على الرغم من الصورة التي بناها لنفسه على مدار أربع سنوات قضاها داخل البيت الأبيض، باعتباره الداعم الأكبر للاقتصاد وسوق الأسهم والسندات الأميركية، والرئيس المتسبب في استعادة الشركات إلى الأراضي الأميركية، والوصول بمعدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها في عقود، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة للدخل، لم يتخلف قطاع الأعمال والشركات الأميركي عن إدانة اقتحام مؤيدي الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب لمبنى الكونغرس الأميركي، يوم الأربعاء، لإيقاف جلسة التصديق على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن، إذ اعتبرها اعتداءً صارخاً على الديمقراطية ومؤسسات الدولة، ودرباً من دروب الفوضى.
ودانت الجمعية الوطنية للمصنعين، التي تمثل نحو 14 ألف شركة تعمل بالولايات المتحدة، يوم الأربعاء، التظاهرات التي اقتحمت مبنى السلطة التشريعية في البلاد، واصفة إياها بأنها "لا تعبر عن أميركا التي يؤمن بها المصنعون"، وطالبت نائب الرئيس مايك بنس بـ"النظر بجدية في استخدام التعديل الخامس والعشرين للدستور لعزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه".
وقال جاي تيمونز، رئيس المجموعة والمدير التنفيذي السابق للجنة الوطنية لأعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، إن "هذا ليس قانونا ونظاما، هذه فوضى. إنه حكم الغوغاء. إنه أمر خطير. هذه فتنة ويجب التعامل معها على هذا الأساس". وأضاف أن "الرئيس المنتهية ولايته حرض على العنف في محاولة للاحتفاظ بالسلطة، وأي زعيم منتخب يدافع عنه يخالف قسمه بالدستور ويرفض الديمقراطية لصالح الفوضى. وإن أي شخص ينغمس في نظريات المؤامرة لجمع أموال الحملة هو متواطئ". وأشار تيمونز إلى أنه والملايين من العاملين في الشركات الأميركية يحاولون إعادة بناء الاقتصاد وإنقاذ حياة المواطنين، مؤكداً أن "أياً من ذلك لن يكون مهماً إذا رفض قادتنا صد هذا الهجوم على أميركا وعلى ديمقراطيتنا، لأن نظام حكومتنا ذاته، الذي يدعم أسلوب حياتنا، سوف ينهار".
من جانبه، عبر ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة ألفابيت، الشركة الأم لمحرك البحث الشهير غوغل، عن إدانة شركته الشديدة لتظاهرات يوم الأربعاء في العاصمة الأميركية واشنطن، مؤكداً في مذكرة لموظفي شركته، أن "إجراء انتخابات حرة وآمنة وحل الخلافات سلمياً هو أساس عمل الديمقراطية"، مضيفاً أن "الفوضى والعنف اللذين يحدثان في مبنى الكابيتول هيل اليوم (الأربعاء)، هما نقيض الديمقراطية ونحن ندينهما بشدة". وبدأ بيتشاي كلمته بعبارة "المشاهد التي تأتينا من واشنطن العاصمة مروعة ومخيفة لنا جميعاً".
وبعد ثلاث تغريدات تحمل ادعاءات كاذبة عن تزوير انتخابات الرئاسة التي فاز بها منافسه من الحزب الديمقراطي، جمد موقع التواصل الاجتماعي تويتر، يوم الأربعاء، حساب ترامب لمدة اثني عشر ساعة، وأصدرت الشركة تهديداً بإغلاق الحساب بصفة نهائية في حالة إصرار ترامب على مخالفة سياسات الشركة بتغريداته. ولأول مرة في تاريخها، حذفت الشركة تغريدتين لترامب لأسباب لا تتعلق بحقوق الملكية الفكرية. وعلى الدرب نفسه سار موقع فيسبوك الشهير، حيث جمد حساب ترامب لمدة أربع وعشرين ساعة، كما حذف فيديو نشره ترامب عن تظاهرات واشنطن، وكذلك فعل كل من موقعي تويتر ويوتيوب. وقال جاي روزن، نائب رئيس فيسبوك والمسؤول عن النزاهة فيها، في تغريدة: "هذه حالة طارئة، ونتخذ إجراءات طارئة مناسبة، بما في ذلك إزالة مقطع فيديو الرئيس ترامب. لقد أزلناه لأننا نعتقد بشكل عام أنه يساهم في خطر استمرار العنف بدلاً من تقليله". وأعلنت شركة فيسبوك، مساء الأربعاء، عن نيتها اتخاذ خطوات إضافية تشمل البحث عن المحتوى الذي يؤيد أو يشيد باقتحام مبنى الكابيتول، والدعوات لجلب أسلحة إلى مواقع في جميع أنحاء البلاد، والصور أو مقاطع الفيديو لمثيري الشغب، والدعوات للمزيد من الاحتجاجات، وأي محاولات لاستخدام المزيد من العنف خلال الأيام المقبلة، من أجل حذفه.
وفي هذا الصدد، قال موقع يوتيوب المملوك لشركة غوغل، إنه أزال الفيديو الذي رفعه ترامب لأنه ينتهك سياسات الشركة بالادعاء أن عمليات التزوير واسعة النطاق غيرت نتيجة الانتخابات الأميركية لعام 2020، مضيفاً أنه سيسمح برفع نسخ من هذا الفيديو على الموقع "إذا تم تحميله في سياق تعليمي أو وثائقي أو علمي أو فني".
وجاءت التحركات الأخيرة من مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة بعد الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها خلال الأسابيع الأخيرة من أجل وضع حد لادعاءات ترامب الكاذبة بشأن الانتخابات ودعواته للتظاهر احتجاجاً على نتيجتها. ويوم الأربعاء، قال جون ريدجريف، الرئيس التنفيذي لشركة سنتروبي تكنولوجيز، التي تبيع أدوات للحماية من المحتوى المسيء والضار للمجتمعات عبر الإنترنت: "تم التخطيط لهذه الأحداث ونشرها ووضعها موضع التنفيذ على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكن لأي منصة أن تتراجع وتغسل يديها منها، لأن البيئة التي أدت إلى ذلك خُلِقت بصورة مباشرة من التربة الخصبة للخطاب المتطرف غير المتزن".
وعلى نحو متصل، وتزامناً مع أحداث واشنطن، اندفع المستثمرون خلال تعاملات الأربعاء نحو أسهم شركات التصنيع المرتبطة بانتعاش الاقتصاد، وتخلصوا من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى وسندات الخزانة الأميركية، مراهنين على زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي في ظل هيمنة الحزب الديمقراطي على مجلس الشيوخ الذي سيطر عليه بعد فوز مرشحيه في انتخابات الحسم بولاية جورجيا. ولكن أسواق الأسهم احتفظت بهدوئها النسبي.