مخاوف متصاعدة من غزو المهاجرين سوق العمل الدنماركي

16 يونيو 2023
زيادة ملحوظة في نسبة المساهمة بالخدمات وأعمال التنظيفات (العربي الجديد)
+ الخط -

رغم أن المهاجرين في الدنمارك لا يشكلون أكثر من 15% من مجموع السكان (نحو 5.5 ملايين نسمة)، إلا أن هناك زيادة ملحوظة في نسبة من يساهمون في قطاع الخدمات وأعمال التنظيفات، وبصورة خاصة من قبل النساء. إلى جانب زيادة ملحوظة بالنسبة للمنحدرين من خارج أوروبا في الانخراط بسوق العمل مقارنة بالفترة السابقة لجائحة كورونا.

وفقا لأرقام حديثة صادرة عن مجلس الأعمال (دانسك إربفاو Dansk Erhverv)، فإن قطاع التنظيفات يمكن أن ينهار لو أن المهاجرين، وبشكل خاص النساء من غير الغربيات، لم يشاركوا فيه بنسبة 51.4%.

وبحسب الأرقام التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، وبيانات حركة العمل في الدنمارك، يبدو أن الدنماركيين باتوا أكثر عزوفا عن الأعمال التي تتطلب جهدا عضليا كبيرا، كقطاع التنظيفات، والتي تشمل القطاعين الخاص والعام.

أضف إلى ذلك، وبحسب أرقام صادرة يوم 14 مايو/أيار الماضي، بات من هم من أصول مهاجرة عموما يشاركون بنسبة كبيرة في الصناعات الخدمية، فإلى جانب التنظيفات يشكلون نسبة 32% من قطاع وكالات السفر والخدمات التشغيلية، بينما في الزراعة وصيد الأسماك 31.9%، والفنادق والمطاعم 29.7%.

ونصيب المهاجرين من أصول غير غربية، بحسب مجلس الأعمال التابع للحركة العمالية، وأرقام هيئة الإحصاء الدنماركي عن 2022، يشكل نحو 15% في المتوسط من تلك الأعمال، بينما قطاع النقل يساهمون فيه بنسبة 9%.

أنماط السوق وخشية الاستقطاب

القائمون على أنماط سوق العمل الدنماركي يرون أن تلك الصناعات المذكورة كانت ستنهار لولا أن العديد من المهاجرين يشاركون فيها. عمليا يبدو من الواضح أن نصف من يقومون بأعمال التنظيفات هم من تلك الأصول المهاجرة، بينما تتراجع نسبة مشاركة الدنماركيين فيها، رغم أن قطاع النظافة المتخصص في شركات سيارات نقل القمامة يعد من أعلى الأجور في البلد ويخضع لتنافس قوي، يُخشى أن يخلق استقطابا غير محمود في سوق العمل، وفقا لتحذيرات بعض الباحثين في تطور مشاركة الفئات المحسوبة على أصل إثني غير أوروبي.

الصورة
الدنمارك العربي الجديد 4

ويرى الباحث في سوق العمل الدنماركي بجامعة أُولبورغ (شمال)، راسموس ليند رافن، أن التطور في قطاع التنظيفات تسارع بشكل كبير منذ 2010، إذ لم تكن نسبة المهاجرين تشكل أكثر من 32% (مقابل 51% اليوم).

وبحسب ما ذهب إليه رافن في تعقيبه على الأرقام، فإن المؤشرات تشير إلى أن من هم من أصول دنماركية "لم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء تولي هذه الأنواع من الوظائف".

ومن ناحيته، يشير لـ"العربي الجديد" الباحث في شؤون الهجرة، جون فيسترغورد، إلى أن "العمل الشاق في صناعة التنظيفات قد يكون واحدا من أسباب عزوف الدنماركيين عنها، أضف إلى ذلك أن ساعات العمل فيها قد تعتبر سببا ثانيا".

وأشار إلى أن أنماط العمل وقضاء الأوقات مع الآخرين، وخصوصا أن أعمال التنظيفات تجري عموما بعد انتهاء الدوام الرسمي في البلد "تجعل البعض من الدنماركيين يختارون أعمالا خدمية أخرى".

