بدأ العمل بنظام "الأمبيرات" في عدد من أسواق العاصمة دمشق، مثل الشعلان والحمراء والصالحية، بعد أن حصل عدد من أصحاب المولدات على التراخيص اللازمة من محافظة مدينة دمشق. فهل يشي ذلك بمصالح مافيوية تمهّد لخصخصة القطاع؟
في التفاصيل، استبقت المحافظة وصول المولدات وهيأت الأماكن المناسبة لتشييدها من خلال قرار إزالة الأكشاك والبسطات عن أرصفة المدينة، تحت ذريعة إعادة الصورة الجميلة للعاصمة، وفسح المجال أمام المواطنين لحرية السير والتنقل دون إعاقة، فيما تبين أن السبب هو لاستعمال أماكن الأكشاك أماكن لمولدات الكهرباء.
في مدينة حلب التي قلَّ عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة بعد الحرب، منحت المحافظة التراخيص لأكثر من 1300 مولد كهرباء قبل يوليو/تموز 2021 بحسب صحيفة "الوطن" المقربة من النظام.
وزاد العدد عن 2300 مولد مع بداية 2023، بحسب مواقع إلكترونية محلية، بسبب اليأس من تحسن وضع الكهرباء بعد وصول ساعات التقنين إلى 20 ساعة مقابل 4 ساعات وصل، وهذا يعني أن أكثر من 50 ألف أسرة وفعالية تجارية أو حرفية باتت تعتمد على الأمبيرات المأجورة في غياب شبه دائم لشركة الكهرباء.
أما في دمشق وريفها المزدحم، ورغم تصريحات المسؤولين الرافضة سابقاً مشروع الأمبيرات، فقد أصبحت خلال الشهر السابق أمراً واقعاً، وبدأت محافظة دمشق إصدار التراخيص لأصحاب المولدات في العديد من أحياء دمشق، وإعطاء الموافقات على تشييدها على الأرصفة في أماكن الأكشاك والبسطات المزالة، مما يؤكد أن نظام "الأمبيرات" قد يكون البديل القريب عن شركة الكهرباء، وربما المنافس المستقبلي لها.
في السياق، يقول وليد الجابر، وهو صحافي في وكالة الأخبار السورية الرسمية: "لقد أصبحت الأمبيرات أمراً واقعاً لا مفر منه، وأصبحت سيفاً مسلطاً على رقابنا كمواطنين وطعنة في خاصرتنا. فبعد كل ما صدر من مواقف وتصريحات رسمية تؤكد أن الأمبيرات حالة مؤقتة ولا يمكن شرعنتها أو تقنينها، ها هم اليوم يمتدحون التجربة التي كانت بنظرهم حالة خاطئة، ولا ينبغي أن تستمر، ويخرج علينا عضو في المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق بتصريح هو بمثابة تمهيد لشرعنة الأمبيرات وتشجيع وجودها في جميع المحافظات السورية".
بدوره، المهندس وسام الحسان يشرح لـ"العربي الجديد" تكاليف الاشتراك الحالية بشبكة الأمبيرات، فيقول: "تتوقف تكاليف الاشتراك على عدد الأمبيرات، وعدد الساعات كما في حلب. أو على كمية الصرف بحسب العداد المرفق كما في دمشق. هذا من جهة وعلى أسعار المازوت الحر وسعر صرف الدولار من جهة أخرى".
منحت حلب تراخيص لأكثر من 1300 مولد كهرباء قبل يوليو 2021، لكن عددها زاد عن 2300 مع بداية 2023
ويضيف الحسان أن الأمبير يساوي 220 واط، أما نظام المحاسبة فهو على الكيلوواط الساعي، أي على 1000 واط، وهذا يتراوح سعره الحالي في دمشق بين 5 إلى 6 آلاف ليرة سورية في مناطق جرمانا ودوما ودويلعة وغيرها. وبشكل أكثر تبسيطاً فإن حاجة المنزل خلال 24 ساعة لا تقل عن 3 كيلوواط ما يزيد سعره حالياً عن 15 ألف ليرة سورية يومياً. (الدولار= 8950 ليرة).
أما في حلب حيث انتشرت شبكة الأمبيرات قبل أعوام، فغالباً ما يجري الاتفاق على كمية أمبيرات أو كيلوواط محددة لمدة ساعات مُتفق عليها خلال اليوم.
