يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي في طريقه للسيطرة على بعض القطاعات الاستراتيجية في المنطقة العربية من خلال إبرام شراكات على المستويات الثنائية مستغلة المشاكل التي تعانيها بلدان عربية كالأردن من نقص المياه وغيرها.
وقد لاقى اتفاق النيّات الذي وقعه كل من الأردن والإمارات وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في دبي يوم الإثنين الماضي للتعاون في مجالي الطاقة والمياه اعتراضات شديدة في الشارع الأردني، خاصة بين أوساط أعضاء مجلس النواب الأردني. ويرى النواب أن الاتفاق مخالف للدستور الأردني الذي يشترط عرض وموافقة البرلمان على اتفاقيات كهذه، قبل السير بها وإبرامها.
كما دعا الملتقى الوطني الأردني لدعم المقاومة، المواطنين إلى المشاركة في احتجاجات شعبية ضد الاتفاق عبر مسيرة تنطلق من أمام المسجد الحسيني وسط العاصمة الأردنية عمّان، اليوم الجمعة، رفضاً لمذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي تحت عنوان "الماء مقابل الكهرباء".
وتزامن الإعلان عن الاتفاق مع ارتفاع مخاطر الأمن المائي في الأردن نتيجة تراجع الهطولات المطرية وارتفاع الطلب على المياه بشكل كبير خلال السنوات الماضية، نتيجة إيواء البلاد أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، كما جفت ستّة سدود نهائيا.
تفاصيل اتفاق المياه والطاقة
ونشرت وزارة المياه والري الأردنية على موقعها الإلكتروني وعلى منصات التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء الماضي، صورة عن الوثيقة التي جرى التوقيع عليها في دبي بين حكومات الإمارات العربية متحدة والمملكة الأردنية والاحتلال الإسرائيلي بحضور مستشار الرئيس الأميركي لشؤون المناخ جون كيري ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمبعوث الخاص لدولة الإمارات العربية للتغير المناخي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر.
وقالت الوزارة في بيان إن مضمون الوثيقة هو إعلان نيات بين الدول الثلاث لدراسة جدوى إقامة مشروع لإنتاج الطاقة المتجددة في الأردن، تنفذه شركة إماراتية ومشروع لتحلية المياه لتزويد الأردن بمئتي مليون متر مكعب من البحر الأبيض المتوسط.
واوضح البيان أنه بموجب الوثيقة تنوي الاطراف الثلاثة القيام باستكشاف الجدوى لكلا المشروعين خلال فترة زمنية تنتهي في الربع الثالث من العام المقبل. ونصت الوثيقة في البند الأول منها على أن المشروعين مشروطان ببعضهما بعضا بمعنى أنه لن ينفّذ أي مشروع من دون تنفيذ الآخر.
ومضمون الوثيقة هو إعلان نيات بين الدول الثلاث لدراسة جدوى إقامة مشروع لإنتاج الطاقة المتجددة في الأردن تنفذه شركة إماراتية ومشروع لتحلية المياه لتزويد الأردن بمئتي مليون متر مكعب من البحر الأبيض المتوسط.
وبموجب الاتفاق سيتم بناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية لتوليد الكهرباء لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل سيتم إنشاء محطة تحلية مياه مخصصة للأردن على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وذلك بدعم وتمويل من دولة الإمارات وبرعاية أميركية.
تهديد قطاعات حيوية
وأجمعت ردات الفعل على الاتفاقية بأنها تشكل تهديدا لمستقبل المنطقة العربية بشكل عام من خلال سعي الاحتلال للاستحواذ على القطاعات الحيوية في المنطقة وفي مقدمتها الطاقة والمياه. وقال النائب صالح العرموطي، إن مجلس النواب فوجئ بإبرام الاتفاقية التي جاءت بشكل غير متوقع داعيا إلى إعادة النظر فيها والتراجع عنها كونها تشكل تهديدا للأردن والمنطقة العربية بشكل عام.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن الاستمرار بمشاريع التطبيع الاقتصادي يخدم الاحتلال الذي يرمي بكامل قوته لاختراق المنطقة العربية اقتصادياً والسيطرة على القطاعات الاستراتيجية مشيرا الى أن الاتفاقية مخالفة للدستور ويتوجب موافقة مجلس النواب عليها.
وبين أنه سيعمل مع النواب لتشكيل قوة ضغط على الحكومة للتراجع عن الاتفاق الذي ما زال كما قالت الحكومة في مراحله الأولية.
وكان النائب، ينال فريحات، قال إن إعلان النيّات الذي وقعه الأردن مع الاحتلال الإسرائيلي يتعارض مع الفقرة (2) من المادة (33) من الدستور الأردني والتي تنص على أن المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو المساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة.
وقال فريحات في أسئلة وجهها إلى الحكومة إنه الاتفاق لم يُعرض على مجلس الأمة رغم ما فيه من تحميل لخزانة الدولة من نفقات وما يمسه من حقوق للأردنيين وما يشكله من تهديد لسيادة الوطن ولأمنه المائي.
