مؤشرات تونس تتجمّل قبل الانتخابات... شكوك في واقعية البيانات الحكومية

20 اغسطس 2024
احتجاج ضد سياسات قيس سعيد في تونس العاصمة، 22 يوليو/تموز 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحسن المؤشرات الاقتصادية في تونس:** الاقتصاد نما بنسبة 1% في الربع الثاني، التضخم تراجع إلى 7% في يوليو، والبطالة انخفضت إلى 16%. الموازنة سجلت فائضاً بقيمة 488 مليون دينار في يونيو، لكن المحللين يشككون في واقعية هذه البيانات.

- **الانتخابات الرئاسية والتحديات الاقتصادية:** تستعد تونس للانتخابات الرئاسية في أكتوبر، مع قبول ملفات ثلاثة مترشحين بينهم الرئيس الحالي قيس سعيّد. المعارضة تنتقد سعيّد بسبب ضعف حصيلة ولايته الأولى، بينما يعزو سعيّد التحديات الاقتصادية لسوء التخطيط السابق.

- **التوقعات المستقبلية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي:** الاقتصاد التونسي لا يزال هشاً مع توقعات بنمو ضعيف حتى 2025. المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة منذ عامين، لكن يُتوقع استئنافها بعد الانتخابات. التحديات تشمل استقلال الطاقة وعجز ميزان المحروقات.

كشفت مؤسسات الإحصاء الرسمية في تونس خلال الأيام الأخيرة عن بيانات متتالية تظهر تحسن المؤشرات الاقتصادية، شملت معدلات النمو والتضخم والبطالة وعجز الموازنة، في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ما دعا محللين إلى التشكيك في واقعية البيانات، معتبرين أنه يجري تجميلها مقارنة بالواقع الذي يعكس صعوبات اقتصادية ومعيشية كبيرة.

وقبلت هيئة الانتخابات مبدئياً ملفات ثلاثة مترشحين للانتخابات الرئاسية، هم أمين عام حزب حركة الشعب زهير المغزاوي والمرشح المستقل العياشي زمال، والرئيس الحالي قيس سعيّد الذي يتقدّم لولاية ثانية.

وأظهرت بيانات معهد الإحصاء الحكومي أن اقتصاد البلاد حقق خلال الربع الثاني من العام الجاري نمواً بنسبة 1% مقابل 0.4% خلال الربع الأول، وتقلّص معدل التضخم إلى 7% خلال يوليو/تموز الماضي، مسجلاً بذلك تراجعاً بنحو نصف نقطة مئوية مقارنة بما كان عليه بداية 2024.

كذلك أظهرت المؤشرات تراجع البطالة بنسبة 0.2% خلال الربع الثاني، مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، لتصل نسبتها إلى 16%. في الأثناء قالت وزارة المالية إن رصيد الموازنة سجل فائضاً بقيمة 488 مليون دينار (159.4 مليون دولار) في نهاية يونيو/ حزيران، بينما كان قانون الموازنة الذي أقره البرلمان بداية العام يرجح تسجيل عجز بنحو 6.6%.

ورغم خروج المؤشرات الاقتصادية من المنطقة الحمراء، وفق البيانات الحكومية، يشكو معظم التونسيين من ثقل الغلاء والتراجع الحاد للخدمات الأساسية، ولا سيما الصحة والنقل والتعليم، فضلاً عن تواتر نقص المواد التموينية الرئيسية في الأسواق. وتستعمل المعارضة السياسية الملف الاقتصادي ورقة ضد الرئيس الحالي الذي استأثر بالسلطة بعد سلسلة من القرارات الاستثنائية التي بدأها في 25 يوليو/تموز 2021.

يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية آرام بالحاج، إنه من المبكر جداً الحديث عن تعافٍ اقتصادي في تونس، مرجحاً أن تستمر مستويات النمو الضعيفة وتأثيراتها على سوق العمل إلى سنوات قادمة. يضيف بالحاج لـ"العربي الجديد" أن المؤشرات الاقتصادية تتحسن بنسب ضعيفة جداً، ما يبقي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد هشاً، ويطيل أمد معاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأكد أن اقتصاد تونس يحتاج إلى استعادة نسب نمو لا تقل عن 3% للخروج من النفق، مشيراً إلى أن صندوقي النقد الدولي والعربي يتوقعان بقاء نسب النمو في حدود 2% إلى غاية عام 2025. ولفت إلى أن الأرقام الرسمية المفصح عنها تشير إلى أن نسبة النمو في 2024 ستكون أعلى من العام الماضي الذي شهد تداعيات الجفاف القاسي على الزراعة ومن ثم على اقتصاد البلاد، بينما الواقع أن نسبة النمو الاقتصادي المرجحة هذا العام ستكون كسابقاتها ضعيفة، ولن تمكّن من الرجوع الى مستويات ما قبل جائحة فيروس كورونا في 2020، كما لن تسمح بخلق فرص عمل ولا بمقاومة الفقر واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية الضرورية للبلاد.