ورغم أن الأرقام لا تخطئ، وخصوصا أنها صادرة عن جهات مختلفة وتتفق على تلك النسب المئوية، ترفض رئيسة قسم التحليل من مجلس الأعمال التابع للحركة العمالية (آي إي)، إميلي أغنر دام، فرضية أن الدنماركيين لا يريدون تولي هذا النوع من الوظائف. واعتبرت أن الكثيرين يختارون الانضمام إلى سوق العمل بناء على معدل الرواتب.

سوق التنظيفات يمنح بالفعل رواتب جيدة باحتساب ساعات العمل. ويؤكد أحد المشاركين في سوق التنظيفات من أصل عربي، مرتضى قاسم، أنه بدأ قبل سنوات كعامل في هذا القطاع، "والآن بتّ أملك شركة تنظيفات توظف بعض النساء والرجال ويتعلق الأمر بالبنوك وبعض القطاعات العامة، كالمسارح وغيرها".

الصورة
الدنمارك العربي الجديد 3

وأكد قاسم لـ"العربي الجديد" أن العديدين "يختارون هذا العمل لأنه يوفر لهم أجرا جيدا من ناحية، وهو مجرد وقت ريثما يتعلمون اللغة ويواصلون طريقهم نحو الدراسة أو التأهل لأعمال أخرى". وأشار إلى أن "نساء عديدات يرينه عملا مفضلا لهن بعد سنوات من البطالة، إذ لا يضعهن تحت ضغط العمل في شركات أو معامل، رغم أن كثيرات يعتبرنه طريقا وسيطا قبل الانتقال لمهن أخرى".

وتؤكد من ناحيتها إحدى الباحثات أن مستوى التعليم يساهم في عزوف البعض عن تلك الأعمال، وشددت على أنها ستشعر "بقلق إذا ما أصبح النمط ثابتا في عزوف الدنماركيين عن تلك الأعمال".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ولا تعني تلك الأرقام أن مستوى التعليم عند من هم من أصول مهاجرة أدنى مما هو لدى الدنماركيين. فالأرقام تبين أن معظم من ينضمون من أصول مهاجرة إلى سوق الخدمات، إما هم من الذين تعوزهم المؤهلات واللغة للالتحاق بأعمال أخرى، أو من الذين كانوا خارج أسواق العمل لسنوات طويلة، وبشكل خاص النساء من خارج أوروبا.

رغم ذلك، يؤكد فيسترغود لـ"العربي الجديد" خشيته من حدوث استقطاب غير مريح في سوق العمل "فأغلبية المشاركين في تلك الصناعة نساء كن خارج سوق العمل لسنوات، وتنقصهن مهارات ولغة دنماركية، وبالتالي أخشى أن يتحولن إلى أمر ثابت ومسلم به، على اعتبار التنظيف الوظيفة الوحيدة لهن".

أرقام ومؤشرات أخرى

واقعيا، تشير الأرقام عن "الإحصاء الدنماركي" عن الأشهر الأخيرة من العام الحالي إلى عمليات توظيف قياسية لمن هم من أصول مهاجرة في أسواق العمل الدنماركية، وأصبحت بذلك نسبة المنخرطين في الأعمال أكثر من 58%. وانضم نحو 16 ألفا إلى السوق خلال الفترة التي تلت جائحة كورونا، ويصل عدد هؤلاء في سوق العمل الدنماركي نحو 180 ألفا، وخصوصا في قطاعات هامة للمجتمع، كالرعاية والخدمات.

الصورة
الدنمارك العربي الجديد 1

ورغم تحسن مشاركة الأصول المهاجرة في السوق الدنماركي، مقارنة بسنوات ماضية، إلا أن بعض الباحثين يحذرون من جعل الانضمام إلى سوق العمل في صورة تحول بعض المهاجرين إلى البقاء في دائرة العمل غير الماهر، أو بوظائف منخفضة الأجر، أو استغلالهم بسبب نقص الكفاءات والمهارات اللغوية، وهو ما يجري بحق لاجئين ومن يعيشون متخفين عن أنظار السلطات، بحسب ما يؤكده الباحث فيسترغورد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتشير أرقام هيئة الإحصاء في الدنمارك إلى أن أصحاب الأجور المنخفضة بين المواطنين من أصول مهاجرة هم أكثر من أولئك من أصحاب الأجور المرتفعة، وخصوصا على مستوى المسؤوليات الإدارية. ومثل فيسترغورد حذر الباحث رافن من أنه "إذا لم ينعكس الاتجاه فسنكون أمام حالة استقطاب في سوق العمل الدنماركي".

