مخاوف من اضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار بتركيا بعد تهاوي الليرة

24 نوفمبر 2021
متجر فواكه في إسطنبول (getty)
+ الخط -

فاق تهاوي الليرة التركية، أكثر التوقعات تشاؤماً بعد فقدانها 6% خلال ليلة واحدة، بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليل الإثنين، وإعلانه مواصلة الحرب على أسعار الفائدة المرتفعة، لتهوي العملة التركية، أمس الثلاثاء، إلى أكثر من 13 ليرة مقابل الدولار، وهو أدنى سعر تصل إليه الليرة منذ إلغاء الأصفار الستة في يناير/ كانون الثاني عام 2005.
وكان الرئيس التركي، قد جدد مساء أول من أمس، رفضه القاطع لرفع أسعار الفائدة في بلاده، ومؤكداً على مواصلته مكافحة ذلك، واصفاً ما تشهده بلاده هذه الأيام من خفض لأسعار الفائدة يقابلها انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية، بـ "حرب الاستقلال الاقتصادي".
وأضاف أردوغان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع للحكومة، أن زيادة الأسعار الناتجة عن ارتفاع سعر الصرف لا تؤثر تأثيرًا مباشرًا في الاستثمار والإنتاج والتوظيف، وأنه يفضل سعر صرف تنافسيا لأنه يجلب زيادة في الاستثمار والتوظيف.
وفي حين ألقى أردوغان باللوم أيضا في ضعف الليرة التركية على ما قال إنها مناورات تحاك بشأن سعر الصرف وأسعار الفائدة، أكد أن بلاده ستخرج منتصرة من حرب الاستقلال الاقتصادي كما فعلت ذلك في بقية المجالات.
وبيّن الرئيس التركي خطة أنقرة من تخفيض سعر الفائدة وأنها "مصممة على فعل ما هو صحيح ومفيد بالتركيز على الاستثمار، والإنتاج، والتوظيف، وسياستنا الاقتصادية الموجهة نحو التصدير، ملوحاً لمن وصفهم باستغلال تراجع سعر صرف الليرة ورفع الأسعار". وقال: "لن نسمح للانتهازيين برفع أسعار السلع على نحو مفرط بذريعة ارتفاع سعر الصرف، وسنواصل الكفاح ضد هؤلاء".
ويرى المحلل التركي، جيواد غوك، أن "سياسة الرئيس أردوغان ستجر الاقتصاد إلى الانهيار" لأن مخالفة علم الاقتصاد ومنطق السوق، بحجة محاربة الفائدة المرتفعة، أدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الفقر، بعد تآكل أجور الموظفين، ودفع عجلة الاقتصاد إلى التباطؤ، في ظل الترقب وشبه جمود الأسواق اليوم.
ويضيف غوك لـ"العربي الجديد" أن بلاده تمر بمرحلة "صعبة جداً" وستستمر المشاكل وارتفاع الأسعار وتهرب الاستثمارات "ولن يفيد تركيا ما يشاع عن تحفيز الإنتاج وزيادة الصادرات" واصفاً الإجراءات الحكومية بالخاطئة وفي الوقت الخاطئ، ففي حين يعاني العالم من ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية وتدخل الدول الكبرى لمنع انهيار اقتصادها "يقوم الرئيس بتخفيض سعر الفائدة وزيادة المشاكل الاقتصادية".
وحول إمكانية التدخل المباشر من المصرف المركزي وضخ كتل دولارية لتحسين سعر الصرف واستعادة الليرة ثقتها، يقول المحلل التركي غوك: "لا يمكنهم فعل ذلك لأن الخزانة فارغة بعدما اختفى وزير المالية السابق، براءت البيرق واختفى معه 128 مليار دولار" واصفاً الحكومة التركية، بالمكبلة ومكتوفة الأيدي، خاتماً: "لماذا أعاد الرئيس أمس إشعال نيران الأسواق عبر تصريحاته بدلاً من إطفائها؟".
ويصف المحلل، يوسف كاتب أوغلو ما يجري بالأسواق بـ"معركة كسر العظم" بين ما سماهم لوبي الفوائد والحكومة التركية، مؤكداً مضي بلاده بسياسة الفائدة المنخفضة وعدم ترك تركيا سوقاً للمضاربة وتحقيق الأرباح عبر الفوائد المصرفية المرتفعة، لأن الخطط الموضوعة تهدف إلى تفعيل القطاعات الإنتاجية وامتصاص فائض البطالة وزيادة الصادرات، وليس تحويل تركيا لمصرف يعطي أعلى فوائد مصرفية بمجموعة العشرين.


وحول مآل سعر الصرف يضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد": ليس مستبعداً أن يستمر التراجع للعملة التركية، لكن لا بد للأسواق أن تعي الخطط الاستراتيجية وتمتص الفورة التي وصفها بـ"مخاوف مشروعة" لكن أسبابها، نفسية وسياسية وليست اقتصادية، بدليل نمو جميع المؤشرات الاقتصادية، وبمقدمتها نمو الناتج المحلي وجسر فجوة الميزان التجاري وزيادة الصادرات.

