بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد ترتيبات مشروع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال بإحالته على مجلس الوزراء وإعلان تفاصيل "حلم" نقل الثروة من رجال الأعمال الموصومين بالفساد إلى الفئات الأكثر فقراً.
وليل أمس الأول الاثنين، قال الرئيس التونسي إن مشروع مرسوم الصلح الجزائي سيصدر قريبا في المجلة الرسمية ليضع اللبنة الأولى في بناء مسار مصالحة بين رجال الأعمال المطالبين قضائيا في قضايا الفساد مع الدولة.
ومشروع الصلح الجزائي الذي بدأ سعيد الترويج له منذ عام 2021 يهدف إلى تحصيل نحو 13 مليار دينار أي نحو 4.6 مليارات دولار من أموال مشكوك في اكتسابها من قبل رجال الأعمال بطرق غير مشروعة، قبل اندلاع الثورة عام 2011 على أن تضخ هذه الأموال في مشاريع استثمار عمومي سيكلف رجال الأعمال المعنيون بالمصالحة بإنجازها لفائدة الدولة.
واستند سعيّد في تحديد مبلغ الأموال التي قال إن رجال أعمال نهبوها وانتفعوا بها إلى تقرير أصدرته لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد عقب الثورة.
ويعتبر سعيد أن المصالحة المالية تشكل جزءا من الحل لتستفيد الدولة من الأموال المنهوبة في معالجة أزمة المالية العمومية التي تعيشها عبر قيام المتورطين قضائيا بإنجاز مشاريع تنموية واستثمارات في الجهات الأقل حظا في التنمية.
لكن وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي، سليم بسباس، يعتبر أن المبلغ الذي يتطلع سعيد إلى تحصيله من الصلح الجزائي مبالغ فيه، مشيرا إلى أن حجم السيولة المالية والأصول لدى رجال الأعمال المعنيين بالمصالحة لا يمكن أن تقدر بـ13 مليار دينار.
ورجّح بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" ألا يتجاوز المبلغ المحصل من الصلح الجزائي 200 مليون دينار في أحسن الحالات وعلى مدة سنوات، مؤكدا أن الظرف السياسي والاقتصادي المحلي والعالمي لا يخدم هذا المشروع بسبب صعوبات كبرى تواجهها المؤسسات الاقتصادية ومناخ الأعمال الذي يكابد لتجاوز مخلفات الأزمة الصحية.
وأفاد في ذات السياق بأن المبالغ المحصلة من مشروع الصلح الجزائي ستوجه للاستثمار العمومي والخاص لتحسين بنى تحتية وبعث مشاريع مشغلة في المحافظات والجهات الفقيرة لكن تنفيذ المشروع على مستوى الواقع أمر صعب بحسب قوله.
ويستبعد وزير المالية السابق أن يواجه شروع الصلح الجزائي صدا كبيرا من مجتمع الأعمال، مشيرا إلى أن رجال الأعمال الموصومين بالفساد ومن لديهم قضايا منشورة لدى دوائر القضاء المالي قد يفضلون مواصلة مسار التقاضي على إبرام صلح مع الدولة وضخ الأموال لفائدة الموازنة.
وتعاني موازنة تونس من عجز قياسي في الموارد وشح في التمويلات الأجنبية حيث كشف قانون الموازنة التعديلي الذي نشرته الحكومة مؤخرا بالجريدة الرسمية، عن مراجعة شاملة لكافة المؤشرات الاقتصادية للعام الحالي، حيث توسع العجز في موازنة العام الحالي ليبلغ 9.7 مليارات دينار مقابل عجز متوقع بـ7 مليارات دينار في المشروع الرئيسي الذي أقره البرلمان المجمدة أعماله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
ومنذ 25 يوليو/ تموز الماضي تاريخ إعلان سعيد لتسيير الدولة بمقتضى تدابير استثنائية جرى بمقتضاها تجميد أعمال البرلمان، حوّل الرئيس التونسي دفّته إلى عالم المال والأعمال بدعوة مئات المتعاملين الاقتصاديين إلى عقد صلح جبائي مع الدولة يسمح باستعادة أموال استفادوا منها دون وجه حق خلال العقود الماضية. وعلى امتداد الأشهر الخمسة الأخيرة قطع الرئيس كل الخيوط السياسية مع أكبر منظمتين في البلاد وهما الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف التي دخلت في قطيعة صامتة مع السلطة مكتفية ببعض البيانات للمطالبة بتحسين مناخ الاستثمار ومساعدة مجتمع الأعمال على القيام بدوره الاقتصادي.
ويفسّر الخبير المالي محمد منصف الشريف القطيعة الصامتة بين السلطة الحالية ومجتمع الأعمال بحالة الترقب التي دخل فيها المستثمرون المحليون والأجانب منذ يوليو/تموز الماضي نتيجة ضبابية المشهد عموما.
وقال الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" إن مشروع الصلح الجزائي قد يؤجل كل مشاريع القطاع الخاص إلى حين انتهاء مسار الصلح سيما وأن الملفات التي يستند إليها المشروع محالة على أنظار القضاء منذ سنوات ولم يعرف مآلها بعد. واعتبر المتحدث أن إعادة تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لسنة 2011 إلى ساحة الصراع السياسي والاقتصادي لا يطمئن المستثمرين في وضع اقتصادي يتسم بالهشاشة بطبعه.
وكانت لجنة تقصي الحقائق نشرت تقريرا من 350 صفحة وأثار قضايا فساد منظومة زين العابدين بن علي الحاكمة قبل 2011 وكافة عناصرها الإدارية والمالية وتعرض لتورط مسؤولين في كافة القطاعات. ومن بين ما تناوله التقرير "أساليب الإثراء غير المشروع وسوء استعمال السلطة للمؤسسات المالية، وقد مثّل التخلي عن الديون وإسناد القروض بدون الضمانات الكافية أهم التجاوزات على حساب المال العام" كما ورد فيه.