لو كانت الحكومات العربية صادقة حقاً في وضع حد للحرب الإسرائيلية الهمجية والإجرامية على قطاع غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية لأوقفت على الفور صادرات النفط والغاز الطبيعي، والنتائج مضمونة أو على الأقل شبه مضمونة، ولتم أيضا وعلى الفور فتح معبر رفح الحدودي لاستقبال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء.
فالعالم لا يعرف سوى لغة المصالح وقبلها لغة القوة، والعرب لديهم من الإمكانات والثروات والفرص، ما يجعلهم أصحاب مصالح وقوة ضغط لا يستهان بها في أسواق الطاقة والمعابر الدولية ومنها هرمز وباب المندب وقناة السويس.
وفق الأرقام، فإنّ إنتاج العرب من النفط يبلغ نحو 30% من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والبالغ نحو 100 مليون برميل.
ولدى العرب تأثير قوي في المؤسسات الدولية المنظمة لأسواق الطاقة حول العالم مثل "أوبك" أو تحالف "أوبك +"، كما يمتلك العرب أكثر من 57% من الاحتياطي العالمي للنفط الخام، وأكثر من 26.5% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي.
ويعد العرب لاعباً قوياً في سوق الغاز المسال العالمي، وزادت تلك الأهمية عقب اندلاع حرب أوكرانيا والحرب الغربية الشرسة ضد النفط والغاز الروسي ومحاولة عرقلة وصوله لأسواق العالم بهدف تجفيف إيرادات روسيا لتمويل الحرب.
نحن هنا لن نخترع العجلة عندما نقطع صادرات النفط والغاز عن الدول الداعمة للاحتلال، فقد فعلها العرب في حرب أكتوبر 1973 حينما قطعت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، وغيرها من الدول العربية النفط عن أسواق العالم.
وهو ما أدى إلى حدوث قفزات في أسعار الخام الأسود خلال أشهر ليرتفع سعر البرميل إلى 12 دولاراً مقابل 3 دولارات قبلها، وهو ما حقق نتائج مبهرة، ومثل ضغطا شديدا على الغرب الداعم للاحتلال الإسرائيلي.
ماذا لو أوقفت كل من مصر وقطر والجزائر صادرات الغاز الطبيعي عن تلك الدول الداعمة بقوة للمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين وفي المقدمة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول العالم؟
ماذا لو أوقفت السعودية التي تحتل الترتيب الثاني في قائمة كبار منتجي النفط عالمياً صادرات النفط كما فعلت في العام 1973، ماذا لو انضمت إليها العراق والكويت والجزائر وليبيا وسلطنة عمان ومصر وغيرها من الدول المنتجة للنفط؟
لن أتحدث هنا عن الإمارات والبحرين فموقفهما معروف من الحرب الدائرة في غزة، وبالتالي لا يجب التعويل على موقف الدولتين.
ماذا لو بدأت الدول العربية المنتجة للطاقة على الفور حتى بسياسة التلويح بوقف صادراتها من النفط والغاز كما تفعل كلّ دول العالم حينما تواجه مخاطر خارجية؟
هنا ستقفز أسعار النفط والغاز بشكل جنوني حتى بمجرد التلويح من قبل الحكومات العربية، لا القطع الفعلي والفوري للصادرات النفطية، باعتبار أنّ العوامل النفسية لها دور كبير في تحديد اتجاهات الأسعار في أسواق الطاقة والمعادن والعملات وغيرها.
في حال حدوث قفزة في أسعار النفط، هنا تلجأ حكومات العالم لزيادة أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز طبيعي، وهذا سيترتب عليه عودة موجه التضخم وقفزات الأسعار، وحدوث إرباك شديد للبنوك المركزية في معالجة التضخم الجامح، يصاحب ذلك الارتباك اندلاع غضب شعبي وتظاهرات وقلاقل اجتماعية داخل دول العالم المعتمدة على النفط والغاز.
هذه التظاهرات قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية داخل تلك الدول وتؤثر في نتائج الانتخابات، وهو الأمر المتوقع حدوثه للانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة.
ولا ننسى أنّ دونالد ترامب خسر الانتخابات الأميركية الماضية على خلفية أسباب معظمها اقتصادي، منها غلاء المعيشة وزيادة التضخم وارتفاع أسعار الوقود والكساد ومعدلات البطالة وغيرها.