وجواباً على ماذا ستفعل الحكومة التركية بواقع استمرار تراجع سعر صرف الليرة، وهل يمكن أن نرى تدخلاً مباشراً من المصرف المركزي كما فعل خلال عام 2018 وقت قيل عن ضخ 20 مليار دولار بالسوق، يقول المحلل التركي: هناك حزمة من الخطوات و"المفاجآت" سيتم رميها بالأسواق منذ الغد، بالتوازي مع زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان لأنقرة، وستعلن تركيا عن مبالغ استثمارية مباشرة، معتبراً التدخل المباشر من المصرف المركزي "آخر الحلول لإطفاء النيران" لكنه غير مستبعد إن استمر "لوبي الفوائد" بحربه على تركيا وعملتها ومعيشة مواطنيها.

وفي حين تشهد الأسواق التركية ترقباً لاستقرار سعر العملة، تراجعت بحسب مصادر لـ"العربي الجديد" عمليات بيع وشراء العقارات والسيارات والأثاث المنزلي، وتنشط بالمقابل السوق النقدية ويصفها المراقبون بالمحمومة بفعل المضاربات وتبديل صغار المكتنزين ما بحوزتهم من ليرة بعملات أجنبية أو ذهب.
ويرى الاقتصادي التركي خليل أوزون، أنّ "بلاده تعيش حرباً اقتصادية حقيقية" فبعدما فشلت محاولة الانقلاب والسيطرة على قرار تركيا: "ها نحن نشهد آخر الأسلحة اليوم" متوقعاً أن تستمر الليرة بالتراجع خلال الفترة القصيرة المقبلة، لكن "ستحدث مفاجآت وتدخل من الحكومة، لتنقلب الأزمة" برأيه إلى نعمة على الاقتصاد التركي. ويتساءل أوزون خلال تصريحه لـ"العربي الجديد": "ما هو سعر الفائدة المصرفية بدول العشرين، ولماذا رأينا هذه الحرب حين أرادت تركيا أن تخفض سعر الفائدة، لا أن تخفضها لمعدلات صفرية أو 1% كما المصارف المركزية بالدول الكبرى؟".
وحول ما يمكن أن تفعله الحكومة لتخفيف الضغط عن المستهلكين الأتراك، بعد ارتفاع الأسعار وتعدي كلفة معيشة الأسرة التركية 10 آلاف ليرة شهرياً، يقول أوزون: "لا أشك أن بجعبة الحكومة الكثير منها رفع الحد الأدنى للأجور إلى أكثر من 5 آلاف ليرة وربما تدخل مباشر ولكن تنتظر الآن لتتضح الصورة ويكون التدخل مجدياً".
في المقابل، يرى مختصون أنّ تركيا بسياستها النقدية واستخدام أداة الفائدة خصوصاً "تعاكس علم الاقتصاد" إذ من البديهي برأيهم، أن ترفع سعر الفائدة بواقع استمرار تراجع سعر العملة الوطنية، وليس العكس لتزيد المخاوف والتضخم.

موقف
التحديثات الحية


فالحالة التركية، برأي أستاذ النقد مسلم طالاس، هي حالة ارتفاع مستمر في التضخم، والسياسة النقدية المتوقعة في مثل هذه الحالة هي رفع معدل الفائدة من أجل كبح الاقتراض وتخفيف الكتلة النقدية في السوق، ومن ثم تخفيف القدرة الشرائية.
ويقول طالاس خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" إنّ هذه السياسة النقدية التي تتبعها الحكومة التركية، والتي تعاكس ما هو متعارف عليه في علم الاقتصاد، تثير سؤالين: الأول هو لماذا تفعل الحكومة ذلك؟ والثاني إلى أين يمكن أن يؤدي ذلك؟


ليجيب عن السؤال الأول بأنّ الحكومة تتبع منطق السياسة أو الاستمرار في الحكم. فالحكومة التركية أمام استحقاقات سياسية مصيرية خلال فترة أقل من سنتين، وأي سياسة نقدية متشددة (رفع الفائدة) قد تتسبب في كبح النمو الاقتصادي على المدى القصير، وهو ما قد يتسبب في فقدان فرص العمل ويرفع معدل البطالة المرتفع أصلاً.

وقد يكون هذا مكلفاً في صندوق الانتخابات، آخذين بالاعتبار أن النسبة الكبرى من المصوتين للحكومة هم من ذوي الميول الإسلامية وهم لديهم حساسية دينية تجاه الفائدة، وهذا التعامل مع معدل الفائدة يدغدغ عواطفهم بشدة.

وأما الاحتمال الثاني، أنّ لدى الحكومة نظرية اقتصادية خاصة بها، تعاكس علم الاقتصاد التقليدي. ربما يكون الأمر كذلك، على الرغم من أنني لا أرجحه أبدا. لكن الأمر مثير لاهتمام الباحث والمراقب أن ينتظر ويرى ما الذي يحدث في هذا الصراع بين علم الاقتصاد والحكومة التركية، أو بين النظرية الاقتصادية التقليدية والنظرية الاقتصادية للحكومة التركية.