الاقتصاد ورقة المعارضة السياسية

تستغل المعارضة التونسية ورقة الاقتصاد لتوجيه انتقادات إلى قيس سعيد وحكوماته، مشيرة إلى أن حصيلة الولاية الأولى لسعيّد كانت ضعيفة جداً، رغم استئثاره بالصلاحيات الكاملة منذ حل البرلمان في 25 يوليو/تموز 2021. واعتبر الخبير المالي والناشط السياسي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني، أن إيرادات تصدير زيت الزيتون أنقذت البلاد من "صفر نمو".

وقال العجبوني في تدوينة على صفحته على "فيسبوك" إن نسبة النمو المسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري تحققت بفضل مداخيل الصادرات القياسية من زيت الزيتون ولولاه لكانت نسبة النمو تحت الصفر". وأضاف "صفر نمو وصفر إنجازات طيلة خمس سنوات من الحكم، من بينها ثلاث سنوات من الحكم الفردي المطلق بصلاحيَات شبه إلهية".

لكن سعيّد يعتبر أن الحصيلة الاقتصادية هي نتاج سنوات مما يصفه بالخراب وسوء التخطيط وهيمنة اللوبيات الاقتصادية على البلاد واعداً بتفكيكها ومكافحة كل أسباب الفقر. ودعا سعيد رئيس الحكومة كمال المدوري إلى تفعيل الدور الاجتماعي للدولة. وقال وفق منشور على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية في "فيسبوك"، في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري، إن "الخراب الذي أصاب العديد من المؤسسات والمرافق العمومية الأساسية يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة تُخفّف من معاناة المواطنين، كما يقتضي وضع برامج يتم إنجازها بسرعة مع التصدّي لكلّ من يعمل على تعطيلها سواء من داخل الإدارة أو من خارجها".

ويرجّح تقرير صادر عن البنك الدولي في إبريل/ نيسان الماضي تحت عنوان "لماذا يحتاج عالمنا إلى الانضباط المالي في عام الانتخابات الأكبر على الإطلاق" أن تميل الحكومات إلى الإنفاق أكثر، وفرض ضرائب أقل خلال سنوات الانتخابات.

ويشير الخبير المالي مراد الحطاب، إلى أن بوادر تحسن المؤشرات الاقتصادية سبقت الانتخابات، حيث ظهر هذا التحسن بداية من النصف الثاني من سنة 2023. ويرى الحطاب في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه لا يمكن إنكار أن السلطات التونسية نجحت في تقليص عجز الموازنة ليُسجَّل فائض خلال النصف الثاني من العام الجاري بما يزيد عن 420 مليون دينار، كما تمكنت من محاصرة التضخم وحصر ميزان المدفوعات الخارجية في حدود 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي، ما ساعد البلاد على سداد كامل أقساط ديونها الخارجية لعامي 2023 و2024 من دون تعثر أو جدولة بقيمة تقترب من 7 مليارات دولار، كما لم تلجأ الدولة إلى الحصول على قروض خارجية جديدة لسداد القروض المستحقة، وهو نتج عنه تحسن في رصيد النقد الأجنبي واستمرار تماسك الدينار المحلي مقابل عملتي الدولار واليورو. ورغم ذلك يشير الخبير المالي إلى أن تحسن المؤشرات الاقتصادية لا يخفي بروز العديد من التحديات الأخرى مثل استقلال الطاقة والتحكم في عجز ميزان المحروقات والذي يتضخم.

ورجّح تقرير صادر عن وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني العالمية بداية الشهر الحالي أن تستأنف تونس مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي بشأن تمويلات جديدة عقب الانتخابات الرئاسية. وأفادت التقارير بـ"أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة، لكنها يمكن أن تُستأنف بعد الانتخابات" واعتبر أن مركزية السلطة منذ يوليو/ تموز 2021، وغياب الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، أديا إلى إضعاف آفاق النمو في البلاد.

وتوقفت المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي منذ نحو سنتين، بعد توقيع اتفاق مبدئي عام 2022 يقضي بحصول البلاد على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار مشروطاً بإصلاحات اقتصادية قاسية عارضها سعيد.

وأكد تقرير الوكالة أن قدراً كبيراً من التمويل الرسمي لا يزال متوقفاً على تنفيذ الإصلاحات التي تهدف إلى استعادة القدرة على تحمل ديون البلاد وفتح سبل النمو. وفي عام 2023، نما الاقتصاد التونسي بنسبة 0.4% فقط، مقارنة بـ 2.4% في عام 2022. وتوقعت الوكالة ارتفاعاً بطيئاً للنمو إلى حوالي 1% خلال الفترة الممتدة ما بين 2024 و2025، مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في التأثير على الاستهلاك الخاص.

المساهمون