وفي 5 مارس/آذار 2017، تعهد وزير الكهرباء برفع أكبال التوتر العالي الواصلة من مدينة حماه إلى حلب، وإيصال التيار الكهربائي إلى المدينة كاملة، وأطلق ورش إصلاح الكابلات المدمرة ضمن المدينة وصيانة وتجهيز المحولات، وقبل وصول الكهرباء اصطدمت تحضيرات الوزير بمشيئة أصحاب المولدات التي حالت دون وصول الكهرباء، وأدت إلى تخريب وسرقة ما أُنجز من صيانة وإصلاح.
وفيما بعد دشن رأس النظام السوري محطة توليد حلب الحرارية في 8 يونيو/حزيران 2022 وشارك في إطلاق عمل المجموعة الخامسة منها بطاقة 200 ميغاواط، بعد أن جرى تأهيلها خلال 6 أعوام سابقة، وإلى الآن لم تستطع أن تقدم المحطة بمجموعاتها الخمس العاملة بالإضافة للتيار الواصل من مدينة حماه أكثر من 185 ميغاواط بحسب مصادر خاصة.
هنا، يقول المهندس أ. جليلاتي من أبناء مدينة حلب لـ"العربي الجديد" إنه "بوجود هذا الكم الهائل من المولدات أصبح التيار الكهربائي النظامي حلماً بالنسبة للمواطن، فنحن أمام شبكة من المستثمرين لما يسمى الأمبيرات لن تسمح بأي شكل بعودة التيار الكهربائي حتى لو تعافت البلاد، وستسعى بكل الوسائل للمحافظة على الوضع المتردي في شركة الكهرباء".
وهذه الشبكة لم تتوقف عند أصحاب المولدات، بل امتدت لتشمل أصحاب محطات الوقود وتجار المازوت الحر، فهي تستهلك ما يفوق مخصصاتها من المازوت النظامي، وبالتالي تُقدر أسعار الأمبير بحسب تحولات سعر المازوت الحر والنظامي وسعر الدولار، إضافة إلى كون وجودها يحرم المواطن من توفر مادة المازوت، وارتفاع أسعار الموجود منه في السوق السوداء، فهي تغذي شبكة الفساد في المؤسسات الخدمية والرقابية في الدولة، بحسب رأيه.
مدير التجارة الداخلية في حلب أحمد سنكري كان قد أوضح لصحيفة "البعث" الرسمية بتاريخ 22 يوليو/ تموز 2021، أن دور حماية المستهلك ينحصر بتنظيم الضبوط بحق المخالفين، وخلال هذه الفترة جرى تنظيم حوالي 200 ضبط بحق أصحاب المولدات لتقاضيهم أجوراً زائدة.
بوجود هذا الكم الهائل من المولدات في العديد من المناطق، أصبح التيار الكهربائي النظامي حلماً بالنسبة للمواطن
في غضون ذلك، تظهر تعليقات المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن موظفي مديرية الرقابة يتغاضون عن معظم شكاوى المواطنين، ويتقاضون رشاوى من أصحاب المولدات، في الوقت الذي يفتقر فيه المواطن لأي ضابطة قانونية تحميه من استغلال أصحاب المولدات، أو من حرمانه من خط الاشتراك في حال الاعتراض.
وحول هذه النقطة، يرى زاهر الملحم في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السلطة السورية استفادت من التجربة اللبنانية في خصخصة المؤسسات الخدمية، لهذا تسعى جاهدة لتعميم مشروع الأمبيرات على جميع المحافظات ليصبح أمراً واقعاً يفرضه التشريع والمرسوم الرسمي، وبهذا تكون قد صنعت مؤسسة استهلاكية بديلة أو منافسة لشركة الكهرباء، ومهدت لها بتراخيص نظامية من البلديات والمحافظة، وبمتابعة ورقابة من دائرة التجارة الداخلية، ومخصصات من اتحاد الحرفيين".
ويضيف: "بهذه المقدمات نتجه إلى خصخصة شركة الكهرباء لتقوم بدور المنافس للقطاع الخاص، تماماً كما يحصل بالمديرية العامة للاتصالات. ولا أستبعد في المدى القريب أن تلحق مؤسسة المياه بهذا الركب".
ويُلاحظ أن محافظة دمشق قد فرّغت الأرصفة من البسطات والأكشاك بعدد كبير من الشوارع، وحرمت آلاف المواطنين البسطاء من مورد مالي، لكي يستمروا على قيد الحياة، بحجة تجميل المدينة، وأفرد إعلام النظام ساعات بث لمواكبة عملية الإزالة، لكن الحقيقة كانت في إفراغ إشغالات الأرصفة لأهداف أُخرى تجعل المولدات الكهربائية هي المنظر الجمالي القادم للعاصمة.