تتجه حكومة تونس نحو تثبيت مطالب التمويل المباشر لخزينة الدولة عن طريق شراء سندات من البنك المركزي بدل اللجوء إلى الاقتراض من المصارف المحلية، بينما ترتفع حاجة الحكومة للقروض الخارجية في موازنة 2024 إلى أكثر من 5 مليارات دولار، منها حوالي 3.2 مليارات دولار لم تذكر الحكومة مصادرها.
ويُعرض أمام اللجنة المالية في مجلس نواب الشعب (البرلمان) مشروع قانون أحالته الحكومة لطلب المصادقة عليه يقضي بالسماح للبنك المركزي التونسي بتمويل الخزينة بعدما تمسك المركزي لمدة تزيد عن 8 سنوات باستقلاليته التامة التي حصل عليها بمقتضى قانونه الأساسي المصدّق عليه عام 2016.
وتتزامن مناقشة قانون يحد من استقلالية البنك المركزي مع اقتراب انتهاء عهدة محافظه مروان العباسي الذي يغادر منصبه في شهر فبراير/ شباط القادم بعدما قاد مسارا شاقا لمكافحة التضخم والحفاظ على استقرار العملة المحلية عبر سياسية مالية تقييدية مشددة منعت الحكومة من النفاذ المباشر إلى تمويل الخزينة من رصيد العملة المودع لدى البنك المركزي.
وتجد طلبات الحكومة بالتمويل المباشر للخزينة مساندة من الرئيس قيس سعيد، الذي دعا في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى ضرورة مراجعة القانون للسماح للبنك المركزي بتمويل الميزانية مباشرة عن طريق شراء سندات الدولة، وهي خطوة سبق أن حذر منها محافظ البنك مروان العباسي.
لكن رئيس اللجنة المالية في مجلس نواب الشعب عصام شوشان يقول إن المجلس مطالب بتغليب المصلحة العليا للبلاد والتمسك بآليات كبح التضخم والحفاظ على قيمة الدينار التونسي تجنبا لأي انفلات تضخمي أو تهاو سريع لقيمة العملة.
ويضيف شوشان في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدور الرئيسي للبنك المركزي التونسي وفق بنود قانونه الأساسي لعام 2016 هو مكافحة التضخم، مؤكدا أن لمؤسسة الإصدار النقدي أيضا دورا في الإنعاش الاقتصادي لكن وفق مقاييس مضبوطة.
وأفاد المتحدث بأن اللجنة تنوي توسيع المشاورات بشأن القانون المحال من الحكومة ولن تتأخر في القيام بالتعديلات اللازمة تجنبا لأي ضرر قد يحصل جراء النفاذ المباشر لأموال البنك المركزي من أجل تمويل الموازنة.
وتابع: "هناك مخاوف حقيقية من انفلات التضخم وانهيار قيمة العملة في صورة تمويل الموازنة من رصيد البنك المركزي، ولا سيما إذا كانت الحاجيات التمويلية من النقد الأجنبي".
وحذر محافظ البنك المركزي في 2022 من أن خطط الحكومة لمطالبة المركزي بشراء سندات خزانة لها مخاطر حقيقية على الاقتصاد، بما في ذلك مزيد من الضغط على السيولة وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة التونسية.
وقال إن التمويل المباشر للميزانية من قبل البنك المركزي سيرفع التضخم بشكل لا يمكن السيطرة عليه وقد يصل إلى ثلاثة أرقام، محذرا من أن ذلك قد يقود إلى "تكرار السيناريو الفنزويلي في تونس".
ويضع برلمانيون تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي تحتاجها البلاد في إطار معاضدة الجهود الحكومية في تعبئة موارد مالية لفائدة الموازنة بأقل كلفة ممكنة، في ظل ارتفاع نسب الفائدة على القروض الممنوحة للدولة محلياً ودولياً.
ويعتبر المدير العام السابق للسياسات النقدية محمد سويلم أن من المهام الأساسية للبنوك المركزية إدارة وتطوير الأسواق المالية عبر آليات صارمة وفقاً لمعايير دولية يتم في ضوئها تصنيف مؤسسات إصدار النقد من قبل وكالات التصنيف الائتماني.
وقال سويلم في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن النفاذ المباشر إلى التمويلات من خزينة البنك المركزي يؤدي إلى فقدان المؤسسة المالية القدرة على التحكم في الكتلة المالية، ما يؤدي إلى ارتفاع في التضخم تصعب السيطرة عليه لاحقاً.
وعانى التونسيون من تداعيات التضخم على معيشتهم، حيث تشهد الأسواق ارتفاعا تاريخيا للأسعار، كما تراجع مستوى عيش طبقات واسعة من الموطنين بسبب فقدان القدرة على الإنفاق وارتفاع نسب التداين الأسري.
ارتفع متوسط معدل التضخم في تونس إلى 9.3% في عام 2023 مقابل 8.3% في 2022 متأثرا بارتفاع أسعار الغذاء، بحسب ما ذكره معهد الإحصاءات الحكومي الأسبوع الماضي.
ومنذ ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022 يبقي البنك المركزي التونسي سعر الفائدة في مستويات مستقرة عند مستوى 8%، بعد رفعها في ثلاث مناسبات على امتداد العام ذاته بهدف محاصرة التضخم. ورفع البنك في نهاية ديسمبر 2022 سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة أساس لتصل إلى 8%، كما سبقتها زيادة في أكتوبر/ تشرين الأول بربع في المائة لتصل إلى 7.25%.