يسعى العراق إلى تلبية متطلبات الانضمام كعضو لمنظمة التجارة العالمية، وسط تحديات كبيرة تتعلق بما يصفه مراقبون "تشوهات" هيكلية واقتصادية وتشريعية عرقلت عملية الحصول على العضوية بشكل رسمي. وكانت بغداد قد حصلت سابقاً على صفة المراقب فقط، لوجود اشتراطات كثيرة لم تحققها في هذا الإطار.
مدير قسم منظمة التجارة العالمية (مؤسسة حكومية) التابعة لوزارة التجارة العراقية، ثروت أكرم، قال لـ"العربي الجديد"، إن وزارته أعدت الخطط اللازمة للانضمام إلى المنظمة، كما جرى تشكيل لجان مختصة بمشاركة القطاع الخاص العراقي والهيئات والوزارات ذات العلاقة.
وأضاف أن الوزارة عملت على إنجاز ملفات الانضمام الفنية على صعيد السلع والخدمات والملكية الفكرية، بالإضافة إلى مواءمة التشريعات والقوانين مع اتفاقيات المنظمة، بالتنسيق مع الهيئة العامة للجمارك وجهاز التقييس والسيطرة النوعية العراقي، لغرض تقديم الملف والتفاوض عليه، واعتماده بعد إكمال متطلبات الانضمام.
وأكد أكرم أن القطاع الخاص يعد من أهم الشركاء الفاعلين في رسم السياسة الاقتصادية للدولة، ومن المهم جداً أن يكون له رأي في اتخاذ القرارات التي من شأنها النهوض بالواقع الاقتصادي الوطني.
ومن أجل الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية لا بد من توفر عدد من الشروط والمحددات الهيكلية والتنظيمية لدى السياسة الاقتصادية العراقية، حسبما يرى الباحث الاقتصادي علي الحياني، وفي مقدمتها معالجة الاختلالات الهيكلية، وتنوع القطاعات الاقتصادية، وعدم الاعتماد فقط على النفط في تمويل الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الحياني لـ"العربي الجديد"، إن العراق غير مهيأ للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، في ظل وضعه الحالي، ما لم تُحقّق إصلاحات اقتصادية وتشريعية من أجل تذليل العقبات أمام ملف طلب الانضمام.
وأضاف أن من أهم شروط الانضمام هي الالتزام بسياسات الحماية التجارية، وإلغاء القيود الجمركية المفروضة على الاستيراد، ووضع تعرفة جمركية مكانها، مما يتطلب مراجعة شاملة لقوانين الجمارك العراقية، بالإضافة إلى العمل على تطبيق سياسة زراعية مناسبة تعالج قضايا الدعم، والسماح بدخول الواردات الزراعية إلى الأسواق المحلية، وخضوعها للتعرفة الجمركية.
وأوضح أن من بين الشروط الأخرى الواجب توفرها، تفعيل قطاع الخدمات نحو العالم الخارجي، وإصدار وتطبيق قدر من التشريعات المتوافقة مع متطلبات الحد الأدنى من الحماية لحقوق الملكية الفكرية المتفق عليها في اتفاقية الأوروغواي، فضلاً عن التزام العراق بتنفيذ سياسات إصلاحية اقتصادية شاملة تسمح بحرية حركة رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية.
وفي عام 2010، أعلنت وزارة التجارة العراقية اتخاذها خطوات اقتصادية وتجارية عدة، للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية، من خلال إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة سابقاً مع أكثر من عشرين دولة، كما أعلنت مؤخراً سعيها الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، من خلال خطة أعدتها لإكمال متطلبات الانضمام إلى المنظمة، بعد إتمام الملفات الفنية على صعيد السلع والخدمات والملكية الفكرية.
منظمة التجارة العالمية أكبر منظمة اقتصادية، لكونها المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، وتضم في عضويتها 164 دولة عضواً، تمثل ما يزيد عن 98 بالمائة من التجارة العالمية والناتج المحلي التجاري العالمي.
وتوجُّه العراق نحو الانضمام يعد أمراً مهماً على مستوى اقتصاد البلاد عموماً واستقرار أسواقه، كونه سيخلق الظروف الاقتصادية والتشريعية اللازمة للتنمية، إلا أنها لا تضمن الفوائد المرجوة للبلاد، لأن الحصول على تلك المزايا يتوقف على مدى قدرة البلاد على خلق مناخ ملائم قادر على تنفيذ التزامات المنظمة، في حين أن بقاء العراق خارج إطار المنظمة سيجعله في عزلة دولية.
ويرى مختصون أن العراق غير مهيأ للانضمام إلى المنظمة ما لم يجر تحقيق إصلاحات اقتصادية وتشريعية تذلل العقبات أمام ملف انضمام العراق، مما يتطلب بذل مزيد من الجهود من أجل تهيئة كل المتطلبات اللازمة، لتسهيل مهمته في الحصول على العضوية الكاملة.
ويرى المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين، بارق شبّر، عدم الفائدة من انضمام العراق حالياً للمنظمة، بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن.
وأشار شبّر، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن العضوية في منظمة التجارة الدولية تجلب فوائد للدول التي لديها صناعات وسلع تصديرية قوية، وهذا ما يفقده العراق، لأنه لا يملك مثل هذه الصناعات، وإنما يعتمد بدرجة عالية على الاستيراد.
وأضاف أن انضمام العراق إلى المنظمة يعني الالتزام بقواعد التجارة الدولية الحرة، ومن شروطها تجميد مستوى التعرفة الجمركية عند السقوف الحالية وتخفيضها تدريجياً، ولا يسمح للعراق برفع مستوياتها إلا في حالات الإغراق بعد موافقة المنظمة.
وأوضح أن على العراق عدم التعجل في عملية الانضمام إلى المنظمة، والإبقاء على صفة المراقب، ليتسنى له العمل على تهيئة البيئة الخصبة والملائمة للانضمام.