مرفأ طرابلس يخفف أزمة الإمدادات الغذائية والاستهلاكية في لبنان.. فماذا عن قدراته؟

02 أكتوبر 2024
رافعات وشاحنات في مرفأ طرابلس، لبنان، 10 أغسطس 2020 (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استغلال الأزمات لرفع الأسعار وتكدس الحاويات في مرفأ بيروت: العدوان الإسرائيلي على لبنان أدى إلى ازدحام مرفأ بيروت بالحاويات، مما يزيد من فرص الاحتكار ورفع الأسعار، بينما يظل مرفأ طرابلس ملاذاً أكثر أماناً.

- جهود وزارة الأشغال العامة والنقل لمعالجة الأزمة: الوزير علي حمية عقد اجتماعاً لمعالجة تكدس 6600 حاوية في مرفأ بيروت، ورغم البيروقراطية والفساد، تستمر شركات الشحن في خدمة عملائها.

- دور مرفأ طرابلس كبديل محتمل: يخدم مرفأ طرابلس 20% من الحاويات في لبنان، ويستورد مختلف البضائع، مما يجعله بديلاً محتملاً لضمان الأمن الغذائي بعد انفجار مرفأ بيروت.

يتحيّن التجار فرص الأزمات والحروب ليضاعفوا الأسعار على المواطنين كما هو الحال في لبنان الذي يئنّ تحت وطأة عدوان إسرائيلي وحشي مدمّر. وجاء ازدحام مرفأ بيروت بالحاويات نتيجة المخاوف الأمنية التي تحول دون قدوم الكثير من الموظفين إلى مراكز عملهم، ليزيد من فرص الاحتكار وجني الأرباح. إلا أن وجود مرفأ طرابلس في شمال لبنان، يخفف من أزمة الغلاء، باعتباره بعيداً عن المناطق التي تستهدفها الغارات الإسرائيلية على طول خريطة البلد، منتقية أساساً البيئة الحاضنة للمقاومة التي تتصدى ببسالة لمحاولات توغّل دبابات العدو عبر حدود لبنان الجنوبية.

فالوضع المأزوم في مرفأ بيروت، الذي لا يزال يعمل رغم الفوضى العارمة فيه، استدعى استنفاراً من وزارة الأشغال العامة والنقل المسؤولة عنه بالوصاية، حيث عقد الوزير علي حمية اجتماعاً موسعاً قبل يومين، جمع مسؤولي المطار والمرفأ وشركات الشحن لاستجلاء واقع وسبل معالجة تكدّس نحو 6600 حاوية في المرفأ الرئيسي بالبلاد، وأسباب عدم تخليص موظفي الوزارات المختصة المعاملات لتسهيل إخراج البضائع والمستوردات، ولا سيما أن الواردات عبر المرفأ تشكل عنصراً حيوياً للأمن الغذائي في البلاد، بخاصة في ظروف النزوح القاهرة.

وفيما يدفع الاقتصاد ثمن البيروقراطية والفساد المعهودين حتى في أيام السلم، لا يزال الوكلاء البحريون ينشطون في عملياتهم بزمن الحرب، وجاء في هذا السياق إعلان شركة شحن الحاويات العملاقة ميرسك، اليوم الأربعاء، أنها مستمرة في خدمة عملائها في لبنان من خلال رحلتين أسبوعيتين إلى مرفأ بيروت، رغم تدهور الوضع الأمني نتيجة العدوان الإسرائيلي. ونقلت رويترز عن متحدث باسم ميرسك تأكيده في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه "بينما تأثرت أعمال ميرسك في البلاد، فإننا نظل حالياً في وضع يسمح لنا بخدمة عملائنا".

وبطبيعة الحال، ليست المشكلة في المرفأ وحده، بل تمتد إلى عجز كثير من المستوردين عن تسلّم بضائعهم التي سبق وطلبوا استيرادها قبل الحرب ووصلت خلالها، وذلك بسبب الغارات المستمرة واستهداف العدوان الإسرائيلي الكثير من المناطق والطرق التي تحول دون سير الشاحانات التي تنقل حاويات العشرين والأربعين قدماً إلى مقاصد مختلفة، بخاصة أن شركات كثيرة أصبحت مقفلة أو مدمرة ونزح أصحابها من مراكزهم ومستودعاتهم إلى مناطق أُخرى لا عمل لهم فيها، حسبما قال لـ"العربي الجديد" مستورد كبير للدراجات النارية وقطعها من الصين، مبيّناً أنه عاجز عن العمل في العديد من صالات العرض والمستودعات، أكان في بيروت أم البقاع.

وفي مقابل صعوبة استخراج البضائع من مرفأ بيروت، والتهديد المستمر الذي يؤثر بحركة مطار رفيق الحريري الدولي أيضاً، يجد العديد من المسافرين في مرفأ طرابلس ملاذاً لمغادرة لبنان بعد إلغاء رحلاتهم في الميناء الجوي الوحيد في البلاد، كذلك يجد المستوردون فرصة للتحرّك بانسيابية أكبر، باعتبار أن لبنان الشمالي وعاصمته طرابلس يبدوان، حتى الآن، أكثر أمناً واستقراراً.

