في محاولة لإحياء الصناعات النسيجية التي مزقتها الحرب في سورية، نظمت غرفة صناعة حلب قبل يومين ملتقى للفاعلين في هذه الصناعة للخروج بتوصيات من شأنها وقف تدهور القطاع، الذي ظل لعقود ماضية إحدى أبرز علامات الصناعة السورية.
وأوصى الملتقى بمنع تهريب المنتجات التركية والصينية التي تهزم المنتج المحلي، بعد زيادة تكاليف الإنتاج في سورية، وضبط استيراد الأقمشة ووضع آلية لاستيراد القطن، بعد تراجع الإنتاج السوري إلى ما دون كفاية المعامل بالمادة الأولية، فضلا عن إصدار تشريعات لتشجيع الصناعة وتأمين مصادر الطاقة.
إلا أن صناعيين سوريين يؤكدون أن مخرجات "الملتقى الأول للصناعات النسيجية" لم تقدم أي جديد، مشيرين إلى أن إعادة إحياء القطاع ليست بتوفير المهندسين ووقف تهريب الألبسة التركية كما يريد المسؤولون تسويق الأزمة، وإنما في هجرة الاستثمارات إلى البلدان الأخرى خاصة مصر وتركيا.
وقال المتخصص في صناعة النسيج، محمد إبراهيم إن "موت هذه الصناعة العريقة بدأ من تراجع إنتاج القطن من نحو مليون طن مطلع الألفية الثانية، إلى نحو 140 ألف طن أو أقل اليوم، بعد خروج مناطق الإنتاج في الحسكة والرقة ودير الزور عن السيطرة، بل والسبب الأهم يكمن في دخول الدولة هذه الصناعة ومنافستها للقطاع الخاص والتضييق عليه بدلا من تشجيعه".
وأضاف إبراهيم لـ"العربي الجديد" أن نحو 200 ألف عامل كانوا يعملون في قطاع النسيج والألبسة، تهجروا وضاعت خبراتهم خلال سنوات الحرب، ولم يبق على قيد الإنتاج، إلا بعض المعامل في حلب مركز هذه الصناعة وريف دمشق.
وتابع أن بلاده التي صدرت قبل الحرب بنحو 3 مليارات دولار من النسيج والألبسة، منها ما نسبته 65% للاتحاد الأوروبي، عاجزة اليوم عن كفاية السوق المحلية بمنتجات تناسب بسعرها الدخول، بل أجهز الاستيراد من الصين خاصة، على بقايا هذه الصناعة.
ولفت إبراهيم إلى أن المناخ الجاذب في مصر وتركيا، شجع معظم رواد صناعة النسيج والأقمشة والألبسة، على الهجرة وتوطين منشآتهم هناك، بعد التأكد من استحالة الحل واستمرار الحرب في سورية.
بدوره، قال المدير العام السابق، لمؤسسة الصناعات النسيجية في سورية، سمير رمان، إن انعقاد الملتقى جاء لأسباب سياسية أكثر منه لإنعاش هذه الصناعة، معتبرا أن "الملتقى موجه للخارج، سواء للقول إن سورية لا تزال بخير وتبحث تطوير الصناعة أو لتوجيه رسالة للصناعيين الذين هاجروا، إلى مصر وتركيا، للعودة، خاصة أن هناك تفاوضاً مع كبار الصناعيين للعودة".
لكن تطوير هذه الصناعة، برأي رمان، "شبه مستحيل بالظروف الحالية، لأن سورية التي كانت تصدر القطن تبحث اليوم عن الاستيراد لتشغيل ما تبقى من المعامل، وسورية اليوم تعاني من قلة وغلاء الفيول (الوقود) وانقطاع الكهرباء لأكثر من 12 ساعة يومياً، فضلاً عن قلة العمالة المتخصصة التي هاجرت أو ماتت"، مشيرا إلى أن سورية بحاجة لعمالة متخصصة وماهرة وليس لمهندسين كما جاء بالتوصيات، لأن فيها فائض مهندسين.
وأكد رمان لـ"العربي الجديد" أن صناعة الغزل والنسيج، بعد تسع سنوات من الحرب، وتراجع إنتاج القطن، وهجرة كبار الصناعيين "باتت صناعة تقليدية" وغير قادرة على المنافسة، حتى بالسوق المحلية، لافتا إلى معيقات أخرى مستجدة، هي الأولى بالبحث، خاصة ما يتعلق بإعفاء الخيوط والنسيج من رسوم الاستيراد ودعم هذا القطاع.
وتابع: "كيف يمكن العمل إن كان التعامل بالدولار يؤدي إلى السجن؟ كيف يستورد التجار ومن يمول لهم الاعتمادات المستندية الخاصة بتمويل الواردات؟"، مشيرا إلى أن الآلات الموجودة بقطاع النسيج الحكومي، باتت قديمة جداً، كما يحتاج القطاع الخاص لتطوير خطوط إنتاجه وهذا كله أمانٍ ومطالب ثانوية إن لم تتوقف الحرب ويعود إنتاج القطن وينفتح العالم على سورية.
وأشار إلى أن خروج المنشآت الحكومية التي كانت تشغل نحو 30 ألف عامل بهذا القطاع، ضرورة لترك المنافسة بين منشآت القطاع الخاص ودعمه خلال التصدير، مشيرا إلى أن دور الدولة ليس بمنافسة منشآت القطاع الخاص، بل برسم السياسات وتسهيل القروض وتأمين الأبحاث والدراسات الخاصة بتطوير القطاع.
وجذبت مصر وتركيا، عدداً كبيراً من الشركات والاستثمارات السورية في قطاع الغزل والنسيج والألبسة، إذ تأسست قرابة 365 شركة، برأسمال 500 مليون دولار، بحسب تصريح سابق لرئيس مجلس الأعمال السوري المصري خلدون الموقع.
ويقدر عدد رجال الأعمال السوريين الذين وصلوا إلى مصر بنحو 30% من أعداد المستثمرين الذين فروا من سورية والبالغ عددهم حوالي 50 ألف مستثمر، وأقام هؤلاء مشروعات في مصر على رأسها المطاعم والمقاهي وورش الخياطة.
كما جذبت تركيا معظم شركات الغزل والنسيج العاملة قبل الحرب في مدينة حلب التي تعتبر معقل هذا القطاع في سورية. ووفق مؤسسة البحوث الاقتصادية في تركيا، ومقرها أنقرة، فإن السوريين أسسوا أكثر من 10 آلاف شركة في تركيا 60% منها سورية خالصة و40% عبر شراكة بين سوريين وجنسيات أخرى.
كما أشارت دراسة أخرى أصدرتها مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية في إسطنبول، إلى أن 22% من الشركات السورية موجودة في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي المحاذية للحدود السورية، لافتة إلى أن 59.4% من الشركات السورية في تركيا ناجحة، وتمارس نشاطها التجاري كمثيلاتها التركية، وأن 55.4% من الشركات السورية تركز في مبيعاتها على الأسواق الخارجية.