مدن تونسية خالية من الشباب: هروب جماعي من البطالة

27 ابريل 2023
من تظاهرة للمطالبة بتوفير فرص عمل (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد سوق العمل في تونس تغيرات غير مسبوقة، وسط هجرة جماعية للشباب إلى الخارج هرباً منن البطالة سواء بشكل منظم أو غير منظم، حتى أضحت قرى ومدن خالية من الشباب في جنوب البلاد في مشهد لافت للأنظار.

وتواجه مختلف الأنشطة الاقتصادية صعوبات كبيرة، فضلاً عن عجز السلطات منذ أكثر من عشر سنوات عن توفير فرص للعمل، بينما كان الشغل على رأس المطالب التي رفعتها ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في السنوات الأخيرة تفاقمت مشكلة البطالة، إذ تصل وفق أحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي إلى 15.3% خلال الربع الثالث من العام الماضي 2022 بزيادة 0.5% عن نفس الفترة من 2021، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الواقعية تتخطي هذه المستويات بكثير.

يقول المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ"العربي الجديد" إن "الأزمات السياسية والاقتصادية في تونس تؤبّد مشكلات البطالة وترفع مستويات الحراك الاجتماعي والاحتجاجات المطالبة بالشغل"، مؤكداً أن تواصل الأزمات في البلاد يخلق مناخاً متوتراً وبنوك غضب لدى الفئات العاطلة.

ويضيف بن عمر: "تتاركم مشاكل العاطلين عن العمل في ظل مع عدم وجود سياسات اقتصادية واضحة وخطط تنمية ومشاريع خالقة للثروة.. الفئات الشابة التي تشكل طاقة إنتاج هي أولى ضحايا البطالة".

ويشير إلى وجود هجرة جماعية غير النظامية للشباب التونسيين، في ظل فقدان الأمل من وجود حلول لأزمة البطالة المتفاقمة، لافتاً إلى أن "هناك قرى ومدناً جنوب تونس أصبحت خالية من الشباب، حيث اندفعوا إلى رحلات هجرة غير النظامية عبر البحر نحو أوروبا".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويتابع أن الهجرة لم تعد تقتصر على فئة بعينها، موضحاً أن ضيق الأفق دفع الشباب المتعلم وغير المتعلمّ للهجرة، ولكل وسائله في ذلك، سواء عن طريق عقود العمل المنظمة للكفاءات وخريجي الجامعات أو عبر قوارب الموت لغيرهم ممن غادروا الدراسة مبكراً".

وتأتي أعداد الهجرة المتزايدة في ظل أوضاع معيشية صعبة بفعل معدلات التضخم المستمرة في الصعود. ووفق بيانات معهد الإحصاء الحكومي يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 613 ألف شخص في الربع الثالث من 2022.

ويعد الشباب الفئة الأكثر تضرراً من فقدان العمل حيث ارتفعت نسبة بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة 37.8% مقابل 37.2% في الربع الثاني من نفس العام. وتقدر هذه النسبة لدى الذكور بـ 38.5%، بينما بلغت 36.2% بين الإناث.

ويقول وزير التشغيل السابق فوزي عبد الرحمان إن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي تطرحه السلطة لا يقدم حلولاً لمشكلات ضعف النمو في البلاد، مؤكداً أن تونس تعتمد على "برنامج تقشف" ولا تمتلك مواصفات برنامج اقتصادي خالق للثروة.

ويؤكد عبد الرحمان في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سياسة التقّشف لم تنجح يوماً في أي مجتمع وأي ثقافة وهي نظرة لا تريد حلّ الإشكالات المعطلة لخلق الثروة وتوزيعها في العمق"، مضيفاً أن "حكومة نجلاء بودن لا تسطيع الإجابة عن السؤال المُلح والرئيسي وهو كيف ومتى سيتم خلق ثروة كافية ومستديمة".

ويشير إلى أن "ما تقدمه الحكومة من برامج وحلول يتوافق مع الفكر الغالب لصندوق النقد وهو في الغالب لم يثبت نجاحه في أي موقع"، مشدداً على أن تونس تحتاج إلى برامج تخلق ديناميكية في سوق العمل عبر تحفيز المؤسسات الاقتصادية والذي من شأنه توظيف حاملي الشهادات العليا بشكل خاص باعتبار أنهم يمثلون النسبة الكبرى من العاطلين عن العمل.

ويتابع: "كذلك تملك تونس أرضية قانونية جيدة لتحفيز الاقتصاد التضامني والاجتماعي عبر تفعيل قانون صادق عليه البرلمان عام 2020"، مشيراً إلى أن الاقتصاد التضامني الاجتماعي هو قطاع ثالث يضاف إلى القطاعين العام والخاص ويشمل كلّ المجالات الاقتصادية باعتباره نمطاً جديداً وخاصاً بالمبادرات الاقتصادية.

وتسمح كل نقطة نمو إضافية للاقتصاد بإحداث نحو 10 آلاف وظيفة جديدة سنوياً وفق بيانات رسمية. وخلال السنوات الثلاث الماضية لم تتخط نسبة النمو 4.3% كأحسن نسبة سنوية سُجلت في 2021، بينما لم تتجاوز مستوى 2.4% في 2022، في حين سجل الاقتصاد انكماشاً حاداً بنسبة 8.8% بسبب جائحة كورونا في 2020.

من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي إلى 3.3% فقط خلال العام الجاري و3.6% العام المقبل 2024، وفقاً للتقرير البنك الدولي حول آخر التوقعات الاقتصادية العالمية، الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي. لكن خبراء اقتصاد يرون أن فرص النمو الاقتصادي تبدو ضعيف في ظل الأوضاع المالية السيئة للدولة وتفاقم أعباء الديون.

ومن المقرر أن تسدد تونس أقساط قروض خارجية تتجاوز ملياري دولار خلال العام الجاري، فيما رصيد النقد الأجنبي لا يتعدى 7.3 مليارات دولار، وهو ما يغطي حالياً نحو 95 يوماً من الواردات، ما يضع الأسواق والعملة المحلية (الدينار) في مهب تقلبات بداية من أبريل/ نيسان الجاري، وفق محللين ومؤسسات مالية.

ولم تتمكن تونس مع نهاية الربع الأول من العام الجاري من تعبئة موارد مالية خارجية مبرمجة ضمن قانون الموازنة، بسبب تعثر اتفاق القرض مع صندوق النقد وتعليق الممولين الدوليين القروض إلى حين إتمام الاتفاق النهائي مع الصندوق.

المساهمون