وتساءل فريحات هل قامت الحكومة بدراسة أثر هذا الإعلان على الأمن القومي للأردن بربط احتياجاتنا الاستراتيجية من المياه بيد "عدو" يحتل أرض فلسطين ويضع مخططات علنية لضم المزيد من أراضي الضفة الغربية والغور؟ وذكر الفريحات الحكومة بتصريحات وزير زراعة الكيان الذي هدّد فيها بتعطيش الشعب الأردني رداً على الموقف الرسمي باستعادة أراضي الباقورة والغمر؟
أكبر صفقة تطبيع
وقال الخبير الاقتصادي، مازن مرجي، لـ"العربي الجديد" إن هذه ربما تكون أكبر صفقة تطبيع يتوصل إليها الاحتلال الإسرائيلي إذا استكملت، خاصة أنها تضم أكثر من طرف عربي وتعطيه القوة لمزيد من المشاريع الاستراتيجية الأخرى مع البلدان في المنطقة.
وأضاف أن هذا يدخل في إطار سعي الاحتلال للسيطرة على مقدرات العرب وثرواتهم ورهن المشاريع الاستراتيجية لمصلحته. وقال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، إن الاتفاقية تعتبر اعتداءً صارخاً على السيادة الأردنية ورهنا للقطاعات الحيوية بيد الاحتلال وخروجا عن موقف الشعب الأردني الرافض لأشكال التطبيع مع الاحتلال.
وقال الخبير في مجال الطاقة، عامر الشوبكي، إن الاتفاقية تخرج أمن الطاقة والمياه من يد الأردن لصالح الاحتلال الإسرائيلي، مما يشكل خطرا على الأردن والمخطط من وراء هذه الاتفاقية أن يصبح الاحتلال مركزاً للشرق الأوسط في مجال الطاقة والمياه والتجارة.
من جانبه، قال منسق حملة "غاز الأردن احتلال"، هشام البستنجي، إن الاتفاقية تعني تحكم الاحتلال بمستقبل الأردنيين في القطاعات الحيوية والتي تشمل الكهرباء والغاز والمياه وسيطرة الكيان على المنطقة العربية برمتها عبر مشاريع استراتيجية كبرى.
وتقوم الاتفاقية على تزويد الأردن بكميات كبيرة تصل إلى 200 مليون متر مكعب من المياه سنويا مقابل تزويد الكيان المحتل بالكهرباء من خلال إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تقام في الصحراء الأردنية. ونصت الوثيقة في البند الأول منها على أن المشروعين مشروطان ببعضهما بعضا بمعنى أنه لن ينفذ أي مشروع من دون تنفيذ الآخر.
ووقع الأردن اتفاقية مع إسرائيل لشراء 50 مليون متر مكعب مياه من تل أبيب، تمثل كمية إضافية لما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994. وبدأ الأردن باستيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاق عارضه مجلس النواب والقوى السياسية والشعبية كافة وذلك بقيمة تصل الى 15 مليار دولار.
تصدير الغاز إلى مصر
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد وقع اتفاقا لتصدير الغاز إلى مصر من أجل تعزيز وجوده في قطاع الطاقة بالمنطقة العربية. وزادت قيمة الصفقة الاجمالية عن 20 مليار دولار ولمة 10 سنوات. وقالت وزارة الطاقة الإسرائيلية، مؤخراً، إن إسرائيل تدرس مد خط أنابيب بري جديد إلى مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي للقاهرة بسرعة، وسيربط الخط شبكتي الغاز الطبيعي المصرية والإسرائيلية عن طريق شمال شبه جزيرة سيناء.
وفي فبراير/شباط الماضي، قام وزير البترول المصري طارق الملا، بزيارة إلى إسرائيل التقى خلالها وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، واتفقا على مد خط أنابيب لربط حقل ليفياثان الإسرائيلي البحري للغاز الطبيعي بمحطات الإسالة في شمال مصر.
وبموجب اتفاق مصري إسرائيلي، تشتري شركة "دولفينوس القابضة" الخاصة في مصر نحو 85 مليار متر مكعب من الغاز، بقيمة إجمالية 19.5 مليار دولار من حقلي لفياثان وتمار على مدى 15 عاماً. ويجري توريد الغاز عن طريق خط أنابيب تحت المياه يربط الأراضي المحتلة وشبه جزيرة سيناء.
كما تتزايد العلاقات الاقتصادية ما بين المغرب وإسرائيل، وسط تحضيرات لمنتدى اقتصادي بين رجال أعمال مغاربة وإسرائيليين في تل أبيب. وستحل بعثة من رجال الأعمال المغاربة يقودها الاتحاد العام للمقاولات، في إسرائيل، بين 12 و15 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وذلك على هامش إطلاق الخطوط الملكية المغربية للخط الجوي الجديد الرابط بين الدار البيضاء وتل أبيب. فيما بحثت الاجتماعات السابقة إطلاق يد الاستثمارات الإسرائيلية في المغرب.