ناحيتها، قررت الحكومة رفع أسعار العبوة المدعمة وزن 600 غرام من 24 إلى 30 جنيهاً، اعتباراً من أول يناير/ كانون الثاني 2023، فأعطت مؤشراً للشركات الخاصة أنّ السعر الإرشادي سيكون في الحدود التي قررتها الحكومة.
أوقف التجار تعاملهم مع زيت الطعام، بعد أن تعطلت مشروعات التعبئة والتغليف التي كانت تعمل تحت عباءة المشروعات الصغيرة، بقروض ذات فائدة مدعومة لا تزيد عن 8%، فارتفعت أسعار عبوات التجزئة، وشح وجودها بالأسواق.
وفضل الموزعون بيع زيت الذرة وزيوت أخرى أكثر ربحية لن تخضع للأسعار الإرشادية، حيث لجأت بعض المحال الكبرى إلى التصرف في الكميات التي بحوزتها، بوضع حد أقصى للشراء، في حدود 3 عبوات صغيرة سعة ليتر بسعر 45.95 جنيهاً، وسعة 700 ملليتر بـ34.75 جنيهاً، أو عبوة كبيرة سعة ليترين بمبلغ 102.75 جنيه.
وأكد مدير فرع أحدى سلاسل التوزيع أنّ سعر الزيت الإرشادي لن يحقق أي مكاسب للموزعين، مع ذلك سيلتزمون بالسعر المعلن من الحكومة، التي قررت وضع زيت الطعام والسكر والأرز ضمن قائمة السلع الاستراتيجية التي ستحدد سعرها للجمهور بعد ساعات.
ويخشى الموزعون تطبيق المادة 8 من قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، التي تحيل أي موزع أو تاجر لتلك السلع إلى السجن وتطبيق غرامات تصل إلى 5 ملايين جنيه، ومصادرة السلع المعروضة والمخازن.
أصابت القبضة الأمنية الموزعين بحالة من الهلع، حيث أجبرت التجار على عدم وضع ما لديهم من مخزون في عبوات جاهزة للعرض، ودفعت الموزعين إلى التخلص مما لديهم من دون أي ربح، بينما الطلب يتزايد مع امتناع الحكومة عن صرف الحصة التموينية.
وأدت حالة الفزع إلى توقف الموزعين عن عرض الأرز والسكر، حيث سيرتفع الأرز وفقاً للسعر التمويني عند 14 جنيهاً للأرز المعبأ، وسيتوقف ما بين 15 و18 جنيهاً بالقطاع الخاص.
وتحصل الحكومة على الأرز الشعير من التجار بسعر 11.1 ألف جنيه للطن للحبة العريضة، و10.7 آلاف جنيه للحبة الرفيعة، ويباع كيلو الأرز للموزعين بما بين 15 إلى 18 جنيهاً، ليصل إلى المستهلك بما بين 21 إلى 23 جنيهاً.
ودفع تراجع العائد المتوقع، مع التهديد بحبس المخالفين، إلى اختفاء الأرز من أرفف المحلات، بينما يباع في الأسواق الشعبية بعيداً عن الرقابة المشددة التي تضعها الحكومة على المحال.
وتخاطر المحال الكبرى بخسائر في بعض السلع التي تطلبها الحكومة، كدعم سياسي للنظام، أو رغبة في الهروب من صدام مع القبضة الأمنية وأجهزة الإعلام، التي تلقي بحالة الغلاء الفاحش على كاهل التجار من دون مساءلة النظام عن أسبابها.
ويتذوق المصريون مرارة الأسعار، بينما يعد السكر عنصراً أساسياً في حياتهم اليومية، حيث أكد وزير التموين علي مصيلحي، في تصريحات صحافية، وجود احتياطي من السكر يكفي البلاد حتى منتصف فبراير/ شباط المقبل، رغم تعطل مصنع إنتاج كبير لسكر البنجر عن العمل.
وأشار مصيلحي إلى أنّ المصانع المحلية لسكر القصب ستعمل بكامل طاقتها، مطلع يناير/ كانون الثاني، لإنتاج السكر، الذي بدأ مع ذروة موسم حصاد السكر بمحافظات الصعيد.
ويعلم التجار أنّ السكر الذي ارتفعت أسعاره عالمياً بمعدلات طفيفة خلال الأسبوع الماضي، ليصل سعر الطن إلى 16 ألفاً و800 جنيه، سيبقى سعره عند 20 جنيهاً للكيلو.
وقررت الحكومة رفع سعر السكر المدعم من 10.5 جنيهات إلى 14 جنيهاً للكيلو، بينما تطلب أن يباع لدى التجار بسعر من 16 إلى 18 جنيهاً، بما يحقق للموزعين خسائر مؤكدة.
ويأمل رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية أشرف حسني أن يؤدي إلغاء الحكومة قرار الاعتمادات المستندية أمام الموردين إلى دفع أسعار السلع إلى الاستقرار في المرحلة القادمة، مع ضرورة التزام البنوك بتوفير النقد الأجنبي بصورة عاجلة لشراء السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها السكر والزيوت والأرز والقمح والأعلاف.
وقال حسني، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم السبت، إنّ "الحكومة لا بد أن تعمل على تشجيع التصنيع المحلي، وتشجيع الصادرات، وتوفير بدائل للسلع الحيوية، التي تتطلب عملة صعبة لا يمكن توفيرها بسهولة إلا على المدى الطويل".
وأشار عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية في الإسكندرية حازم المنوفي، في حديث لــ"العربي الجديد" اليوم السبت، إلى أنّ "الحكومة تعهدت بتوفير العملة الصعبة لشراء مستلزمات الموردين والتجار من السلع الاستراتيجية والأدوية لتعزيز المخزون المحلي اللازم للأسواق، وخاصة مع اقتراب موسم رمضان الأكثر استهلاكاً".
ولمح المنوفي إلى أنّ أسعار السلع لن تنخفض في الأسواق، مؤكداً أنّ الطلب سيواصل ضغطه على الموردين، الذين سيبحثون عن تدبير الدولار مرتفع القيمة والبضائع التي تزداد أسعارها وتكلفتها محلياً وعالمياً.
وقال المنوفي: "ستهبط الأسعار عندما يكون العرض موجوداً أمام طلب الناس على الأرز والزيت والسكر وغيرها، وأن تساهم الحكومة في توفير السلع الاستراتيجية بسعر مقبول للجمهور، من دون أن تقسو على الموزعين، الذين يرغبون في مساعدة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه ذوي الدخل المحدود".
(الدولار = 24.75 جنيهاً تقريباً)