محمد الشارخ... من العمل الحكومي إلى الريادة في مجال الحاسوب

11 مارس 2024
محمد الشارخ (الإنترنت)
+ الخط -

توفي رجل الأعمال الكويتي، رائد إدخال اللغة العربية إلى الحاسوب، محمد عبد الرحمن الشارخ، عن عمر يناهز الـ82 عاماً، بعد رحلة طويلة في عالم الأعمال، بدأت بوظيفة حكومية، وانتهت بريادة أعمال في مجال الحاسوب الآلي.

وُلد الراحل عام 1942، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس الكويت، قبل أن ينتقل إلى مصر من أجل مواصلة تعليمه العالي، ليحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة عام 1965، ثم انتقل بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث نال فيها درجة الماجستير في ذات التخصص من كلية "ويليامز" في ولاية ماساشوستس.

وعاد الشارخ إلى الكويت بعد انتهاء دراسة الماجستير، لينضمّ إلى العمل في القطاع الحكومي العام، تقلّد خلالها عدداً من المناصب المهمة، من بينها عمله نائباً للمدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بين الأعوام 1969 و1973، وممثل دولة الكويت والمجموعة العربية في مجلس إدارة البنك الدولي للإنشاء والتعمير في واشنطن ما بين عامي 1973 و1975، ورئيس مجلس إدارة البنك الصناعي في الكويت من 1975 وحتى 1979.

بعد ذلك، قرر الشارخ عام 1980 أن يترك العمل الحكومي ويتّجه إلى القطاع الخاص، حيث عمل على تأسيس شركة "صخر" لبرامج الحاسوب، التي انطلقت بعد عامين، بترؤسه مجلس إدارتها، برأس مال استدانه بلغ نحو 3 آلاف دينار كويتي، وبمضي 3 أعوام فقط استطاعت تطوير برنامج القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي التسعة باللغة الإنكليزية في الحاسب الآلي، وبرنامج الموسوعة الفقهية، وبرامج المعلومات الإسلامية.

ولم يكن في خلده أن تتحول الشركة التي بدأت من مكتب صغير في منطقة الجابرية في الكويت، إلى معجزة استثنائية تدخل التاريخ، وذلك بإدخالها اللغة العربية لأول مرة إلى الحواسيب، من خلال إطلاقه "كمبيوتر صخر"، إذ باعت الشركة في حينها أكثر من مليون جهاز، وطوّرت أكثر من 90 برنامجاً تعليمياً وتثقيفياً، حصل أربعة منها على براءة اختراع، وبيع منها نحو 5 ملايين نسخة آنذاك.

واستعان الشارخ في حلمه بإدخال اللغة العربية إلى الحاسوب، بالعالم المصري الدكتور علي نبيل، ليتحوّل الحلم إلى واقع بعد عمل دؤوب استمر قرابة عقد كامل.

وحرص الشارخ في شركة "صخر" التي تعود تسميتها إلى المثل الشهير "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" على الاستعانة بمختلف الكفاءات العربية، التي حققت إنجازات بإنتاج وتطوير العديد من التقنيات المتعلقة باللغة العربية وغيرها من البرمجيات.

وأطلق الشارخ العديد من المشاريع للحاسوب باللغة العربية، طوال مسيرة شركة "صخر" التي تجاوزت الـ40 عاماً في عالم الأعمال والتكنولوجيا، من بينها برنامج "ترجم" عام 2002، وبرنامج ترجمة الخاطب الآلي عام 2010، وخلال الثمانينيات والتسعينيات المنصرمة أطلق برنامج المصحح اللغوي، والنطق الآلي بالعربية الفصحى، والترجمة الآلية، وتطوير نظام إبصار للمكفوفين.

لم يكن في خلده أن تتحول الشركة التي بدأت من مكتب صغير في منطقة الجابرية في الكويت، إلى معجزة استثنائية تدخل التاريخ

ومن أهم استثمارات شركة "صخر"، وخصوصاً في بداياتها، الحصول على وكالة برنامج لعبة الأطفال "الأتاري" في المنطقة، التي حققت نجاحاً منقطع النظير دام نحو عقدين من الزمن تقريباً، والتي دخل من خلالها أيضاً إلى إنتاج برامج ألعاب الأطفال على الحواسيب، ما ساهم، بالإضافة إلى مشروع اللغة العربية، في تحقيق بذرة نجاحات الشركة في بداياتها.

ومن أفكار الشارخ السابقة لزمانه، تقديمه مقترحاً إلى الحكومة الكويتية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، من أجل تحويل التعليم إلى تعليم "عن بُعد"، التي بادرته بالرفض، فيما أصبح أمراً واقعاً خلال الأعوام الأخيرة في ظل جائحة كورونا.

ولم ينقطع الشارخ عن مواكبة التقنيات حتى مع صعود كبرى شركات التكنولوجيا في العقد والنصف الأخير، من بينها إطلاقه المعجم العربي المعاصر على الإنترنت عام 2019، الذي يحتوي على نحو 125 ألف معنى وتركيب، إلى جانب إنشائه مراكز التدريب على البرمجة وغيرها.

ورفد الأوساط العربية بالعديد من المشروعات التي أتاح جزء منها بشكل مجاني، أهمها "أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية العربية" عام 2016، الذي تضمن أرشيف المجلات العربية منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى عام 2010 قبل بدء انحسارها ورقياً، بالإضافة إلى مساهماته في تمويل "مركز دراسات الوحدة العربية"، و"المنظمة العربية للترجمة".

وحصل الشارخ على العديد من الجوائز خلال مسيرته، من بينها جائزة الدولة التقديرية في مجال الاتصال الإلكتروني في الكويت عام 2017، وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 2021.

أيضاً، حصل على جائزة "الرواد" من مؤسسة "الفكر العربي" برعاية ملك المغرب محمد السادس عام 2009، وغيرها على المستويات المحلية والعربية والدولية.

المساهمون