تتصاعد المخاوف الأميركية من جموح التضخم مع تزايد مباعث القلق من الأزمة الأوكرانية المتصاعدة، فيما المواد الأولية وأسعار الطاقة آخذة بالارتفاع وتهدد بمزيد من تزايد تكاليف الإنتاج وغلاء الأسعار.
فقد حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، الخميس، من أن غزو روسيا أوكرانيا، الذي رفع بالفعل أسعار النفط، سيرفع أيضا من معدلات التضخم المرتفعة بالفعل بالنسبة للاقتصاد الأميركي، وفقا لأسوشييتد برس.
وقال إنه ملتزم في الوقت نفسه بالقيام بكل ما في وسعه لإبطاء التضخم، ما يعكس التحدي الخطير الذي يواجهه الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة بما يكفي لمواجهة ارتفاعات الأسعار من دون دفع الاقتصاد إلى ركود آخر.
أضاف باول أمام لجنة مجلس الشيوخ المصرفية، في ثاني أيام شهادته نصف السنوية أمام الكونغرس بشأن سياسات أسعار الفائدة، أنه يعتقد بأن الاقتصاد قوي بما يكفي لتحمل تكاليف إقراض أعلى. عكس تعبيره عن الثقة في شهادته الأربعاء بأن الفيدرالي بإمكانه تنفيذ "هبوط ناعم" يبطئ فيه الاقتصاد بما يكفي لتخفيف التضخم، وفي الوقت نفسه استمرار التوظيف والنمو بمعدلات جيدة.
وقال باول عند سؤاله عن التبعات الاقتصادية لغزو روسيا أوكرانيا: "ارتفعت أسعار السلع- أسعار الطاقة على وجه الخصوص. وسيصل هذا إلى الاقتصاد الأميركي. سنرى ضغطا متزايدا لارتفاع التضخم، على الأقل لفترة ما".
وارتفعت أسعار الاستهلاك بالفعل لتصل إلى أسرع وتيرة لها خلال 4 عقود، فقفزت 7.5% من يناير/ كانون الثاني مقارنة باثني عشر شهرا قبلها. وارتفعت أسعار الغاز وهي دافع رئيسي لتلك الزيادة 40% خلال العام الماضي. وفي نظر معظم خبراء الاقتصاد، يعد ارتفاع التضخم نتيجة لنقص العمالة والمكونات الذي سبب خنق سلاسل الإمداد، وكان ذلك بالأساس بسبب التعافي الاقتصادي العالمي السريع من ركود الجائحة.
لكن ارتفاع الأسعار انتشر أيضا إلى مجالات أخرى كالإيجارات ووجبات المطاعم، بينما يرفع النمو الاقتصادي السريع وارتفاع مستوى الأجور أيضا التكاليف.
وردا على سؤال من السناتور ستيف داينز الجمهوري عن مونتانا، أشار باول إلى أنه يعتقد أن التضخم عامة سيرتفع نحو 0.2 نقطة مئوية لكل زيادة 10 دولارات في سعر برميل النفط.
النفط يسجل بعض التراجع بعد صعود كبير
وبعد ارتفاع قوي جدا أمس الأربعاء، انخفضت العقود الآجلة لمزيج برنت عند التسوية اليوم الخميس قليلا بمقدار 2.47 دولار أو 2.19%، لتبلغ 110.46 دولارات للبرميل، كما تراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي 2.93 دولار أو 2.65% لتبلغ 107.67 دولارات.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال المحلل في "بنك يو بي إس" جوفاني ستونوفو إن "شائعات السوق التي أثارتها مصادر إيرانية، ولا سيما الصحافي رضا زاندي، "بشأن اتفاق مع إيران في الأيام المقبلة" تسببت في انخفاض أسعار النفط الخام.
ويشرح المحلل الاقتصادي تاماس فارغاس، في شركة "بي في إم" للنفط، أن ارتفاع أسعار النفط الذي يمكن تفسيره بالحرب في أوكرانيا إضافة إلى "علاوة المخاطر" المفروضة على العرض النفطي الآتي من روسيا، تفاقم "بسبب حالة عدم اليقين (...) والتعديل في عمليات المضاربة".
