مخاطر عقود آجلة غير قابلة للتسليم NDF في مصر

12 أكتوبر 2022
البنك المركزي المصري يحاول تلمس الحلول لأزمة عملته (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد امتناعه عن رفع معدلات الفائدة على الجنيه المصري في اجتماعين متتالين، في وقتٍ رفع فيه بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الفائدة على أمواله، وتبعته أغلب البنوك المركزية حول العالم، بدا واضحاً أن البنك المركزي المصري يحاول تلمس الحلول لأزمة عملته خارج صندوق البنوك المركزية المعتاد.

تأخر صندوق النقد الدولي في إقراض مصر، وتمنعت السعودية والإمارات والكويت، وأبت قطر أن تكون "في الفرح منسية وفي الهم مدعية" ولم تسمح ظروف سوق السندات الدولية، وما طرأ عليها من ارتفاع معدلات الفائدة، وتزايد المخاطر حول العالم، وارتفاع تكلفة التأمين على الديون المصرية، بإصدار سندات جديدة تقترض بها الحكومة المصرية بضعة مليارات من الدولارات، فازداد تأزم الموقف.

قدمت الحكومة المصرية عروضاً لبيع حصص حكومية في بعض أفضل الأصول والشركات المصرية، ولم تلق النجاح المأمول، فلجأت إلى عمل "أوكازيون" في شهر مارس/آذار الماضي، بتقديم خصم على سعر البيع، في صورة تخفيض قيمة الجنيه المصري، بنسبة 15%، فلم تتمكن من جمع أكثر من ملياري دولار من الإمارات، بينما فضلت السعودية ترقب عروض أفضل.

حاول البنك المركزي تقديم خصومات أخرى، بتخفيض سعر العملة المصرية بنسب ضئيلة وبصورة متدرجة، بحثاً عن مستوى يرضي المشترين، وفي نفس الوقت لا يصدم المواطنين، فبدأ الاهتمام من "الأشقاء في الخليج" لشراء المزيد من الأصول يظهر، إلا أن "الحفرة" كانت كبيرة، ولم تسد حتى الآن.

بدا واضحاً أيضاً أن القرارات المرتبطة بوضع حدود لعمليات الاستيراد، وضوابط السحب من بطاقات الائتمان في الخارج أو على الإنترنت، كما المبادرات الهادفة لتشجيع التصدير، لن تؤتي ثمارها قريباً، ولن تتمكن من المساهمة في حل أزمة العملة الأجنبية الحالية في مصر.

قدم البنك المركزي المصري، من خلال ذراعيه في السوق، البنك الأهلي وبنك مصر، معدلات فائدة مرتفعة على أوعية دولارية متوسطة وطويلة الأجل، تجاوزت 5% في بعض الأحيان، من أجل تشجيع العملاء على سحب الدولار الذي يمتلكونه من "تحت مراتبهم" وإيداعه في الجهاز المصرفي، للمساهمة في سد العجز الموجود لديها.

ورغم أن الوقت بالتأكيد ما زال مبكراً للحكم على جدوى القرار، لا توجد مؤشرات على أن الحصيلة ستكون مرضية، إضافةً إلى حقيقة أن القرار تسبب من جديد في تقليل فارق سعر الفائدة بين الجنيه والدولار في السوق المصرية، وهو أحد أهم العوامل المؤثرة في اتخاذ المواطن قرار "الدولرة"، أو الامتناع عن ذلك، مع استمرار تراجع سعر الجنيه في الجهاز المصرفي وفي السوق الثانوية.

تسمح عمليات NDF للعملاء بالتحوط ضد تغيرات سعر الجنيه المصري، من خلال الاتفاق يتم اليوم، على سعر شراء أو بيع للعملة مقابل الدولار في تاريخ لاحق، لكن بدون تسليم المبلغ المتفق عليه عندما يحل هذا التاريخ

ثم جاء القرار الأخير من البنك المركزي، والذي سمح للبنوك المصرية بتقديم أحد منتجات المشتقات المالية، المعروفة باسم "العقود الآجلة غير القابلة للتسليم Non-deliverable forwards"، والمعروفة اختصاراً باسم NDF، للعملاء، لمساعدتهم على التحوط ضد تغيرات سعر العملة مقابل الدولار.

