سيكون على بلدان عربية ترتهن لتحويلات الملايين من مغتربيها بذل جهود لدى الاتحاد الأوروبي بهدف الحيلولة دون اتخاذ قرارات يمكن أن تفضي إلى تراجع تدفق تلك التي التحويلات التي تساهم في دعم رصيد النقد الأجنبي وتدعم طلب الأسر والاستثمار والموجودات لدى المصارف المحلية.
وتعد بلدان في المنطقة العربية، من بين الأكثر استهدافا بالتدابير التي تطبقها أو تلوح بها بلدان أوروبية بهدف محاصرة حرية تدفق تحويلات المغتربين، وهي تحويلات وصلت في البلدان النامية في المنطقة في العام الماضي إلى 61 مليار دولار، بزيادة بنسبة 7.6 في المائة.
ويلاحظ البنك الدولي في موجز صدر قبل أيام عن الهجرة والتنمية، أن التحويلات إلى المنطقة العربية، شكلت منذ وقت طويل أكبر مصدر لتدفقات الموارد الخارجية للبلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتضطلع تلك التحويلات كما تجلى في العام الماضي بدور مهم في دعم الموجودات من العملة الصعبة وتحسين الطلب في بلدان مثل مصر التي حصلت على 31.5 مليار دولار في العام الماضي، والمغرب 10.4 مليارات ولبنان 6.6 مليارات والأردن 3.6 مليارات والصفة الغربية وغزة 3.5 مليارات وتونس 2.2 مليار والجزائر 1.8 مليار.
تقييد التحويلات
ارتفعت أصوات في العديد من البلدان الأوروبية، خاصة فرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا، في الأعوام الأخيرة، تدعو إلى تقييد تحويلات المغتربين، بل إن فرنسا مثلا لجأت إلى فرض غرامات على كل شخص لا يصرح بموجوداته في بلدان أخرى، بمن في ذلك المغتربون.
واتخذت بعض الدعوات صبغة سياسية، فقد طالب اليساري أرنو مونتبورغ، الذي كان وزيرا للاقتصاد في فرنسا، بمنع تحويل الأموال من قبل شركة ويسترن يونيون إلى البلدان التي ترفض استقبال رعاياها المعتبرين في وضعية هجرة غير شرعية.
لم تكن تلك أول دعوة في فرنسا، بل عبر عنها مرشحا اليمين المتطرف إريك زيمو ومارين لوبان، هذه الأخيرة التي ستسعى بعدما أضحى حزبها ثالث قوة سياسية في البرلمان لتقديم مقترحات من أجل التضييق على المهاجرين.
وشرعت مصارف تابعة لبلدان يتحدر منها مغتربون في التواصل مع سلطات الرقابة المالية في بلدان أوروبية، وتقديم التماسات تطلب فيها معلومات حول ودائع المغتربين وطبيعة تحويلاتهم والنظام الجبائي الذي تخضع له تلك الودائع والتحويلات.
يذهب مسؤول بالبنك الشعبي المغربي، فضل عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن هناك تدابير مقيدة لنشاط بنوك أجنبية عاملة في أوروبا، هي موضوع بحث داخل الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر، مؤسس مؤسسة "ريميساس" التي تعنى بتتبع تحويلات الأموال عبر العالم، إنييغو موري، أن النقاش حول التحويلات، يتخذ طابعا سياسيا في أوروبا، حيث إن بعض التيارات السياسية تروج لتقييد التحويلات بدعوى محاربة غسل الأموال.
ويلاحظ في تصريح لـ"العربي الجديد" أن إسبانيا مثلا تفرض على كل من يقوم بتحويل 3 آلاف يورو في ثلاثة أشهر، أن يثبت مصدر تلك الأموال، مشددا على أن تبرير ذلك بمحاربة غسل الأموال فيه إجحاف في حق المهاجرين الذين يكدون في بلدان من أجل مساعدة أسرهم في بلدانهم الأصلية.
ويؤكد أن التحويلات التي يقوم بها المهاجرون، لها دور اقتصادي مهم في بلدان الاستقبال، حيث إنها توجه لأسر المهاجرين، الذين يعولون عليها في معاشهم، كما يوجهونها من أجل شراء سكن أو القيام باستثمار صغير يؤمن لصاحبه إيرادات عند العودة إلي البلد الأصل بعد التقاعد مثلا.
ضغط جبائي
ويسجل إنييغو موري أن إيطاليا مثلا عمدت إلى فرض ضرائب على تحويلات، خلال مناسبتين، في العشرة أعوام الأخيرة، مضيفا أن الضريبة الأخيرة لا تستهدف سوى التحويلات التي تتم في اتجاه بلدان خارج الاتحاد الأوروبي.
وكان خبراء عبروا عن تخوفهم من الإمعان في تضريب التحويلات، فقد ذهب ديليب راثا، كبير الخبراء الاقتصاديين ومدير وحدة الهجرة والتحويلات ورئيس شراكة المعارف العالمية للهجرة والتنمية التابعة للبنك الدولي، إلى رصد ضرائب على التحويلات يصل إلى حد "الازدواج الضريبي لدافعي الضرائب من المهاجرين".
وأكد أن "التحويلات عادة ما ترسل إلى الأسر الفقيرة لهؤلاء العاملين، فإنهم سيكونون هم من يتحملون تلك الضرائب في نهاية المطاف، ومن ثم، من المرجح أن تكون ضريبة تنازلية للغاية".
ويعتبر أن فرض ضريبة على التحويلات" سيؤدي إلى زيادة تكلفتها، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع التزامات مجموعة العشرين وهدف التنمية المستدامة المتمثل في خفض تكاليف التحويلات وزيادة تعميم الخدمات المالية".