30 سبتمبر 2020
+ الخط -

على مدى ثلاثة أيام عقدت الحكومة السودانية أكبر مؤتمر اقتصادي تشهده البلاد منذ إطاحة عمر البشير في إبريل 2019 وذلك أيام السبت والأحد والاثنين، وقد بحث المؤتمر بشكل أساسي كيفية التعامل مع الأزمات الاقتصادية العنيفة التي تشهدها البلاد وفي مقدمتها الأزمة المعيشية الطاحنة، وتهاوي العملة المحلية، وقفزات الأسعار، وزيادة الدين الخارجي، وتفشي الفساد المالي.

وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يتخذ المشاركون في المؤتمر قرارات صادمة وعنيفة للرأي العام السوداني للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة منها مثلا تعويم العملة المحلية لوقف تهاويها المتواصل أمام الدولار، ورفع الدعم الحكومي المقدم للوقود مثل البنزين والسولار، خاصة أن الحكومة الانتقالية أدخلت الشهر الماضي تعديلات جذرية على موازنة العام الجاري تشمل رفع الدعم عن المحروقات، والتحرير الجزئي لسعر الصرف وزيادة سعر الدولار الجمركي.

لكن المشاركين في المؤتمر الاقتصادي تفادوا إصدار مثل هذه القرارات الملغومة بعد أن رفضت قوى الحرية والتغيير توصية للحكومة الانتقالية برفع الدعم عن الوقود أعلنتها ضمن فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر.

واكتفى المؤتمر الاقتصادي القومي بالتوصية بترشيد دعم البنزين والسولار، وهو جزء من برنامج إصلاح حكومي يدعمه صندوق النقد الدولي، كما أوصى باتخاذ خطوات لتخفيف الضغط على الجنيه السوداني عبر تخفيض الاستيراد وتوجيه موارد النقد الأجنبي المتاحة للقطاعات الإنتاجية، مع العمل على ضبط مصادر التنوع النقدي والتحكم في معدلات عرض النقود.

إضافة إلى توصيات أخرى منها إصلاح قوانين الاقتصاد، وإنشاء مفوضية مكافحة الفساد، وإعادة تشكيل مفوضية الأراضي، ومراجعة العقود الحكومية، واعداد قانون يدعم ولاية وزارة المالية، على المال العام بما فيها شركات المؤسسات العسكرية، مع تشكيل الحكومة لجنة تنفيذية لتطبيق مخرجات المؤتمر الاقتصادي السوداني.

انفض المؤتمر الاقتصادي القومي بالسودان، دون أن يجيب عن سؤال رجل الشارع: متى تنتهي الأزمة المعيشية الطاحنة والتي من أبرز ملامحها حدوث زيادات قياسية في أسعار السلع الأساسية، مع قفزة في معدل التضخم وصلت إلى 166.8% في أغسطس الماضي، وهي من أعلى المعدلات في العالم، طوابير طويلة أمام أفران الخبز ومحطات الوقود، أزمة سيولة غير مسبوقة داخل القطاع المصرفي، مضاربة عنيفة على الدولار، نقص حاد في الدواء والسلع الرئيسية والمواد الخام والسلع الوسيطة.

ومن بين ملامح الأزمة كذلك، انهيار في البنية التحتية من طرق وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي، غذته أزمة الفيضانات الأخيرة، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن مع تراجع الدخل وتهاوي قيمة العملة الوطنية وتصاعد ظاهرة تخزين الدولار " الدولرة"، وتصاعد منسوب الفساد ونهب المال العام رغم الحديث الحكومي عن مكافحته ومصادرة أموال رموز النظام السابق واستعادة الأموال المنهوبة، ونهب الثروات الطبيعية ومنها الذهب، وإهدار ثروات البلاد الزراعية والغذائية والتي تؤهلها لأن تكون سلة غذاء العالم وفق منظمات إقليمية ودولية.

راهن رجل الشارع السوداني على المؤتمر الاقتصادي القومي في حلحلة أزمته الاقتصادية، لكن رهانه كان خاسراً في ظل عدم تقديم المشاركين به إجابات محددة لأسئلة أخرى كثيرة منها: متى تنتهي الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تمر بها البلاد وأدت إلى توقفها عن سداد ديونها المستحقة والعجز عن الاقتراض الخارجي وجذب موارد جديدة.

وقبلها متى يستعيد الاقتصاد تعافيه، وهل هناك خيارات متاحة أمام حكومة عبد الله حمدوك للنهوض بالاقتصاد دون اللجوء للحلول السهلة ومنها الاقتراض الخارجي وابرام اتفاق مع الجهات الدائنة ومنها صندوق النقد والبنك الدوليان، وبالتالي رهن القرار السياسي والاقتصادي والمالي للبلاد للدائنين.

أزمة الاقتصاد السوداني باتت تتعمق يوماً بعد يوم خاصة في ظل تداعيات كورونا الخطيرة، واستمرار ادراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وتسريح الاف من المغتربين السودانيين خاصة العاملين في منطقة الخليج، واستمرار سيطرة الجيش على مفاصل رئيسية في الاقتصاد.

المساهمون