تبدو الخطوة جريئة، وأشك في وجود ألف شخص في مصر يعرفون طبيعة العملية، والآلية التي تتم بها، كما أنها تعد من المشتقات التي حَظَرَ التعامل عليها في الجنيه المصري تقريباً كل محافظي البنك المركزي المصري السابقين، بمن فيهم من لم يفهموا أصلاً طبيعتها.

وتسمح عمليات NDF للعملاء بالتحوط ضد تغيرات سعر الجنيه المصري، من خلال الاتفاق يتم اليوم، على سعر شراء أو بيع للعملة مقابل الدولار في تاريخ لاحق، لكن بدون تسليم المبلغ المتفق عليه عندما يحل هذا التاريخ، كما يحدث في العقود الآجلة التقليدية.

وتتم تسوية الفارق بين سعر العملية وسعر السوق بدفع (أو قبض) مبلغ من العميل، يعوضه عن خسارته (أو يحرمه من مكسبه)، مقارنة بالسعر الذي جرى الاتفاق عليه مسبقاً، فيكون صافي التكلفة على العميل هو السعر الذي تم الاتفاق عليه في البداية، أياً كان السعر في تاريخ الاستحقاق.

فتح البنك المركزي هذا النوع من العمليات للبنوك، بعد عقود من التحريم والتشكيك والرفض، في محاولة للوصول إلى السعر الذي يعبر عن القيمة الحقيقية للعملة المصرية، الأمر الذي يمكن أن يفتح الباب من جديد أمام المستثمرين الأجانب للاستثمار في أدوات الدين بالجنيه.

وفي الوقت نفسه، وعلى صلة بالأمر، يوفر هذا النوع من المنتجات طريقة للتحوط من حدوث تخفيض كبير في قيمة الجنيه، وتوقّع هذا الأمر هو ما يمنع المستثمرين الأجانب، وتحديداً من أصحاب الأموال الساخنة، من العودة إلى السوق المصرية.

فانخفاض قيمة الجنيه يقلل من المكاسب التي يحققها أصحاب الأموال الساخنة، وبالتالي لا يمكن انتظار عودتهم طالما بقي هاجس/توقع انخفاضه.

يحاول البنك المركزي إذاً بقرار السماح بعمليات NDF للبنوك المصرية توفير طريقة تحوط لمستثمري الأموال الساخنة، التي "اتلسعنا" منها ثلاث مرات سابقة على الأقل، أملاً في عودتهم. حسناً، ربما يكون هذا هو الحل المتاح حالياً أمامنا كمصريين في الوقت الحالي، من أجل تخطي مرحلة عنق الزجاجة، وصولاً إلى نهاية الربع الأول من العام القادم، على أمل أن تكون القرارات التي اتخذت على مستوى الاقتصاد الحقيقي، من أجل تقليل الاستيراد وزيادة الإنتاج وتحفيز التصدير، بدأت تظهر نتائجها، لتقلل احتياج البلاد من العملة الأجنبية.

لن يكون الأمر سهلاً، ويجب ألا ننسى أن الاحتياجات المعتادة من الدولار لسد العجز في الميزان التجاري أضيف إليها صنوف أخرى من الالتزامات، منها ما هو مطلوب لسد العجز في صافي الأصول بالعملة الأجنبية لدى القطاع المصرفي (نحو 20 مليار دولار)، ومنها ما هو مطلوب لسداد فوائد الدين الخارجي (نحو 10 مليارات دولار سنوياً عند مستوى الدين الخارجي الحالي ومعدلات الفائدة الحالية)، وغيرها.

ومن ناحية أخرى، يجب أن ندرك أن طريق الـ NDF لن يكون ممهداً، وأن هذه الأداة تستخدم بالفعل في التحوط لمن لديه انكشاف (مركز عملة) في نوع معين من الاستثمار. أما من لا مراكز له فيلجأ إليها للمضاربة، وهو ما لا نظن أن سوق الصرف الأجنبي المصرية يمكنها تحمله في الوقت الحالي.

 

المساهمون