تخطط إدارة البنك المركزي العراقي لإلغاء مزاد الدولار بشكل تدريجي خلال عام 2024، وصولاً إلى إلغائها بالكامل مع نهاية العام، والإبقاء عليها لأغراض تدقيقية وإحصائية، سعيا لتمكين المصارف العراقية من إنشاء وتأسيس علاقات مصرفية رصينة مع القطاع المصرفي العالمي والإقليمي بما يحقق رصانة القطاع المصرفي العراقي والالتزام الكامل بالمعايير الدولية ومتطلباتها.
ويعتمد العراق على منصة بيع العملة بشكل مباشر للبنوك والشركات المحلية، والتي كانت تُعرف سابقا بمزاد الدولار اليومي، كواحدة من آليات الحفاظ على قيمة الدينار العراقي، ومحاربة عمليات المضاربة بالسوق الموازي. وأكد البنك المركزي العراقي في آخر بيان له، على ضرورة أن تكون المصارف والبنوك العراقية "مهيأة وقادرة"، على الوصول والتعامل مع المصارف الخارجية التي تصل الحوالات المالية عبرها، من خلال فتح حسابات بينية بين الطرفين، وذلك بعد أسابيع من سماحه للبنوك بنقل قيمة الحوالات الواردة إليها من الدولار من خارج العراق إلى داخل العراق جوا، بعد إخطار رسمي من البنك المركزي.
ويحذر مختصون في أحاديث مع "العربي الجديد" من إيقاف منصة بيع الدولار، خاصة مع استمرار تأخر الأنظمة المصرفية العراقية وعدم تفعيل تعامل المصارف التجارية العراقية مع المصارف العالمية، لأن ذلك سيؤدي إلى كارثة نقدية تعصف بالسوق العراقية. لكن رابطة المصارف العراقية الخاصة أشادت بإجراءات البنك المركزي وخططه المالية لهذا العام، من أجل تنظيم الأنظمة المصرفية وطرق التحويل الخارجي الآمنة بما ينسجم مع المعايير المصرفية العالمية.
تنظيم التمويل
وقال مستشار رابطة المصارف العراقية الخاصة، سمير النصيري، إن استراتيجية البنك المركزي العراقي لهذا العام تتمثل في إلغاء المنصة الإلكترونية تدريجيا انسجاما مع إجراءاته ومفاوضاته مع البنوك العالمية لتنظيم تمويل التجارة الخارجية.
وأوضح النصيري خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه الإجراءات ألزمت المصارف العراقية بفتح حسابات مصرفية في البنوك المراسلة العالمية بعدما وفرت جميع المستلزمات المطلوبة منها من قبل هذه البنوك. وأشار النصيري، إلى أن عدد المصارف العراقية التي لديها حسابات وتفاهمات وتعاملات مع هذه البنوك بلغ 20 مصرفا، وينتظر خلال الشهرين المقبلين التحاق مصارف أخرى ليزداد العدد إلى ما كان مخططاً له من قبل إدارة البنك المركزي.
وأضاف، أن البنك المركزي سعى إلى فتح التعامل مع العملات المحلية للدول التي للعراق تبادل تجاري مهم معها، كالصين وتركيا والهند والإمارات وبعض الدول الأوروبية، بهدف تقليل الطلب على الدولار الأميركي والسيطرة على سعر الصرف من التذبذب في السوق الموازي.
وبيّن النصيري، أن الجانب الإيجابي من وقف المنصة هو إلزام المصارف بالتعامل بشكل مباشر مع البنوك المراسلة دون توسط البنك المركزي، بهدف تقييد المصارف بالمعايير المصرفية الدولية للتجارة الخارجية، وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي العراقي دوليا.
وعن إمكانية الحد من عمليات تهريب العملة وغسل الأموال، أفاد النصيري بأن هذه العمليات ستنتهي بشكل كبير، لأن كل عملية تحويل خارجي ستخضع للرقابة الداخلية والدولية، ويتم تنظيمها تحت إشراف شركات تدقيقية دولية تلزم المصارف العراقية بالتعامل معها وفق الآلية الجديدة، وبإشراف مباشر من قبل البنك المركزي العراقي.
الشروط والمعايير
في ظل تأخير المصارف في التعامل مع بنوك عالمية مراسلة ووجود الكثير من العراقيل أمامها كونها لا تنطبق عليها الشروط والمعايير الدولية، يرى الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أنه من الصعب على البنك المركزي إيقاف المنصة في مثل هذه الظروف. وعزا الحلبوسي سبب ذلك إلى أن غالبية المصارف في العراق لن تستطيع أن تفتح حساباتها بشكل مباشر مع المصارف العالمية، إنما تستخدم حسابات مالكيها لدى المصارف الدولية.
وقال الحلبوسي لـ"العربي الجديد" إن هناك تخبط كبيرا في عمل المصارف الخاصة العراقية، منتقداً إدارة البنك المركزي باتخاذ إجراء الإيقاف التدريجي للمنصة الإلكترونية دون إجراء إصلاحات ومعالجات للهفوات الموجودة حالياً. وأضاف أن إيقاف المنصة ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة على سير الحوالات وتأخرها، فضلا عن استغلال بعض المصارف من رفع أسعار التحويل وبالتالي سوف يقوم التاجر بالتوجه نحو طرق غير قانونية واتساع عمل الحوالات السوداء.
وأشار إلى أن هناك بعض المصارف تسعى لاستغلال هذه الفرصة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، عن طريق الاستفراد بالحوالات ورفع أسعارها، خصوصا أنها حاليا تنفذ حوالات بأعلى من سعر الصرف المحدد من قبل البنك المركزي. وأفاد بوجود مصارف خاصة لا تلتزم بتوجيهات البنك المركزي، لتفتح خطوة إيقاف المنصة الإلكترونية أبواب فساد كبيرة لهم، ستكون نتيجتها تضرر الجهاز المصرفي على حساب استفادة دول خارجية تمتلك مصارف في العراق.
تدقيق ومراقبة
أكد المختص بالشأن المالي، علي جاسم الحياني، أن من أدبيات عمل المصارف فتح اعتمادات مالية مع بنوك مراسلة من أجل ضمان سهولة التحويل الخارجي وفقاً للتعليمات واللوائح المعتمدة دولياً. وأضاف الحياني، لـ"العربي الجديد"، أن العراق يعاني من مشكلة عدم ثقة المصارف الدولية بالأنظمة المصرفية العراقية ما لم تكن هناك ضمانات حقيقية تقدمها إدارة البنك المركزي العراقي لهذه المصارف.
وأفاد بأن إصرار البنك المركزي على فتح المصارف العراقية اعتمادات مع البنوك المراسلة يعطي دافعاً لتعظيم التجارة الدولية للعراق، ويحد من عمليات غسل الأموال والتجارة السوداء عن طريق الحوالات غير الرسمية، فضلاً عن الحد من التحويل الخارجي غير الشرعي. وشدد الحياني على أن هناك مصارف عراقية كانت لديها بنوك مراسلة دولية، إلا أنها لم تنجح في تغطية أداء عملها الحقيقي بسبب الإجراءات المتبعة داخل العراق، وعدم وجود قواعد بيانات تدقق وتوثق حجم الواردات التجارية قياساً مع الأموال المحولة إلى الخارج.
وأشار إلى أن إغلاق المنصة لا ينفع ما لم تكن هناك حوكمة وأتمتة لقواعد البيانات الجمركية التي تدقق في أداء عمل التجارة الدولية ومقارنتها بما يتم تحويله من أموال خارج العراق.