محطات كهرباء في بريطانيا تعود إلى الفحم... وبدائل مكلفة للحكومة

09 فبراير 2023
الحكومة توافق على افتتاح أول منجم عميق للفحم منذ أكثر من 30 عاماً (Getty)
+ الخط -

في تحرك مغاير لسياسة الحد من الكربون، استدعت المملكة المتحدة ثلاث محطات احتياطية لتوليد الكهرباء من الفحم للمرة الأولى، لزيادة معدلات الإنتاج وتلبية الطلب، ما يثير قلقاً متنامياً من زيادة استخدام الفحم لتوفير الطاقة، ولا سيما بعدما أوقفت الحكومة استيراد الغاز من روسيا اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي.

تأتي العودة إلى الاستعانة بمحطات الكهرباء العاملة بـ"الوقود الأسود"، بعد موافقة الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول 2022 على افتتاح أول منجم عميق للفحم منذ أكثر من 30 عاماً، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من قبل نشطاء البيئة الذين وصفوا المشروع بأنه ردة في تحقيق الأهداف المناخية الطموحة.

وجاء استدعاء محطات الكهرباء العاملة بالفحم على خلفية اتفاق الحكومة مع شركة ناشيونال غريد، مُشغلة الشبكة في بريطانيا، على إجراءات طارئة لتلبية الطلب خلال فصل الشتاء، ولا سيما مع تزايد برودة الطقس في الأيام الأخيرة وتراجع معدلات توليد الكهرباء من طاقة الرياح.

واجتمعت عوامل عدة قد تعصف بقدرات تلبية الطلب في بريطانيا، إذ أدى اعتماد البلاد الكبير على الغاز الذي يعاني من تقلبات حادة على صعيد الإمدادات والأسعار وغياب الغاز الروسي إلى تراجع معدلات توليد الكهرباء.

موجات من البرد القارس

كما أنه رغم أن بريطانيا تحتل المرتبة الثانية ضمن أكبر أسواق الرياح العالمية، فإن الإنتاج يشهد تراجعاً نتيجة تقلبات الطقس، ولم يكن أمام الدولة المنفصلة قبل سنوات عن الاتحاد الأوروبي حل سوى اللجوء إلى الوحدات الاحتياطية لتوليد الكهرباء بالفحم، لضمان استمرار الإمدادات.

وبين الحين والآخر تضرب أنحاء المملكة المتحدة موجات من البرد القارس وتهبط درجات الحرارة، رغم أن الاعتدال النسبي للطقس الشتوي لهذا العام دفع إجمالاً نحو تقليص تأثير غياب الغاز الروسي عن دول القارة، ضمن تداعيات الحرب على أوكرانيا.

وذكرت شركة "ناشيونال غريد" قبل أيام أنها لجأت إلى الوحدات الاحتياطية لتوليد الكهرباء بالفحم، بصفتها ضمن الأدوات البديلة لمواجهة عجز القدرة على تلبية الطلب، لضمان استمرار استهلاك الكهرباء بمعدلاته المعتادة، حسب بيان أصدرته أخيراً.

في الأثناء حثت الشبكة الوطنية للكهرباء المواطنين على تقليص استخدام الكهرباء في أوقات الذروة، كجزء من مساعي الحكومة لتجنب انقطاع التيار.

وتعهدت بمنح المستهلكين المؤهلين (أي الأشخاص في إنكلترا واسكتلندا وويلز الذين لديهم عداد ذكي) خصومات على فواتيرهم في حال تأخير استخدام الفرن أو الغسالة أو المجفف أو شحن سيارة كهربائية عن وقت الذروة.

مرونة الطلب

وقالت الشركة إنّ جميع العملاء الذين يشاركون في هذه الخدمة التي تعرف رسمياً باسم "خدمة مرونة الطلب"، سيحصلون على 3.37 جنيهات إسترلينية من النقاط لكل وحدة كهرباء يوفرونها، وهو ما يعد أعلى بنسبة 50% من المدفوعات السابقة.

وحالياً هناك أكثر من مليون أسرة وشركة مساهمة في هذا المخطط الساري منذ العام الماضي والمقرر أن يستمر حتى مارس/آذار المقبل.

تواصلت "العربي الجديد" مع المتخصص في الهندسة المدنية والبيئية كيران توتا مهراج، المحاضر في جامعة أستون برمنغهام، وسألته عن تأثير إعادة تشغيل محطات تعمل بالفحم على هدف الحكومة في الوصول إلى "صفر كربون" ومكافحة التلوث، فقال إنه لا يعلم مدى واقعية تحديد العديد من المرافق في بريطانيا لهدف أن تكون خالية من الكربون مع حلول عام 2030، خاصة في ظل وجود مثل هذه الاحتمالات الحالية لإعادة تنشيط الفحم، لتوفير التدفئة والطاقة في فترة الشتاء.

وأضاف كيران: "أعتقد أنه ينبغي القيام بالكثير لتحقيق هذا الهدف خلال السنوات القليلة المقبلة، لأن بريطانيا تمتلك الكثير من الخبرة في إنتاج الطاقة البديلة للوقود. لكن برأيي، وبغية تحقيق هذه الأهداف أعتقد أن الهيدروجين يجب أن يكون الوقود المستقبلي، لأنه في حال عدم حدوث ذلك سيكون من الصعب للغاية معرفة كيف ستحقق صافي صفر خلال سنوات معدودة".

