رغم أن الولايات المتحدة تتجه لتبني استراتيجية الطاقة المتجددة على الصعيد الداخلي، في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، إلا أن ذلك لا يعني أن واشنطن ستتخلى عن استراتيجية "أمن الطاقة العالمي"، إذ تعد موارد النفط والغاز الطبيعي ومسارات تصديرهما من أهم عوامل الهيمنة وتعزيز مركزها كدولة عظمى تشكل مسارات "النظام العالمي" وتوجهاته السياسية لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
ولا تستخدم واشنطن سلاح الهيمنة على الطاقة العالمية فقط في بناء العلاقات السياسية مع الدول، ولكن كذلك كسلاح فعال في السياسة الخارجية للإغراء والضغط على الحلفاء والأعداء على حد سواء.
وبالتالي، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب استخدمت سياسة "الحظر القاسي على تصدير النفط والغاز الإيرانيَين" لإضعاف الاقتصاد وزعزعة النظام الإيراني على أمل إجباره القبول بشروطها، كما استخدمت أساطيلها العسكرية لتأمين مرور الناقلات النفطية عبر مضيق هرمز خلال العام 2018، حينما هددت إيران بوقف صادرات النفط الخليجي. ومن منطلق أمن إسرائيل واستراتيجية الطاقة العالمية يمكن فهم تعامل الولايات المتحدة مع إيران في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وتستخدم واشنطن استراتيجية الهيمنة على مصادر الطاقة وممراتها بفعالية تامة منذ بداية الحرب الباردة، إذ كان انهيار أسعار النفط القشة التي قصمت ظهر موسكو، ولا تزال تستخدمها للضغط على أعدائها في آسيا وعلى رأسهم الصين التي تعتمد على استيراد النفط من المنطقة، كما تُستخدم لضمان ولاء حلفائها في آسيا وأوروبا مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي.
وتشير دراسة نشرها موقع "سيف" الأميركي إلى أن الولايات المتحدة تنفق 81 مليار دولار سنوياً على حماية إمدادات الطاقة ومسارات تصديرها العالمية.
ولكن كيف سيتعامل بايدن مع الملف الإيراني في حال فوزه؟
وصف بايدن في مقال كتبه بموقع قناة "سي أن أن" التلفزيونية الأميركية في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي، "خروج ترامب من الاتفاق النووي "5+1"، ووضع " أكبر ضغط ممكن على طهران"، بأنه كان نعمة للنظام الإيراني ونقمة على المصالح الأميركية.
وأشار بايدن في المقال إلى أنه ليس لديه أدنى شك في أن النظام الإيراني يمثل تهديدات خطيرة للمصالح الأمنية الأميركية ولشركاء بلاده وأصدقائها في المنطقة وكذلك على الشعب الإيراني، مشيراً إلى أن سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران عزلت الولايات المتحدة دولياً، كما دفعت إلى التقارب بين طهران وكل من موسكو وبكين.
وقال بايدن إنه في حال فوزه سيعمل على منع إيران من الحصول على السلاح النووي عبر منح طهران مخرجاً دبلوماسياً من عزلتها العالمية، وأنه سيعيد أميركا للاتفاق النووي "5 +1" كبداية للتفاوض مع طهران مرة أخرى، كما سيعمل مع شركاء بلاده في الاتفاق النووي على تعزيز شروط الاتفاق النووي، وسيعمل على خفض التوتر بين طهران وشركاء الولايات المتحدة بما في ذلك إنهاء الحرب التي وصفها بالكارثة في اليمن".
ووفق المرشح الديمقراطي، فإنه سيعطي أولوية في حال فوزه لوضع استراتيجية جديدة تجاه طهران.
ويرى محللون في أسواق النفط، أن فوز بايدن سيعني نهاية الحظر الإيراني وبالتالي سيضع مزيدا من الضغوط على أسعار النفط في العام المقبل، لأنه سيطلق صادرات النفط الإيرانية للأسواق العالمية، وكانت صادرات إيران تقدر بنحو مليوني برميل قبل عودة الحظر الأميركي للنفط الإيراني في العام 2018.
في هذا الشأن تقول محللة الطاقة بشركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" البريطانية، هيلما كروفت، إن فوز بايدن سيعني عودة إيران لسوق النفط العالمي، وتدفق ملايين البراميل مرة أخرى للأسواق".
وفي ذات الصدد، يقول الخبير بمنتدى الطاقة العالمي، جو ماكنوجيل، إن إيران ستضخ مليوني برميل إلى أسواق النفط في حال فوز بايدن. وربما ستكون الشركات الأميركية التي تملك تقنيات الاستخراج المعقدة للنفط والغاز الطبيعي من الشركات المستفيدة من إنهاء الحظر على إيران لأنها ستتمكن من العودة للسوق الإيراني بعد عقود طويلة من مغادرته ومنذ سقوط نظام الشاه في إيران في العام 1980.
وبالتالي من غير المتوقع أن يتخلى بايدن في حال فوزه عن استخدام استراتيجية الهيمنة على الطاقة في السياسة الدولية حسب مراقبين، إذ إنه ينوي إعادة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني "5+1"، وحرمان بكين وموسكو من الانفراد بالطاقة الإيرانية.
على الصعيد السياسي، ربما ستكون المنطقة العربية أقل أهمية بالنسبة لإدارة بايدن في حال فوزه حسب بعض التحليلات الأميركية، في ظل تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال وكل من الإمارات والبحرين والتحالف القوي القائم بين الرياض وتل أبيب، وربما ستنتهي تماماً الخصوصية التي كانت تربط علاقة الرياض وواشنطن.
لكن استراتيجية إدارة بايدن ستعمل على حرمان كل من موسكو وبكين من الهيمنة على موارد الطاقة في منطقة الخليج الغنية بالنفط والغاز، كما ستعمل على عرقلة تزايد نفوذ الطاقة الروسي في أوروبا.
يُذكر أن الصين تتجه نحو إبرام اتفاقية طاقة ضخمة مع إيران تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار، ستقوم بموجبها باستثمار 280 مليار دولار في مشاريع النفط والغاز والبتروكيميائيات الإيرانية خلال الخمس سنوات الأولى من الاتفاقية التي تمتد لفترة 25 عاماً. كما ستضخ الصين كذلك استثمارات تقدر بنحو 120 مليار دولار في البنية التحتية الصينية. وتشمل هذه الاستثمارات تحديث المواصلات والمشاريع الصناعية.
وفي مقابل هذه الاستثمارات في إيران، ستحصل الصين على أولوية لشركاتها في الحصول على عقود مشاريع النفط والغاز والبتروكيميائيات التي تطرحها شركات الطاقة الإيرانية. وربما ستمنح إدارة بايدن أولوية لعرقلة الاتفاق الإيراني الصيني عبر التفاوض مع طهران مرة أخرى.