أصدرت قاضية فرنسية، اليوم الثلاثاء، مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، بحسب ما أفاد مصدر مطلع على الملف "فرانس برس". وما لبث سلامة أن أصدر بيانا اعتبر فيه أن قرار القاضية "يشكل بامتياز خرقاً لأبسط القوانين وسيطعن فيه"، مضيفا أن "هذه هي العدالة المبنية على الكيل بمكيالين التي تطبق عليّ".
وتخلّف سلامة اليوم عن جلسة التحقيق المحدّدة له من قبل القاضية الفرنسية أود بوروسي في باريس بتهم احتيال وغسل أموال، في ظلّ تذرّع أوساطه القانونية بعدم تبلّغه الحضور وفق الأصول المعمول بها، وسط احتمال كبير بتوجيه اتهام فرنسي رسمي إليه.
ويجرى التحقيق مع سلامة أوروبياً، ولا سيما فرنسياً من قبل القاضية أود بوروسي، في تهم موجهة إليه بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال والتزوير واستعمال المزوّر والاثراء غير المشروع.
وسريعاً، خرجت مطالب من عددٍ من البرلمانيين باستقالة سلامة من منصبه على رأس الحاكمية، بعدما بات ملاحقاً دولياً.
وقال النائب في قوى "التغيير" مارك ضو: "احتراماً للدستور والمؤسسات الحكومية ولمصرف لبنان بما تمثل بالنسبة إلى الشعب اللبناني وللشرعية والسلطات في لبنان والخارج، على سلامة الاستقالة فوراً حفاظاً على مؤسسات الدولة واحترامها".
بدوره، دعا النائب في قوى "التغيير" ميشال الدويهي إلى "جلسة برلمانية طارئة للجان المشتركة تحضرها الحكومة لمناقشة هذه القضية، التي لها حتماً تداعيات خطيرة على ما تبقى من سمعة البلاد نقدياً ومالياً ومصرفياً. جلسة تدق ناقوس الخطر وتطرح الحلول والمخارج قبل فوات الآوان، وتصنيف لبنان دولة مارقة ملجأً للفارين من العدالة".
وسأل الدويهي في سلسلة تغريدات على حسابه عبر "تويتر": "كيف لحكومة أن تقبل بأخبار متداولة على نطاق دولي واسع تفيد بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بات فاراً من وجه العدالة الأوروبية؟ كيف لها أن تقبل مسرحية أن أجهزتها الأمنية عجزت عن تبليغ سلامة موعد حضوره أمام القاضية الفرنسية؟ أوليست تلك الأجهزة هي التي تحمي سلامة وتواكبه أمنيا؟".
وأضاف: "كيف لحكومة أن تثق بوجود سلامة على رأس الجهاز النقدي والمصرفي ويتخذ أخطر القرارات وهو ملاحق دولياً؟ وكيف لها أن تطلب مساعدة المجتمع الدولي وهي تحمي مطلوباً للعدالة الدولية؟ هذه الحكومة تمثل منظومة ترعى سلامة وتحميه، لأنه أحد أكبر مفاتيح أسرار 30 سنة من الفساد الذي دمر ودائع الناس".
تجدر الإشارة إلى أن حاكمية سلامة لمصرف لبنان التي مرّت بثلاث عقود، وكان خلالها يحظى بدعم سياسي وحتى ديني كبير، تنتهي في يوليو/تموز المقبل، في ظلّ خلاف سياسي قانوني حول مصير هذا الموقع، ولا سيما في ظلّ عدم إمكانية تعيين حاكم جديد نتيجة الشغور الرئاسي وعدم انتخاب رئيس جديد للبلاد، الأمر الذي تُخشى كثيراً ارتداداته الاقتصادية في بلد يعاني من أزمة مالية تاريخية.
وخضع سلامة، في بيروت، في شهر مارس/آذار الماضي، لجلستي استجواب بحضور الوفد القضائي الأوروبي، بحيث طرحت عليه القاضية الفرنسية بوروسي أكثر من مئتي سؤال، بواسطة قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، وتمحورت بالدرجة الأولى حول شركة فوري التي يملكها شقيقه رجا، ويشتبه أنها وهمية، وتلقت عمولات من مصرف لبنان، وقامت بتحويل أموال وضعت في خانة المختلسة إلى الخارج، وصلت إلى نحو 330 مليون دولار، وهي محور تحقيقات تجرى في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ ودول أوروبية أخرى.
وشملت التحقيقات الأوروبية، التي مرّت بثلاث جولات لبنانياً، شخصيات مصرفية سياسية ومالية، أبرزها وزير المال الحالي يوسف الخليل، بصفته السابقة مديراً للعمليات المالية في مصرف لبنان، والوزير السابق ومدير بنك الموارد مروان خير الدين، الذي وجه إليه اتهام فرنسي رسمي في القضية المتفرعة عن ملف التحقيق بأصول وثروة سلامة، وشركة فوري، ووزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، بوصفها رئيسة مجلس الإدارة في بنك البحر المتوسط، ومساعدة سلامة والمستشارة التنفيذية له ماريان الحويك، ورجا شقيق سلامة، وغيرهم.