ولطالما أكدت المملكة المتحدة أن استعانتها بالوحدات الاحتياطية لتوليد الكهرباء بالفحم لا تتنافى مع تخطيطها للتخلص التدريجي من الفحم بحلول العام المقبل 2024، التزاماً بالأهداف المناخية وخطط خفض الانبعاثات، غير أنها استثنت الشتاء الجاري، في ظل معاناة القارة مع نقص الغاز الطبيعي.

وكان استخدام الفحم في مزيج الطاقة اليومي قد اندفع نحو الانخفاض في السنوات العشر الماضية، ليصل إلى 1.5% فقط من التوليد في عام 2022، بينما كان يمثل 43% من إنتاج الكهرباء في عام 2012.

وقال رئيس شبكة الكهرباء الوطنية، كريغ دايك، في حديث إلى شبكة "سكاي نيوز" نهاية الشهر الماضي، إنّ قرار استدعاء محطات الكهرباء الثلاث العاملة بالفحم، يأتي تحسباً للطوارئ فقط، لكن هذا لا يعني بالضرورة تشغيلها، إنما لضمان عدم انقطاع الكهرباء عن الناس.

تقليل فواتير الطاقة المنزلية

لكن أزمة الطاقة في بريطانيا تبدو مقلقة. وفي الأثناء، دعت لجنة التدقيق البيئي (EAC) إلى التعبئة الوطنية، على غرار "الجهود الحربية" لتقليل فواتير الطاقة المنزلية وخفض الانبعاثات وتقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري.

ففي تقرير نُشر حديثاً بعنوان "تسريع الانتقال من الوقود الأحفوري وتأمين إمدادات الطاقة"، لاحظت اللجنة أنّ المملكة المتحدة لا تزال تعتمد على الوقود الأحفوري في 78% من احتياجاتها من الطاقة وأن غزو أوكرانيا أدى إلى إنتاج أكبر وقود أحفوري عالمي وصدمة في الأسعار منذ السبعينيات.

وطالبت اللجنة بتحوّل أسرع لمصادر الطاقة المتجددة، ولا سيما طاقة الرياح والمد والجزر البرية وبرنامج العزل الشامل للمنازل، الذي يتعين دفع ثمنه من ضريبة أرباح الطاقة.

وما أثار مخاوف حول إمكانية نفاد إمدادات الكهرباء هو مواجهة البلاد لطقس شديد البرودة رافقه انخفاض في طاقة الرياح التي تعد مصدراً رئيسياً للطاقة في بريطانيا.

واعتبر محللون أن هذه الإجراءات تدل على مدى ضعف بريطانيا في مواجهة الطقس الأكثر برودة وتقلبات إنتاج الطاقة من الرياح. وتعاني المملكة المتحدة من أزمة طاقة، بعد أن التزمت الحكومة بإنهاء واردات النفط والفحم والغاز من روسيا.

ووفق تقرير مجلس العموم في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي فقد أصدرت الحكومة مؤخراً تشريعات لحظر الغاز الروسي اعتباراً من مطلع العام الجاري. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، استوردت المملكة المتحدة نفطاً روسياً تعادل قيمته 7 ملايين جنيه إسترليني فقط، بينما لم تستورد الفحم من موسكو، بينما كان إجمالي واردات الطاقة من روسيا قد بلغ في الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي حوالي 2.98 مليار جنيه إسترليني.

تغييرات على التقنيات

واستمر الغاز في لعب دور مهم على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، في توفير معظم الكهرباء المستخدمة في جميع أنحاء بريطانيا. لكن طرأت تغييرات على التقنيات الأخرى خلال 2022، حيث استمر نمو الكهرباء الناتجة عن توربينات الرياح، وزادت أهميتها في تشغيل الشبكة الوطنية.

بيد أن صحيفة آي البريطانية ذكرت في تقرير لها في 25 يناير الماضي أن بنك المملكة المتحدة للبنية التحتية (UKIB)، المصمم لمساعدة بريطانيا على تحقيق أهدافها المتعلقة بتغير المناخ، لديه 16 موظفاً فقط بعد أكثر من عام من تشكيله، وأنه أقرض مليار جنيه إسترليني فقط من رأس ماله البالغ 22 مليار جنيه إسترليني، لعشر صفقات تشمل في الغالب صفقات مزارع الطاقة الشمسية.

مع العلم أن وزارة الخزانة أنشأت هذا البنك بهدف المساعدة في تعزيز تحديات الاستثمار في المملكة المتحدة التي تواجهها للوفاء بالتزاماتها الصافية الصفرية وخطط التسوية.

وقدرت هيئة البنية التحتية والمشاريع التكلفة الإجمالية للبنية التحتية اللازمة حتى عام 2031 بحوالى 650 مليار جنيه إسترليني. وتأتي هذه الخطوة بعد خسارة بريطانيا، لتمويل بنك الاستثمار الأوروبي لمشاريع البنية التحتية، نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي.

المساهمون