استمع إلى الملخص
- يهدف القانون الجديد إلى تجنب إفلاس البلاد وتوفير مليارات الدنانير سنوياً، وتقليل الاعتماد على المانحين الأجانب، مع منع البنك من توقيع اتفاقيات مع جهات أجنبية دون موافقة الرئيس.
- منذ 2016، تمتع البنك بسلطة مطلقة في السياسة النقدية، مما أثار انتقادات ودعوات للإصلاح لتعزيز دوره في تمويل موازنة الدولة.
يتجه برلمان تونس نحو إجراء تعديلات واسعة ضمن القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي تتعلّق بالحد من استقلاليته في القرارات الخاصة بتعديل سعر الفائدة وسياسة الصرف والتمويل المباشر لخزينة الدولة. وأظهر مشروع قانون ناقشه مكتب مجلس نواب الشعب أمس الخميس مقترحاً يجرّد البنك المركزي من السلطة الحصرية التي حصل عليها بمقتضى القانون الأساسي للبنك المصادق عليه من قبل البرلمان منذ عام 2016.
ووفق وثيقة مقترح القانون التي تقدمت بها كتلة نيابية سيقوم البنك المركزي بشراء أذون السندات الحكومية التي تملكها البنوك وتمويل احتياجات السيولة على الأمد المتوسط أو البعيد. وبموجب مشروع القانون، يتعيّن على البنك المركزي شراء سندات حكومية من البنوك وإقراض الخزانة بشكل مباشر بقيمة تصل إلى ثلاثة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بآجال سداد تتجاوز خمس سنوات. كذلك نص مشروع القانون على توافق البنك المركزي مع الحكومة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بتعديل أسعار الفائدة والقيام بكل العمليات المتعلقة بالذهب والصرف.
وذكرت وثيقة شرح الأسباب المصاحبة لمشروع القانون أن التعديلات الجديدة على القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي ستعالج بشكل نهائي خطر إفلاس البلاد وستوفر للخزينة العامة آلاف الملايين من الدنانير سنوياً، كما ستحدّ من التبعية تجاه المانحين الأجانب.
كذلك ذكر مشروع القانون أنه لن يُسمح للبنك المركزي بتوقيع اتفاقيات مع جهات رقابية أجنبية إلا بموافقة رئيس البلاد. وبرّر النواب أصحاب هذه المبادرة هذا التعديل المقترح بقولهم إن التشريع الحالي للبنك المركزي التونسي لا يخول الإقراض مباشرة لميزانية الدولة، إذ تنص المادة 25 من القانون الجاري العمل به على أنه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة التونسية تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة".
واعتبروا أن هذا التشريع أدّى إلى نتائج عكسية وسلبية، منها بالخصوص خسارة تفوق 67 مليار دينار (22,3 مليار دولار) لدافعي الضرائب التونسيين نتيجة كلفة الفوائد وانخفاض قيمة الدينار إلى جانب خسارة تفوق 46 مليار دينار (15,3 مليار دولار) للاقتصاد التونسي بسبب خروج عملات أجنبية بلا مقابل وارتفاع كبير في ديون تونس الداخلية والخارجية، ما سيؤدّي حتماً إلى إفلاس الدولة إن لم يتغير أي شيء وفق تصورهم. وأضافوا أن الوضعية الحالية أدّت إلى اعتماد تونس على المانحين الأجانب، ما أدّى إلى فقدانها لسيادتها النقدية وتوجيه السيولة نحو تمويل الخزينة وليس نحو المشاريع، ما خلق حالة من الركود التضخمي.
ومنذ عام 2016، اكتسب البنك المركزي سلطة مطلقة في إدارة السياسة النقدية، من بينها نسبة الفائدة وسياسة الصرف والتصرف في الاحتياطات من العملة والذهب. وفي سبتمبر/أيلول 2023، انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد بنوداً من قانون البنك المركزي التونسي تتعلق بالاستقلالية المطلقة للبنك، مؤكداً ضرورة المضي في إصلاح هذه الفصول من أجل تحسين مساهمة مؤسسة الإصدار النقدي في التمويل المباشر لموازنة الدولة. وقال "لا بد من تطوير النص ليلعب البنك المركزي دوره كمؤسسة عمومية وهو ليس مستقلاً بذاته". وتابع "من يستفيد من الفصل الخاص باستقلالية البنك هي البنوك التجارية".
وبمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي لم يعد مسموحاً للحكومة إصدار أي تعليمات للبنك المركزي، كما حصل على السلطة المطلقة في ضبط السياسة النقدية، والإنفاق والتحكم في الاحتياطي النقدي، والتصرف في الذهب.
كذلك أصبح الاقتراض الداخلي يتم عبر الجهاز المصرفي الذي يحقق أرباحاً مهمة من مساهمته في تمويل الموازنة. وفي يناير طلبت حكومة تونس من البنك المركزي التونسي تسهيلات مباشرة للخزينة بقيمة 7 مليارات دينار، أي ما يعادل 2.3 مليار دولار، دون فوائد، تسدد على عشر سنوات، مع مدة إمهال بثلاث سنوات، وذلك بصفة استثنائية لمرة واحدة، بهدف سداد عجز الخزانة المقدر بأكثر من 10 مليارات دينار.
وتتوقع سلطات تونس اقتراض ما يزيد عن 21 مليار دينار (7 مليارات دولار) من السوق الداخلية لتمويل موازنة 2025، وفق ما ورد في مشروع قانون المالية الذي شرع البرلمان في مناقشته. ويرجح خبراء ماليون أن تلجأ الحكومة مجدداً إلى طلب تمويل مباشر من البنك المركزي بما يصل إلى ثمانية مليار دينار (2.6 مليار دولار) مدرجة في موازنة 2025، ولم تشر الحكومة إلى مصدرها.