ولم يتمكّن القضاء اللبناني من تبليغ سلامة وفق الأصول القانونية اللازمة بوجوب مثوله أمام القضاء الفرنسي في جلسة الاستجواب الفرنسية، وذلك لعدم العثور عليه أو من يجوز أصولاً أن يتبلّغ عنه.
وأوضح مصدرٌ قضائي رفيع مطلع على التحقيقات الأوروبية مع سلامة، لـ"العربي الجديد"، أن "التبليغ الذي يقوم به القضاء اللبناني يأتي في إطار مساعدة قضائية للقضاء الأوروبي، وتحديداً الفرنسي".
وأشار إلى أن "القاضية الفرنسية أود بوروسي أرسلت إلى الجانب اللبناني وثيقة تبليغ لتوقيعها من قبل المطلوب إبلاغه وإعادتها، وقد حوّلها قاضي التحقيق في بيروت شربل أبو سمرا إلى مخفر ميناء الحصن، كما هو لازم عند تحويل التبليغات، وقد تلقى القاضي أبو سمرا كتابياً من الضابط الأمني المسؤول أنهم أرسلوا دوريات أمنية 3 مرات لتبليغ سلامة الوثيقة ولم يجدوه، سواء هو أو من يصحّ تبليغه قانوناً".
ولفت المصدر إلى أن "القاضي أبو سمرا أرسل هذا الكتاب إلى القاضية الفرنسية، ولها أن تأخذ التدبير الذي تريده، وقد تعتبر الكتاب بمثابة تبليغ أو لا، القرار عندها".
كذلك، أشار المصدر القضائي إلى أن "القاضية الفرنسية عندما كانت في بيروت تستجوب سلامة، في مارس الماضي، قالت له شفهياً إن لديه جلسة في باريس، وسألت القاضي أبو سمرا حول ما إذا كان هذا الكلام يعد تبليغاً، فكان أن ردّ عليها بالقول: "إن مكتبي لا يعد محل إقامة لسلامة، وتالياً ليس المكان الممكن تبليغه أصولاً فيه"، واقتنعت وقتها بالإجابة وقانونيتها".
بيان رياض سلامة رداً على مذكرة التوقيف الفرنسية
سلامة قال في بيانه إن قرار القاضية الفرنسية يشكل بامتياز خرقاً لأبسط القوانين، وسيعمد إلى الطعن فيه، معلقاً على اصدار مذكرة التوقيف الدولية بحقه بالقول: "هذه هي العدالة المبنية على الكيل بمكيالين التي تطبّق عليّ".
وأشار سلامة في بيان عقب صدور القرار القضائي الفرنسي إلى أن "قاضية التحقيق لم تراعِ المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي بالرغم من تبلّغها وتيقنها من ذلك".
وأضاف: "في تجاهلها الصارخ للقانون، تجاهلت أيضاً القاضية نفسها تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003 والإجراءات المعترف بها دولياً، التي تستند إليها هي بالذات في إطار المساعدة القضائية الدولية، فهل يعقل أن قاضياً يطبق الاتفاقيات الدولية باتجاه واحد؟".
وتابع سلامة: "يقتضي التذكير بأن التحقيق الفرنسي ضرب صفحاً عن مبدأ جوهري يتعلق بسرية التحقيقات، كونه أصبح واضحاً من المقالات الصحافية، وخاصة المقالات الصحافية الصادرة مؤخراً، ومنها تلك التي نشرتها رويترز بتاريخ 21/4/2023، أن الوكالات الصحافية تحصل دون قيد على وثائق التحقيق السرية كما تأخذ علماً مسبقاً بنوايا المحققين والقضاة".
واعتبر سلامة أنه "أصبح واضحاً من جميع الأحداث التي رافقت التحقيقات الفرنسية أنها تعاكس مبدأ قرينة البراءة في تعاملها وفي تطبيقها الانتقائي للنصوص والقوانين، فبات جلياً أن القاضية الفرنسية أخذت قرارها بناء على أفكار مسبقة دون إعطاء أي قيمة للمستندات الواضحة المبرزة لها، وهذا ما يتضح أيضاً بتشنّجها الذي وصل مؤخراً إلى حدّ عدم التقيد بالأصول المفروضة في القوانين الفرنسية وفي المعاهدات الدولية".
كما اتهم سلامة بوروسي بالتدخل في عملية تعيين محامين فرنسيين عن الدولة اللبنانية، مشيراً إلى أن هذا الأمر نشر في العديد من الصحف اللبنانية، ما أدى إلى ارجاء جلسة الاستئناف المقدمة مني في آخر لحظة.
وختم حاكم البنك المركزي بيانه: "في حين أن التحقيق في فرنسا الذي تسبّبته الشكاوى الممنهجة المقدمة من قبل خصومي يسير بوتيرة متسارعة، فإن الدعوى التي تقدمت بها أمام القضاء الفرنسي بشأن ملف كريستل كريديت، والذي هو ملف لا أساس له، ظل راكداً ولم يحرك ساكناً لثلاث سنوات بالرغم من بذلنا العناية الواجبة".