على حين غرة، شن جيش من "المستثمرين الهواة" غارة خاطفة على مجموعة من أكبر صناديق التحوط في الولايات المتحدة والعالم، جاذبين أنظار مؤسسات الاستثمار والمحللين الماليين، الذين أرهقهم حصاد خسائر الصناديق التي طالما ظلت متحكمة في مصير الكثير من الأسهم في الماضي، بينما تتزايد التساؤلات حول متى ستنتهي المعركة ومن يحسمها.
وتعتمد الإجابة جزئياً على أمرين: أيّ الأطراف الثلاثة المتمثلة في صناديق التحوط التي تبيع على المكشوف مجموعة من الأسهم، والمستثمرين الأفراد الذين يشترونها، والوسطاء الذين يمكّنون الطرفين من التداول، سيستسلم أولاً؟ والثاني، كيف سيكون شكل رد فعل المشرعين والساسة حول ما يحدث في وول ستريت، وفق مقال نشره الاقتصادي الشهير محمد العريان في وكالة بلومبيرغ الأميركية؟
أسبوع رهيب مر على صناديق التحوط، بسبب حجم الضرر الذي لحق بها نتيجة مطاردة المتداولين على منصة "ريديت" لمجموعة تعد على الأصابع من الأسماء الأكثر بيعاً على المكشوف في سوق أسهم الولايات المتحدة البالغة قيمتها 43 تريليون دولار.
فقد بدأت المعركة باستهداف "جيش ريديت"، على حد وصف محللين ماليين، سهم شركة "غيم ستوب" لألعاب الفيديو وأسهم بعض الشركات النظيرة لها خلال ثلاثة أيام بين 26 و29 يناير/ كانون الثاني الماضي، ليرفع سهم شركة ألعاب الفيديو بنسبة تقارب 500% في ثلاثة أيام فقط.
لكن الأزمة التي حدثت بسبب هجوم المستثمرين الهواة، لم تكن فقط بسبب ارتفاع السهم، وإنما بسبب الخسائر التي منيت بها صناديق التحوط التي راهنت عبر آلية البيع على المكشوف على تراجع أسهم "غيم ستوب" ونظيراتها بمعدلات كبيرة.
والبيع على المكشوف استراتيجية تجارية أو استثمارية تستخدمها الصناديق والمصارف الاستثمارية الكبرى في تحقيق مكاسب ضخمة، عبر اقتراض أسهم الشركات لفترة قصيرة من مالكيها بهدف إرجاعها لاحقاً لهم مقابل حصول المالك على رسوم ضئيلة. وعادة ما يتم ترتيب عمليات البيع على المكشوف عبر شركات الوساطة في أسواق المال أو البورصات.
وخسر صندوق التحوّط "ملفين كابيتال" وحده حوالي 53% من قيمته بسبب "غيم ستوب" وأكثر من عشرة رهانات أخرى، بعد أن وجد الصندوق نفسه في الطرف المتلقي لضغط قصير من المستثمرين المتدفقين من منصة "رديت"، وفقًا لما نقلته بلومبيرغ عن مصدر مطلع على أداء الصندوق. وأسس صندوق "ملفين" غابي بلوتكين، وهو مدير محفظة سابق لدى "ستيفن كوهين" الملياردير الأميركي المصنف ضمن أغنى الرجال في العالم.
ويرى العريان أن ما حدث خلال الأيام الماضية في وول ستريت نتاج ظهور مزيج من منصات المعلومات والبيانات والمنتجات سهلة الاستخدام وتطبيقات التداول التي ساعدت جميعها على بروز ظاهرة "دمقرطة التمويل"، حيث أتاحت المجال للمستثمرين الصغار الذين شعروا بالتهميش والحرمان لسنوات.
وخلال السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، زاد عدد أصحاب النظرة السلبية لكبار مستثمري وول ستريت من صناديق التحوط وغيرهم من مديري الاستثمار، بسبب ما اعتبروها ممارسات غير أخلاقية قامت بها تلك الكيانات وتسببت في حدوث الأزمة، التي ترتب عليها فقدان ملايين الأميركيين لوظائفهم ومنازلهم.
وفي 2011 تأسست في مدينة نيويورك، التي يقع فيها حي "وول ستريت" الشهير، حركة "احتلوا وول ستريت" التي كان من ضمن أهدافها تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحماية قيم الديمقراطية من تأثير الشركات الأميركية الكبرى، وعلى رأسها المؤسسات المالية.
ويشير العريان إلى أنه بفضل الوفرة النقدية، وفي بعض الحالات شيكات الإغاثة والحوافز الحكومية، جاء الحافز بالنسبة لصغار المستثمرين، حيث شهدت السوق تحركاً متعمداً لشراء أكثر الأسهم مبيعاً على المكشوف من قبل صناديق التحوط، أملا في خلق زيادة حادة قصيرة في سعر الأسهم ما يدفع بائعيها على المكشوف إلى الإسراع لتغطية مراكزهم، وهي استراتيجية نجحت بشكل خاص في حالة "غيم ستوب".
لم تكن استراتيجيات البيع على المكشوف لصناديق التحوط وحدها المعرضة لما يعرف بتجارة الألم في الأسواق، بل وجد الوسطاء أنفسهم أيضا تحت ضغوط متزايدة وتدافعوا لحماية ميزانياتهم، وأجبروا على استخدام المخزون النقدي لديهم أو السحب من خطوط التسهيلات الائتمانية أو كليهما، وبنهاية الأسبوع، كان الأطراف الثلاثة لا يزالون في اللعبة، ولكن من غير الواضح تماما من سيهزم أولا، وفق العريان.
واضطر بعض صناديق التحوط لبيع بعض أصولها طويلة الأجل خاصة الاستثمارات الأكثر سيولة، معربا عن قلقه من تطور الأمر لعدوى أوسع في السوق، سيعتمد مداها على قوة معنويات "شراء الأسهم المتراجعة". وفي ظل هذه التطورات لا يستبعد العريان أن ينخرط المشرعون والساسة في قواعد اللعبة إلى حد ما.