الشتاء بات ضيفاً ثقيلاً على ملايين الأسر، أصبح يمثل إزعاجاً وعبئاً كبيراً على الآباء والأمهات... ما أقساه من فصل على الفقراء والجوعى والأرامل وأهالي الريف وساكني العشوائيات والمرضى وغيرهم، خاصة في مثل هذه الأيام.
في الفصول الأخرى، يستطيع المواطن التخفف من الملابس، وارتداء قميص أو "تيشرت" يغطي به جسده، حتى لو كان رخيصاً، لا أحد يلاحظ إن كان ماركة أو محلي الصنع في ظل زحمة الحياه وقسوة المعيشة، المهم هو أن يستر نفسه.
أما في الشتاء القارس فالوضع مختلف، الصقيع وشدة البرودة وأحيانا الثلج يحتاج إلى ملابس متراكمة على الجسد تمنح الشخص الدفء والقدرة على الحركة، لا تكفي قطعة واحدة بل عدة قطع.
وأسعار الملابس الشتوية، سواء المحلية او المستوردة من الخارج، باتت ناراً وفوق طاقة الجميع، بل أحياناً فوق قدرة الطبقة متوسطة الدخل التي تدحرج معظم المنتمين إليها إلى الطبقة الأقل اجتماعياً واقتصادياً.
باتت أسعار الملابس الشتوية فوق طاقة الجميع، فقد شهدت قفزات بسبب زيادة سعر الدولار والبطالة وقفزة التضخم وتكاليف الإنتاج
في السنوات الماضية، كانت نسبة من المواطنين تهرع إلى الدواليب لإخراج الملابس الشتوية، وكانت شريحة صغيرة تتجه إلى شراء ملابس جديدة، لكن الجميع الآن بات يهرع إلى الخزن للبحث عن ملابس الشتاء السابق وربما الذي قبله. لا تهم سنة الصنعة ودرجة الجودة، المهم هو ستر الجسد.
باتت أسعار الملابس الشتوية فوق طاقة الجميع، فقد شهدت قفزات بسبب زيادة سعر الدولار والقيود على الواردات وتلكؤ البنوك في فتح الاعتمادات المستندية والبطالة وقفزة التضخم وتكاليف ومستلزمات الإنتاج وتآكل القدرة الشرائية للمواطن، ومعها تآكل المدخرات.
باتت الالتزامات المادية كثيرة على الجميع، لا أحد يلاحقها، فإيجارات السكن والدروس الخصوصية تلتهم الجزء الأكبر من الراتب أو الدخل، خاصة إذا ما أضفنا إليها أسعار البنزين والسولار وفواتير المياه والكهرباء والنظافة والغاز والضرائب العقارية، لا يتبقى الكثير من الدخل لشراء الاحتياجات اليومية من مأكل ومشرب وأدوية.
الأسعار والضرائب والرسوم الحكومية والمواصلات والاتصالات نار، وأسعار الأدوية تشهد قفزات يوماً بعد يوم. وبالطبع، لن يتبقى أي شيء لشراء ملابس جديدة، وإذا تبقى فإنه يوجه لشراء الملابس المستعملة أو "البالات"، أو تلك القادمة من الصين ذات الجودة المتدنية وربما المضرة بالصحة العامة.
لن أتحدث هنا عن شراء المواطن وسائل تدفئة وتكييفات تقيه الجو قارس البرودة، فهذه رفاهية يتمتع بها أصحاب نسبة الـ5%، أما النسبة الأكبر فباتت ترشد استهلاك الكهرباء خوفاً من لسعة الفواتير التي لا تراعي الدخول ومستوى التضخم، ولا تأخذ في الاعتبار جفاف مصادر الدخل، وأحياناً انقطاع الرواتب، كما يحدث في بعض دولنا كاليمن وسورية.
لا جديد في شتاء هذا العام، سوى أن المواطن بات يصرخ أكثر من غلاء الأسعار، ويئن دون أن تسمع السلطات صوته، فالمواطن في واد والحكومات في واد آخر
الأسواق نفسها دخلت في حال بيات شتوي طويل، الملابس الشتوية معروضة لكن لا مشترين، المواطن لا يملك القدرة الشرائية، التاجر نفسه يشكو، فهو ليس المحتكر للسلع أو السبب الرئيسي للغلاء وقفزات الأسعار، كما تروج السلطات التي تحاول إلقاء المسؤولية كاملة على التجار الذين لا حول لهم ولا قوة.
تاجر التجزئة والجملة والصانع معذورون أحيانا في رفع أسعار الملابس الشتوية، فأسعار تكاليف الإنتاج نار، وحالة الأسواق تشهد كساداً وركوداً كبيرين، وهناك التزامات ومصاريف ثابتة على هؤلاء، من أجور وإيجارات وفواتير ومستلزمات الإنتاج.
لا جديد في شتاء هذا العام، سوى أن المواطن بات يصرخ أكثر من غلاء الأسعار، ويئن دون أن تسمع السلطات صوته، فالمواطن في واد والحكومات في واد آخر.
المواطن يعاني الفقر والحرمان والذل والصقيع القارس، والحكومات تواصل بناء المدن الساحلية والفنادق الفارهة وتشتري أساطيل السيارات والطائرات الفارهة.
عندما يصبح الحصول على ملابس شتوية حلما صعب المنال، فإنّ على الجميع التحرك لمساعدة الفقراء في التمتع بشتاء دافئ، فهذا من أبسط حقوق الإنسان.
إذا كنت تملك ملابس زائدة عن احتياجاتك فتبرع بها لمن حولك وللجمعيات الخيرية، ساعد بكلّ ما تملك الآباءَ العاجزين عن تأمين احتياجات أسرهم من الملابس والطعام، وإزالة الخوف والقلق من شتاء قارس لا يشعر به إلّا من ذاق مرارة الفقر والمرض والحرمان من الوطن.