ويضيف فارغاس "في حين لم تصل العقوبات الغربية إلى حدّ منع الصادرات الروسية، إلا أن عرض الخام والمواد النفطية من روسيا قد تضرر كثيراً"، لا سيما "بسبب أن العقوبات المالية التي تجعل مستحيلاً القيام بعمليات شراء نفط مع روسيا".
وتعتبر المحللة الاقتصادية إيبيك أوزكارديزكايا من مصرف "سويس كووت" أن الشركات الغربية "عاقبت نفسها" بتوقفها عن شراء النفط الروسي، وصارت "تفضّل البحث عن حلول أخرى لأن خطر فرض عقوبات يرتفع توازياً مع ارتفاع حدة الحرب في أوكرانيا".
وتوضح أن "سحب الاستثمارات" و"الحد من الاعتماد على النفط الروسي" يسهلان على الغرب فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، "في حال لم تردع العقوبات الهجوم الروسي".
أسعار المواد الأولية
في غضون ذلك، واصلت أسعار المواد الخام الأخرى التي تعتبر روسيا منتجا رئيسيا لها ارتفاعها المحموم. ووصل الألمنيوم والفحم إلى مستويات قياسية جديدة، بينما وصل القمح إلى أعلى مستوى له منذ 14 عاما. وتمثل روسيا وأوكرانيا 30% من تجارة القمح العالمية.
ووصل سعر طن الألمنيوم الخميس إلى 3755 دولارا في سوق المعادن الأساسية بلندن (بورصة لندن للمعادن)، وهو ارتفاع تاريخي جديد، في حين ارتفع النيكل إلى 27976 دولارا للطن وهو سعر قياسي لم يسجل من أحد عشر عاما.
وسجل مؤشر بورصة لندن للمعادن، وهو مؤشر يتضمن أسعار الألومنيوم والنحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك المتداولة في بورصة لندن للمعادن، أعلى مستوى تاريخي له عند 5046.7 نقطة الأربعاء، بارتفاع يزيد عن 30% على مدار عام واحد.
الذهب والمعادن
وارتفع البلاديوم إلى أعلى مستوياته في 7 أشهر الخميس، في انتعاش نجم عن مخاوف بشأن المعروض من روسيا، أكبر منتج، في حين زاد سعر الذهب نتيجة توقع عدم رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة والطلب على الملاذ الآمن بسبب الأزمة الأوكرانية.
وارتفعت الأسعار الفورية لأونصة البلاديوم 3.7% إلى 2768.21 دولارا بحلول الساعة 13:43 بتوقيت غرينتش مرتفعة للجلسة الرابعة، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف يونيو/ حزيران 2021 في وقت سابق من الجلسة.
وارتفع سعر أونصة الذهب في المعاملات الفورية 0.2% إلى 1929.11 دولارا. وارتفعت العقود الأميركية الآجلة 0.5% إلى 1931.6 دولارا.
وبالنسبة للمعادن الأخرى، ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية 0.3% إلى 25.32 دولارا للأونصة، بينما ارتفع البلاتين 1.8% إلى 1089.82 دولارا.
تراجع حاد للأسهم الأوروبية
وأغلقت الأسهم الأوروبية على تراجع حاد اليوم الخميس، إذ ضغطت المخاوف المتعلقة بأثر العقوبات المتزايدة على روسيا على المعنويات، حتى على الرغم من دعم الصعود المستمر لأسعار السلع لأسهم شركات التعدين.
وتراجع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي اثنين بالمئة وتخلى عن مكاسب متواضعة حققها بعد الفتح بفترة وجيزة. وقادت أسهم شركات السفر والبيع بالتجزئة الخسائر التي كانت من نصيب قطاع عريض من الشركات.
لكن مؤشر شركات التعدين ارتفع 0.6% ووصل إلى أعلى مستوى منذ 2008 خلال الجلسة. وستوكس 600 في طريقه لتسجيل انخفاض أسبوعي للأسبوع الثالث على التوالي وأسوأ أداء أسبوعي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتراجع مؤشر قطاع النفط والغاز الأوروبي 3.8% مبتعدا على ذروة عامين. وتراجع مؤشر قطاع البنوك 1.6% ليواصل انخفاضا حادا شهده هذا الأسبوع بسبب مخاوف متعلقة بانكشافها على روسيا، إضافة لتراجع توقعات رفع سعر الفائدة من المركزي الأوروبي.