لكن إلى أي درجة يمكن اعتبار مرفأ طرابلس مؤهلاً لدور بديل في هذه الظروف، وماذا عن بنيته التحتية وواقع خدماته وتجهيزاته؟

تفيد بيانات المرفأ بأنه يخدم نحو 20% من إجمالي الحاويات في لبنان، وهو يستورد مختلف أنواع البضائع، بما في ذلك نحو 90 ألف طن من القمح، وبضائع مختلفة تناهز ثلاثة ملايين ونصف مليون.

وبحسب موقع "مصلحة استثمار مرفأ طرابلس" التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل، فإن مرفأ طرابلس هو المرفأ اللبناني الثاني بعد مرفأ بيروت، وتناهز مساحته الإجمالية ثلاثة ملايين متر مربع، منها مليونان و200 ألف متر مساحة مائية، و320 ألف متر مساحة أرضية، و420 ألف متر مساحة الردم المحاذية للمرفأ، التي ستخصص مستقبلاً لتصبح منطقة لرصيف الحاويات ومنطقة اقتصادية حرة.

وللمرفأ حالياً حوض واحد وثمانية أرصفة بعمق يراوح بين ثمانية وعشرة أمتار، ويستقبل سنوياً حوالى 450 سفينة، بمعدل شهري 37 سفينة تقريباً، أغلبها يحمل البضائع العامة والصبّ الجاف، كالحديد والخشب والسكر ومختلف أنواع الحبوب، وخردة الحديد والسيارات ومواد البناء.

وتتبع لمرفأ طرابلس منطقة حرة تناهز مساحتها 150 ألف متر، وهو يشهد مشاريع توسعة، حيث يُنشأ رصيف جديد لتداول الحاويات بطول 600 متر وعمق 15 متراً، وصولاً إلى طول 1200 متر في مرحلة ثانية، مع منطقة خلفية بمساحة مليون و200 متر، اعتمدها مجلس النواب منطقة اقتصادية حرة.

ويتميز موقع مرفأ طرابلس بقربه جغرافياً من الحدود مع سورية التي تبعد عنه 30 كيلومتراً، ومن ثم العمق العربي والخليجي، فضلاً عن ميزة أُخرى تنطلق من انخفاض أجرة اليد العاملة والرسوم والتعرفات.

وسبق أن أعلن مدير مرفأ طرابلس، أحمد تامر، في تصريح لـ"الوكالة الوطنية للإعلام" (رسمية) التضامن مع مرفأ بيروت في كل الظروف، موضحاً أن الدولة استثمرت في مرفأ طرابلس على مدى عقدين، نحو 300 مليون دولار، وبالتالي لديه كامل القدرة اللوجستية والبحرية لاستقبال أكبر البواخر في العالم، ولديه أيضاً القدرة على استيعاب حوالى خمسة ملايين طن سنوياً، مضيفاً أن بالإمكان أيضاً استقبال 300 ألف حاوية.

وبعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020، كان تامر قد طمأن إلى أن "مرفأ طرابلس يستطيع أن يسد العجز، وليس هناك مشكلة يمكن أن تواجهنا لاستيعاب مخزون القمح والحبوب، وفي الأساس كنا نستقبل نحو 100 مليون طن من القمح سنوياً، وحوالى 60% من حجم استيراد كل انواع الحبوب والعلف الحيواني"، مؤكداً أن "لا خوف، ولن نقع في أزمة طحين أو حبوب، ولدينا القدرة الاستيعابية لاستقبال أكبر باخرة حبوب في العالم، ولدينا إمكانات في هذا الأمر أكبر من إمكانات مرفأ بيروت".

وفي 14 أغسطس الماضي، أوضح الرئيس السابق لمجلس إدارة الحاويات في مرفأ طرابلس، أنطوان عماطوري، في تصريحات صحافية، أن مرفأ طرابلس قادر على العمل بمعدل 95% من قدرة مرفأ بيروت التشغيلية ووتيرة حركته، باعتبار أن مرفأ بيروت عادة ما يستقبل 600 ألف حاوية سنوياً، فيما تصل قدرة مرفأ طرابلس إلى نحو 500 ألف حاوية، إلا أنه لا يستخدم حالياً إلا نصف هذه القدرة، باستقبال نحو 250 ألف حاوية.

صحيح أن هذه المعطيات تطمئن إلى دور محوري لمرفأ طرابلس يمكن أن يؤديه في ضمان الأمن الغذائي للبنانيين، إلا أن كل الطمأنات تبقى مرهونة بطبيعة العدوان الإسرائيلي واتجاهاته وتصريحات مسؤوليه التي تشير من وقت لآخر إلى حصار عسكري مفروض عملياً على لبنان تحت النار، أو يمكن أن يتوسّع لاحقاً، بما قد يهدد بشلّ قدرة أي مرفأ بحري أو ميناء جوي في هذا البلد.

المساهمون