وبالنسبة لمرتضى قاسم (صاحب شركة تنظيفات) فهو يرى أن من يرغب بالحفاظ على أجر مرتفع "يجب أن ينضم إلى نقابة عمالية ليضمن تفاوضا على راتبه، وبألا يجري استغلال أصحاب الشركات لهم".

الحل الأمثل عند باحثين دنماركيين في سوق العمل هو في "رفع مستوى المؤهلات، فضمان الراتب الجيد يكون من نصيب ذوي التعليم الجيد، الذين تصبح علاقتهم أقوى بسوق العمل"، كما أكد فيسترغورد لـ"العربي الجديد".

وتواجه الدنمارك تحديا مستقبليا في حاجتها لليد العاملة الماهرة، وبشكل رئيس في قطاعات خدمية واجتماعية تتعلق بدولة الرفاهية. وبدأت الآن تركز على ما لديها من خزان مهاجرين يجد نفسه خارج السوق، من خلال تشجيع التعلم على بعض المهن التي تعطي مردودا ماديا جيدا، وتتعلق تحديدا في مجال التمريض والرعاية الصحية عموما.

ومنذ عام 2016 تزايدت أرقام من هم من صلب المهاجرين غير الغربيين الملتحقين بسوق العمل في الدنمارك. ورغم أن معدل التوظيف شهد ركودا خلال 2022، إلا أن فارقا واضحا بين نسبة المنخرطين منهم في العمل بواقع 58% ونسبة من هم من أصول إثنية دنماركية التي تفوق 75%، أي بفارق نحو 17%.

ومع ذلك، يشعر المتخصصون في سوق العمل ومشاركة المهاجرين فيه بحماسة بسبب انخفاض البطالة بينهم، معيدين ذلك إلى رغبتهم في قبول الكثير من الأعمال التي يتراجع فيها مشاركة الدنماركيين، كما هو الحال في قطاع التنظيفات والفنادق والمطاعم والصحة.

وزادت منذ الربع الثاني لعام 2020 حتى الربع الرابع من 2022 نسبة النساء من أصول مهاجرة الملتحقات بسوق العمل، حيث زادت عموما مساهمة العمالة من أصول مهاجرة في 18 صناعة دنماركية.

وتشير الأرقام إلى أن 34 ألف شخص منهم التحقوا بسوق العمل بشكل ثابت منذ فترة الإغلاق في الربع الثاني من 2020، وهي أعلى أرقام توظيف بينهم على الإطلاق.

أضف إلى النسبة المئوية تلك (للملتحقين بوظائف 58%)، فإن المزيد من أبناء المهاجرين يتوجهون نحو تأسيس أعمالهم الخاصة، أي يعملون لحسابهم، ويراهن القائمون على حاجات السوق الدنماركي للعمالة على أن تحسين جهود التوظيف ودمج المزيد من المهاجرين غير الغربيين، والقفز عن التمييز بناء على الاسم واللون، تمكن من تجسير هوة الـ17% بين الدنماركيين وذوي الأصول المهاجرة في السوق.

الصورة
الدنمارك العربي الجديد 5

ويتخذ هؤلاء من القفزة بواقع 7.4 نقاط مئوية أكثر مما كانت عليه قبل كورونا بالنسبة للنساء المهاجرات الملتحقات بسوق العمل، كمؤشر على إمكانية دمج المزيد منهن ومن الرجال في السوق الدنماركي الذي يُتوقع له نقص في اليد العاملة.

وزادت نسبة الرجال المهاجرين الملتحقين بأعمال الخدمات الاجتماعية والصحية والصناعة بنحو 5%، ويبدو أن العدد الأكبر منهم يحتفظون بوظائفهم. والنساء المهاجرات يعملن بالدرجة الأولى في الخدمات الصحية والاجتماعية، بينما يعمل الرجال المهاجرون بدرجة أكبر في الصناعة والنقل.

المساهمون